خطابُ نصر الله أظهرَ حدودَ استراتيجية “وحدة الساحات”

مايكل يونغ*

ألقى الأمين العام لـ”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، يوم الجمعة الفائت (3/11/2023)، خطابًا طال انتظاره، حيث ترك انطباعًا بأنه كان مُنخَرِطًا في عمليةِ توازنٍ عاليةِ المستوى. كان على نصر الله أن يوازِنَ بين التزاماته المُتناقضة في كثيرٍ من الأحيان، وفي النهاية نجح في شراء الوقت لنفسه، في حين أصرَّ على أنَّ جميعَ الخيارات تظلُّ مفتوحةً أمام حزبه وهو يراقب تطورات الحرب بين إسرائيل وغزة.

الإلتزامُ الأول لنصر الله كان تجاه شركائه في ما يسمى ب”محور المقاومة”، وهو تحالفٌ ترعاه إيران من الجماعات المسلحة التي تضم “حزب الله” و”حماس” و”الجهاد الإسلامي الفلسطيني” والحوثيين في اليمن والميليشيات القريبة من طهران في قوات “الحشد الشعبي في العراق، ومجموعات أصغر مختلفة.

في وقتٍ سابقٍ من هذا العام، بدأ نصر الله يتحدّث لأول مرة عما أسماه استراتيجية “وحدة الساحات”، أو “وحدة الجبهات”، حيث تقوم ميليشيات “محور المقاومة” بتنسيق عملياتها العسكرية ضد إسرائيل من أجل تطويقها بحلقة من النيران. وهذا يعني أنه عندما تتجاوز إسرائيل بعض الخطوط الحمراء في الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس أو في تعاملاتها مع أعضاء “محور المقاومة”، فإن هذه الميليشيات ستنتقم بشكلٍ مُوَحَّد وفي وقتٍ واحد.

لقد وضعت الحرب في غزة هذه الاستراتيجية على المحك، لكنها أجبرت الشركاء في المحور أيضًا على توضيح معنى التنسيق. منذ البداية، أوضح “حزب الله” وإيران أن هناك حدودًا لما سيسمح المحور لإسرائيل بالقيام به في غزة، بما في ذلك غزو القطاع. ومع ذلك، لم يوضِّحا أبدًا ما سيكون ردّهما، ولا إلى أي مدى سيذهبان، مع الاحتفاظ بهامشٍ من المناورة.

وهذا الأمر خلق معضلة لنصر الله. إن التزامه تجاه المحور يصطدم بالتزامه في الداخل تجاه طائفته الشيعية، وربما بدرجة أقل، تجاه نظرائه الطائفيين في لبنان، بأنَّ “حزب الله” قادرٌ على ضمان أمن البلاد. فإذا دخل “حزب الله” الحرب بالكامل ضد إسرائيل، الأمر الذي سيؤدي إلى انتقامٍ إسرائيلي ضخم وتدمير البلاد، فإنَّ “حزب الله” يجازف بإلقاء اللوم عليه من قِبَل الشيعة والمجتمعات اللبنانية الأخرى.

يدرك “حزب الله” جيدًا أنَّ آثارَ الحرب المدمّرة يمكن أن تهدد موقعه المُهَيمن. وقد تعهّدت إسرائيل بقصف لبنان و”إعادته إلى العصر الحجري” إذا دخل الحزب الحرب بكل قوته. وفي داخل البلاد، أصبح “حزب الله” معزولًا بالفعل، حيث لا يرغب معظم اللبنانيين في رؤية لبنان مدمّرًا بسبب الصراع في غزة. ورُغمَ وجودِ تعاطفٍ مع الفلسطينيين، فإنَّ الانهيارَ الاقتصادي الذي شهده لبنان في العام 2019 جعل التعبير عن التضامن بشكلٍ أكثر تقدّمًا أمرًا مستحيلًا.

