إيران تغزو العالم العربي عبر ظاهرة “التعبّد بالسياسة”
بقلم الدكتور بلال الصبّاح*
تُعتَبَر اللغة العربية من أهم المُكوِّنات الأساسية للهوية العربية والإسلإمية، بالإضافة إلى دورها في تذوق البلاغة الإعجازية للقرآن الكريم وإشباع الروحانية الدينية للمُسلِم، بينما فقدانها عند المُسلِمين العجم كان له دور كبير ومؤثر في هويتهم الدينية، وتعويض هذه الروحانية المنقوصة كان عبر الإقتران السلبي بين الدين والسياسة، لإعتقاد خاطئ بأن الروحانية الإسلامية يُمكن إشباعها من خلال الساحة السياسية وأحداثها اليومية كجزء لا يتجزأ من الهوية الذاتية.
وهذه الظاهرة الإجتماعية إنتشرت بين المُسلمين العجم، ثم انتقلت إلى المنطقة العربية عبر إيران وأذرعها الحزبية، وأفضل ما يُمكن تسميته لهذه الظاهرة هو “التعبُّد بالسياسة”؛ أي أن التقرب إلى الله بالأعمال السياسية هو من أعظم درجات الإيمان، وهو ما يُلزِم الفرد وجوباً على إتباع فريق سياسي، وفرض الجهاد في سبيل نُصرته.
وهنا يُمكن القول بأن إضطراب الأحداث السياسية على الساحة العربية هو أمر طبيعي ومن السنن الكونية، ولكن حتماً سوف يؤدي إلى إضطراب الهوية الدينية عند المسلمين العجم، فالمُتعبدون بالسياسة يعتقدون أن هذه الإضطرابات السياسية هي دلالات على ضعف الإيمان عند العرب، وربما وجب قتالهم وإسقاط أنظمتهم الحاكمة.
فعلى سبيل المثال؛ كنا نعتقد بإيجابية مُتابعة المسلمين العجم للأحداث العربية، وأنها مؤشر إلى رغبتهم في التواصل مع العرب، وأن مسيراتهم من أجل فلسطين والدعوة لتحرير الأقصى دلالة على إهتمامهم بالهوية الإسلامية المُشتركة مع العرب.
ولكن بعد الأزمات العربية الحالية، وبخاصة في سوريا واليمن، أخذت المؤشرات الإيجابية تنقلب للسلبية، حيث إتضح أن التقارب الإيراني مع المسلمين العرب كان يقوم على مفهوم “العبادات السياسية” وهو مفهوم تجاوز جميع الروابط مع العرب، بل عمل على تمزيقها.
كما أن إهمال المؤسسات العربية الرسمية إرتباطاتها بالمسلمين غير العرب (العجم) وخصوصاً في القارة الإفريقية، مع الدعوات العربية لفصل الدين عن السياسة عملت على خلق فجوة بين العرب والعجم كمُتناقضين لا يلتقيان، حيث يعتقد العجم بأن فصل الدين عن السياسة هو حرب على الدين وروحانيته التعبدية.
إذاً؛ ليست القضية بالتشيع العقائدي أو السياسي بقدر ما هو التغلغل في زمن الإضطرابات السياسية للمساهمة في تشكيل الهوية الإسلامية الجديدة وفق ما تراه القوى المُعادية للعرب مُناسباً لولايتها على العالم الإسلامي. كما أن مرحلة إضطراب الهوية هي بمثابة البيئة الخصبة للتغلغل الفكري المُتطرف عبر تحريف بعض الظواهر الإجتماعية إلى مفاهيم دينية مغلوطة كالتعبّد بالسياسة.
• باحث وكاتب سياسي عربي يعيش في جنوب إفريقيا.
• هذا المقال يُمثل رأي كاتبه وليس بالضرورة رأي “أسواق العرب”.