تراجع صلاحيّات مجلس عُمان: من الحقوقِ الدستورية إلى المُكتَسبات القانونية

كرّس قانون مجلس عُمان سيطرة الحكومة، ليس فقط على صنع القرار بشكلٍ مُنفرد، بل منحها أيضاً الحق في رفض أي مقترحِ قانونٍ يتقدّم به مجلس عُمان.

مجلس الوزراء المُعيّن: صارت صلاحياته أقوى

رفيعة الطالعي*

صدور النظام الأساسي للدولة الجديد، وهو دستور سلطنة عُمان، في 11 كانون الثاني (يناير) 2021 رَفَعَ سقف توقّعات العُمانيين بشأن الصلاحيات التشريعية والرقابية التي ستُمنَح لمجلس عُمان بغرفتيه: مجلس الدولة المُعَيَّن، ومجلس الشورى المُنتَخب، وبشكل خاص، الصلاحيات التي سيمارسها مجلس الشورى بوصفه ممثلاً مباشراً للشعب العُماني. فمنذ تأسيس مجلس الشورى في العام 1991، والعُمانيون يترقّبون، عاماً بعد عام، أن يتحوّل هذا المجلس إلى برلمانٍ كامل الصلاحيات. في العام 2011 حدث تطورٌ ذو قيمة في مسيرة مجلس الشورى، حيث مُنِحَت له حقوقاً دستورية بضغطٍ من الشارع العُماني. ولكن منذ ذلك الحين، لم يحدث تقدّمٌ يُذكَر في ما يتعلق بالصلاحيات التشريعية والرقابية. قانون مجلس عُمان رقم 7/2021 الذي حدّد صلاحيات المجلس وآلية عمله، أطاح بهذه التوقّعات بسبب تراجع صلاحيات المجلس وتأكيد هيمنة الحكومة وتفرّدها بصنع قرارات السياسات العامة وصياغة القوانين والتشريعات. وعكس التوقعات، منح القانون صلاحيات أقوى لمجلس الوزراء بدلاً من منحها لممثلي الشعب. والأهم من ذلك، هو أن كل الصلاحيات الممنوحة للمجلس سابقاً، وفقاً لتعديلات النظام الأساسي في 2011، باعتبارها استحقاقات دستورية، أصبحت الآن قوانين لا ترقى إلى الحق الدستوري.

منح قانون مجلس عُمان الأعضاء المُعيَّنين والمُنتَخَبين بعض الأدوات البرلمانية والصلاحيات مثل اقتراح القوانين، وفَرَضَ مدة زمنية على الحكومة للردّ على مقترحات المجلس، حيث لم تكن هناك مدة زمنية تُلزم الحكومة خلالها بالرد. ولذا لم تكن الحكومة تردّ على مجلس الشورى عندما يقترح قوانين. فعلى الرغم من اعتراف الحكومة أن للمجلس حقاً دستورياً في اقتراح القوانين، تعلم أن بإمكانها تجاهل هذه المقترحات، لأن القانون لم يُحدد للحكومة مدةً للرد.

وفقاً لقانون مجلس عُمان  رقم 7/2021 المتوقع من مجلس عمان هو إما الإقرار والموافقة، وإما التعديل، بينما يحق للحكومة أن ترفض مقترح قانون مُقدَّم من مجلس عُمان خلال سنة من تقديمه، وهذا ما يعتبره يعقوب الحارثي نائب رئيس مجلس الشورى العُماني ” كارثة”. مُوضّحاً أن القانون أعطى الحكومة حق الرفض الذي لم يتضمّنه النظام الأساسي للدولة السابق. طبقاً لهذا القانون، للحكومة الحق في أن توافق وترد على مجلس عُمان أو أن ترفض المُقترَح برمّته خلال سنة من تقديمه. إعتبر الحارثي منح الحكومة الحق في رفضِ مُقترحٍ صادرٍ من مجلس عُمان “حقاً مُبتدَعاً ويُعتبر مُخالفاً للنظام الأساسي للدولة ومُخالفاً للاستحقاقات التي حصل عليها مجلس الشورى في العام 2011”. النص الذي ورد في تعديلات النظام الأساسي لعام 2011  يذكر أن على الحكومة أن تُعيد المقترحات التي يُقدّمها مجلس عُمان على أساس أنها سوف تُشرَّع وتُصبح قوانين. لم يكن للحكومة حق رفض مقترحات قوانين مجلس الشورى. “الآن استُحدث للحكومة حق رفض مقترحات القوانين.”

دور مجلس عُمان التشريعي

أعطى النظام الأساسي للدولة في العام2011 مجلس الشورى مجموعة من الحقوق الدستورية، التي جاءت نتيجةً لمطالب شعبية خلال تظاهرات واعتصامات عمت البلاد أثناء فترة “الربيع العربي”، ضمن هذه الحقوق: إقرار وتعديل القوانين التي تعرضها الحكومة، وكذلك الحق في اقتراح قوانين. هذه الصلاحيات نص عليها النظام الأساسي للدولة الحالي 7/2021 في المادة (72) وهي الصلاحيات الوحيدة التي نصّ عليها. وفيما يبدو أن المشهد لم يتغيّر بين إقرار وتعديل واقتراح القوانين، غير أن هناك “مسألة خطيرة” يقول نائب رئيس مجلس الشورى يعقوب الحارثي، لقد وُضعت في هذا النظام الأساسي عبارة: “على نحو ما يُبينه القانون”. يوضح الحارثي أن مكانة هذه الحقوق نزلت إلى مرتبة الحقوق القانونية وليس الدستورية، “وهذا هو أُساس المشكلة في التشريع”. لقد صدر قانون مجلس عُمان، بوصفه قانوناً عادياً وليس جزءاً من النظام الأساسي للدولة.

ضمن المُكتسبات الدستورية لعام 2011، تشكيل مجلس الشورى، وهو جانب إجرائي مهم، وكان حقاً دستورياً. رئيس مجلس الشورى ونائباه كانوا يُنتَخبون على أساس الحق الدستوري، هذا الحق أُلغي في ظل القانون الجديد، وأصبح انتخاب الرئيس ونائبيه مُكتسباً نصّ عليه قانون مجلس عُمان، وبالتالي، أُسقط الحق الدستوري بإسقاط هذا الإجراء من النظام الأساسي للدولة. قد يبدو أنه لا يوجد فرق بين الحالين طالما أن الرئيس ونائبيه لايزالون يُنتَخبون، لكن هناك فرقاً مهماً، كما يذكره الحارثي، وهو أنه كان مكسباً دستورياً لا يجوز للقوانين مخالفته، والآن أصبح مَكسباً قانونياً يمكن تعديله بين ليلة وضحاها.

الأدوات البرلمانية

نصّ قانون مجلس عُمان رقم 7/2021 على وجوب “أن تكون جلسات مجلسَي الدولة والشورى المُخَصّصة لمناقشة مشروعات خطط التنمية والموازنة العامة للدولة سرية”، وبذلك يفصل في القرار الذي كان يخضع سنوياً للتصويت من قبل أعضاء المجلس، ويحسم الأمر لصالح سرّية الجلسات. وفي حين كانت جميع جلسات مجلس الشورى علنية، إلّا إذا قرر مجلس الشورى ألّا تكون كذلك، القانون الجديد فرض على مجلس الشورى أن تكون بعض الجلسات سرية دون إرادة المجلس مثل جلسة الميزانية وخطط التنمية، وجلسات الاستجواب. وشأنه شأن المكتسبات الأخرى، كان هذا مكسباً دستورياً وأصبح حقاً قانونياً. يحق لمجلس الشورى أن يطلب وزراء الخدمات العامة للمناقشة أمام المجلس، كان هذا أيضاً حقاً دستورياً، يطلبه خمسة أعضاء فقط، أصبح هذا الحق قانونياً لا يمتلك الحصانة الدستورية. هذا الحق، رُغم ذلك، ضُيِّق إلى أبعد الحدود طبقاً لقانون مجلس عُمان، ووُضِعت له شروط مُشدّدة. فلم يعد يُكتفى باقتراح خمسة أعضاء من ممثلي الشورى، بل أصبح يتطلّب، إضافة إلى اقتراح خمسة أعضاء، موافقة 50 في المئة من أعضاء المجلس. في رأي أعضاء في مجلس الشورى العُماني أنه قد “سقط مكسب دستوري وأصبح مُكتسباً قانونياً تمّ تعقيده.”

حدّد قانون مجلس عُمان الجديد لمجلس الشورى سبع أدوات لأداء مهامه وهي: البيان العاجل، وطلب الإحاطة، وإبداء الرغبة، والسؤال البرلماني، وطلبات المناقشة، ومناقشة البيانات الوزارية، والاستجواب. وفي ما يتعلق بأداة الاستجواب، فقد نصّ القانون على سرّية الجلسات التي يتم فيها الاستجواب، ومنع نشر أو إفشاء أو التصريح بأيٍّ من وقائعها سواء لوسائل الإعلام أو تداولها في شبكات التواصل الاجتماعي. كان طلب الاستجواب حقاً دستورياً، يُوقّع عليه 15 عضواً ويُعتبَر نافذاً وصحيحاً. وَرَدَ حق الاستجواب في قانون مجلس عُمان الصادر بالمرسوم 7/2021 وهو يحمل إشكاليتين. الأولى هي أن مرتبته نزلت من دستورية إلى قانونية، والثانية: تشديد إجراءات الاستجواب، وأصبح يخضع لرقابة مكتب مجلس الشورى أو اللجنة التشريعية.  قد تزيد إجراءات عملية طلب الاستجواب المعقّدة عن شهرين، ثم يُطرَح على أعضاء المجلس، حيث يجب أن يوافق عليه 50 في المئة منهم. بحسب الحق الدستوري السابق، 15 عضواً يقرّرون الاستجواب. حالياً هؤلاء الأعضاء ال15 لهم حق في طلب الاستجواب ولكن ليس لهم الحق في الاستجواب.