في خطابه، لم يستبعد نصر الله التصعيد، لكن كل مَشاهِدِ خطابه أوضحت أن “حزب الله” يسعى إلى تجنّبِ صراعٍ قد يتحوّلَ بسرعة إلى حريق إقليمي. وشدد نصر الله على أنَّ الحزب دخل المعركة منذ اليوم الأول، وأجبر القوات الإسرائيلية على سحب ثلث عديدها بعيدًا من غزة. وكان هذا، ضمنيًا، ردًّا على أولئك الذين اتهموا الحزب بعدم القيام بما يكفي.

مع ذلك، كما قال معظم المراقبين، فإن التبادلات بين “حزب الله” وإسرائيل، على الرُغم من أنها ليست ضئيلة (قُتل العشرات من المقاتلين والمدنيين في المجموع)، إلّا أنها ظلت ضمن “قواعد الاشتباك” التقليدية. وهذا يعني أن القتال قد تم احتواؤه في الغالب في المنطقة الحدودية الأوسع، حيث انخرط الجانبان في المقام الأول في عملياتٍ متبادلة وتجنّب ضرب أهدافٍ استراتيجية رئيسة ومناطق حضرية كبيرة.

لا بدَّ أنَّ هناك شيئًا آخر ساهم بشكلٍ كبير في تشكيلِ ردّ نصر الله: أولويات إيران.

منذ البداية، كان من الواضح أن الإيرانيين والأميركيين يتقاسمون هدفًا يتمثّل في عدم الرغبة في السماح للصراع في غزة بالخروج عن نطاق السيطرة ويؤدي إلى حرب إقليمية يمكن أن تجتذب كلا البلدين. وبالطريقة عينها التي سعت بها واشنطن للسيطرة على ردِّ فعلِ إسرائيل لتجنّب مثل هذه النتيجة، لا بدَّ أنَّ نصر الله كان يعلم أنَّ نطاقَ عمله كان محدودًا أيضًا، حتى لو كان متّفِقًا تمامًا مع عواقب ذلك.

من غير الواضح في أيِّ اتجاه سوف يتجه “حزب الله” إذا هددت إسرائيل “حماس” وجوديًا. وحتى لو ترك نصر الله الباب مفتوحًا لرفع الرهان في هذه الحالة، فإن هدفه الأساسي قد لا يتغيّر كثيرًا – أي تجنّب دمار لبنان، الذي يمكن أن تستحوذ مواجهته وإدارته على اهتمام الحزب لسنوات عديدة، وبالتالي تحييد “حزب الله” وقدرته على الردع نيابة عن إيران.

لا يمكن الاستهانة بالنقطة الأخيرة. أحد الأدوار الرئيسة ل”حزب الله” هو العمل كدرعٍ ضدّ أي محاولة أميركية أو إسرائيلية لقصف إيران، وخصوصًا برنامجها النووي. إنَّ وضعَ “حزب الله” في موقف قد يؤدي إلى تقويض هذا الدور ربما لا يكون خيارًا بالنسبة إلى نصر الله، حتى لو كان يريد تجنّب إظهار ذلك.

والسؤال الأوسع هو ما الذي يعنيه إحجام “حزب الله” عن الانجرار إلى حربٍ واسعة النطاق مع إسرائيل، بعيدًا من الهجمات التي تم احتواؤها حتى الآن في المنطقة الحدودية الواسعة مع إسرائيل، بالنسبة إلى استراتيجية “وحدة الساحات” التي تنتهجها إيران و”حزب الله”. من حيث التوقعات، فمن المؤكد أن ذلك سيحدّ مما يمكن أن يتوقعه حلفاء إيران من أن يفعله “حزب الله” نيابة عنهم إذا تعرضت قوته للتهديد بسبب الانتقام الإسرائيلي. لذلك، فإن الاستراتيجية، التي هي عملٌ قيد التنفيذ، ربما أظهرت بالفعل بعض حدودها.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى