“الصليبيون” الجدد
بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر*
“أَهرِق عليهم دماء الخنازير قبل أن تُطلق الرصاص”، ولأن التدنيس في شرع “القديس” باتريك ستين يأتي قبل الذبح دائماً، فعلى “الصراصير “التي فرّت من مراحيض الصومال” النتنة “أن تُلاقي السحق والتنكيل تحت أقدام “الصليبيين” الجدد، وهو الإسم الذي إختاره ستين ورفيقاه: كورتيز آلن وجيفن رايت لتنظيمهم الأرعن. فجأة، ومن دون سابق إرهاب، إجتمع الثلاثي غير المرح على كراهية المسلمين ومقتهم والرغبة العارمة في النيل منهم وأمام تجمّعٍ “للصراصير السوداء”، نصب الثلاثة كاميراتهم الليلية وتناوبوا المراقبة من سياراتهم المشحونة بالرصاص والسترات الواقية، إنتظاراً ليوم كيوم تيموثي ماكفي الذي فجّر ذات غدرٍ مبنى في أوكلاهوما وقتل 168 نفساً بدم بارد قبل أن يقتاد إلى حتفه غير نادم.
الصوماليون البؤساء، الذين شرّدتهم الحرب والمجاعة، في نظر الإرهابيين الثلاثة خطر عظيم يتهدّد البلاد والعباد. وقد بعث الرب رسل الجحيم وحرّاس الهيكل ووَكّل إليهم إعادة الوطن الذي إستلبه الإسلاميون الغزاة إلى حضن أبنائه المُخلصين، وإعادة الأميركيين المُغرَّر بهم إلى جادة الصواب. والصواب في نظر ثلاثي الرعب أن يسبح “صراصير” الصومال الفارين ببؤسهم إلى بلاد المن والسلوى في بحور من دماء، لعلّ دماءهم “النجسة” تُشعل فتيل فتنة ماحقة بين أتباع المسيح ومحمد.
إنتاب الهَوَس الديني مثلث الحمق حتى صار حديثهم كهذيان محموم، فلا يجتمعون إلا على سباب الصوماليين ولا يفترقون إلا على لعنتهم، وكلما رأوا مُحجَّبة تسير في أحيائهم، تحرّشوا بها، وقذفوها بأقذع السباب. لكنهم ظلوا يخفون جهاز تيموثي ماكفي الذي حوّل نيترات الأمونيوم إلى أشلاء بشرية ذات حمق من مخبئه، ووفّروا ستراتهم الواقية حتى الثامن من تشرين الثاني (نوفمبر)، يوم الإنتخابات الموعود. يومها – قرروا – سيكون لهم مع المسلمين “الأوباش” حديثٌ دامٍ، وظل الثلاثة يستخدمون تطبيق زيللو لتشفير محادثاتهم الهاتفية التي لم يكن لها موضوع غير إنجاز ماكفي والصراصير المستهدفين حتى لا يتم تتبعهم وكشف نواياهم الخبيثة.
لكن وشاية صديقة آلن وشهادة عميل فيديرالي مُتَخَفٍّ أنقذت المسجد والمصلين وتجمّع “الصراصير” الصوماليين من قنابل التدمير الشامل التي أعدها “الصليبيون” الموتورون في الخفاء بعد عكوفهم على دراسة بعض الفيديوهات المبثوثة على اليوتيوب، والتي تشرح بالتفصيل كيفية صناعة القنبلة. وبين عشية وفجر، تحوّل القضاة إلى مُذنبين ينتظرون حكماً بالسجن المؤبّد إن أدانتهم المحكمة، وهو ما لا يضمنه أحد حتى الساعة.
اليوم تنتج أميركا (المصدر الأول للإرهاب في العالم) إرهابياً محلّياً رديئاً، وتستورد الغباء من شعوب العالم الثالث التي فقدت بوصلتها الروحية وخيريتها التي ميزتها حتى عهد قريب. ومن رحم إعلام تحريضي فاجر خرج رعاة الكراهية حاملين أنابيب نترات الأمونيوم فوق أكتافهم المقددة ليعجلوا بحرب غير مُقدَّسة بين أتباع عظيمين لم يبيتا يوماً وفي صدريهما حقداً على أحد ولا غلا لأحد.
يتصدَّر الغلاة المشهد هنا وهنا وهناك، فيحرفون الكلم عن مواضعه، ويهرفون في الدين بما لا يعرفون، فيزداد الأغبياء على الجانبين عدداً، ويسير الجميع نحو صدام حتمي أخير في سرعة غير معهودة، وكأن الذين يقفون على جانبي الحقيقة لا يرون إلّا أنفسهم في مرآة حقد طائفي من صنع المردة والمرجفين.
اليوم يسير المتطرفون نحو نقطة الصفر لتعود الأرض إلى عصور الهمجية الأولى وكأن أحداً من أولى العزم لم يترك في جيناتنا الغبية محض أثر.
اليوم، إستطاعت الشرطة في كنساس أن توقف الحقد “الصليبي” عند حد الإعداد، لكن أحداً لا يستطيع أن يضمن بقاء نترات الأمونيوم في قنابلها إلى أجل غير مُسمّى. وطالما أن رعاة أميركا المُحتَمَلين يجيدون النفخ في كير العنصرية، ويغذون الحقد بين كل الطوائف ضماناً للبقاء أسياداً فوق خريطتنا الهشّة، فلا بقاء “لصراصير” الصومال في بلاد “الحرية” ولا دوام لأمنٍ شرقاً أو شمالاً، جنوباً أو غرباً، ولا تثريب على باتريك ستين ورفيقيه الذين إقتحموا حصن الإرهاب من أوسع باب.
• أديب وكاتب وإعلامي مصري.