سبق صدور النظام الأساسي للدولة وقانون مجلس عُمان، تصريحات رسمية، تُعلن أن النظام الأساسي يؤكد على دور الدولة في كفالة المزيد من الحقوق والحريات للمواطنين، وفي متابعة الأداء الحكومي ورقابته في إطار حَوكمة مؤسسات الدولة. وفقاً للنظام الأساسي 6/2021 تم إنشاء لجنة تتبع السلطان مباشرة، تقوم بمتابعة أداء الوزراء ووكلاء الوزارات، وغيرهم من المسؤولين الحكوميين، إضافةً إلى وجود جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة الذي يقوم بدوره في تحقيق تلك الحَوكَمة. ولكن النظام الأساسي للدولة، دستور عُمان، لم يمنح مجلس عُمان صلاحيات رقابية، بل تمّ تحويل الصلاحيات الرقابية إلى أدوات متابعة، وبهذا تصبح الحكومة، مرة أخرى هي الرقيب على أدائها دون وجود هيئة خارجها تُراقبها وتحاسبها. كما لم يشر القانون إلى الأداة البرلمانية المتمثّلة في لجنة تقصّي الحقائق التي ترد في اللائحة الداخلية لمجلس الشورى بوصفها واحدة من الأدوات والتي يمكنها أن تقوم بدورٍ رقابي مُستقل عن الحكومة.

بهذا القانون، يقول سعيد الهاشمي، محرر كتاب الربيع العُماني وأحد الفاعلين في تظاهرات 2011، تم تقليص وتحجيم المؤسسة التشريعية والتي كانت صُوَرية في السابق، لكنها غدت “شيئاً” غير معروفة مهمته، فهو يتابع، ويشاهد، دونما فاعلية مرتجاة، لا من رأس السلطة ولا من أعضاء مجلس عُمان. وبالنسبة إلى مهام التشريع، والرقابة والمحاسبة، يقول الهاشمي أنها أصبحت “أجهزة” بيد رئيس الدولة. الأمر الذي يثير تساؤلا: “كيف لجهة واحدة أن تُشرّع وتُنفّذ وتُراقب نفسها؟”.

في انتخابات الفترة التاسعة، في العام 2019، أدلى نحو 350 ألف ناخب بأصواتهم في مراكز الاقتراع، وهم يشكلون نحو 49 في المئة من إجمالي عدد الناخبين المُسَجَّلين، وليس إجمالي المواطنين الذين يحق لهم التصويت. نسبة المشاركة هذه تعكس عدم إيمان العُمانيين بجدوى انتخاب أشخاص لا يملكون الأدوات التي تُمكّنهم من تمثيل مواطنيهم كما يأملون. في حال مُنح مجلس الشورى صلاحيات أوسع وأكثر فاعلية، سيحفز ذلك العُمانيين على مشاركة سياسية أوسع سواء في نطاق الانتخابات أو في نطاقات أخرى.

لا يُمكن للحكومة العُمانية أن تستمر في احتكار السلطة والتفرّد بصنع القرار، لأنها لم تعد قادرة على الاستمرار كدولة رَيعية تُقدّم كل الخدمات والامتيازات لمواطنيها، ولا سيما في ظلّ وضعٍ اقتصاديٍّ مأزوم، وعجوزات مالية، وتراجع معدلات النمو، إضافة إلى سعي الحكومة لفرض ضرائب، بعد إجراءات تقشفيه مثل الإقالات والإحالات إلى التقاعد، سيطالب العمانيون بمشاركة أوسع في صنع السياسات العامة لأن هذه السياسات تؤثر في معاشهم وفي مستقبل الأجيال الشابة التي لها مطالبها ورؤيتها في المشاركة السياسية الشعبية. ما يحتاجه العُمانيون في هذه المرحلة، هو مجالس مُنتَخبة ذات صلاحيات برلمانية حقيقية، وليست مجرد استمرار لمجالس استشارية، مجالسٌ تُمثّل كل المواطنين ويستطيع أعضاؤها المُنتَخَبون من إحداث تغييرٍ حقيقي، وبإمكانهم مُحاسبة الحكومة إن أخطأت، وحجب الثقة، وسنّ قوانين وتشريعات يوافق عليها المواطن وتُمثّله وتحترمها الحكومة باعتبار مجلس الشورى المُنتَخب مؤسسة من مؤسسات الدولة تتمتّع بصلاحيات وتتقاسم السلطة مع الحكومة.

  • رفيعة الطالعي هي المحررة المشاركة المسؤولة عن صفحة “صدى” العربية في برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @raltalei

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى