الإضطراب الإقليمي يهدّد الإستقرار في الكويت

الكويت – هادي قباني

التنافس المكثّف بين المملكة العربية السعودية وإيران رفع درجات الحرارة الطائفية في بعض الدول الأصغر في مجلس التعاون الخليجي. لقد شهد البرلمان الكويتي المُنقسم تزايد التوتر وحتى مواجهة جسدية بين نوابه السنّة والشيعة في إستجابة للتطورات الإقليمية. إن تزايد التوتر في الكويت واضح جداً في وسائل الإعلام الوطنية والمنتديات الإلكترونية على الإنترنت أيضاً. للحفاظ على التوازن الحساس في الكويت، الذي كان أحد أعمدة الإستقرار في الإمارة الخليجية العربية للسنوات ال25 الماضية، يجب على حكام آل الصباح الإبحار بحذر عبر بحر النظام الجيوسياسي المضطرب في الشرق الأوسط.
في حين لا توجد أرقام رسمية، فإن الخبراء يقدّرون أن نسبة عدد الشيعة في الكويت هي بين 25 إلى 30 في المئة من سكان البلاد، وقد لعبوا دوراً فريداً في التطورات السياسية في الإمارة. طوال معظم تاريخ الكويت الحديث، لم تكن هناك أي خلافات أو قضية في العلاقات بين السنّة والشيعة. ومع ذلك، كانت هناك فترة وجيزة من التوتر الطائفي بعد الثورة الإيرانية في العام 1979 عندما خشي بعض السنّة من أن تحاول إيران الثورية الإستفادة من الشيعة في البلاد لتهديد إستقلال وإستقرار الكويت. لكن الغزو العراقي في العام 1990 غيّر تصوّر التهديد هذا لدى الكويتيين، وأدّى بالتالي إلى إستعادة الثقة والوحدة بين الطائفتين.
اليوم، إنخرطت الأسر وقادة الشيعة بشكل كبير في المجالات السياسية والإقتصادية في الكويت. لدى الطائفة الشيعة تسعة من أصل 50 مقعداً في البرلمان ويتمتع النواب بعلاقة إيجابية مع النظام الأميري الحاكم. كما أن هناك عائلات شيعية بارزة تمتلك تكتلات تجارية كويتية كبيرة، بما في ذلك شركة مجموعة الكاظمي الدولية للتجارة العامة والمقاولات، ومجموعة معرفي الهندسية، ومجموعة مراد يوسف بهبهاني، التي لها مصالح في مجال النقل البحري والخدمات اللوجستية وتوزيع العربات، والعقارات، والبناء، وتجارة التجزئة والسياحة.
مع ذلك، فإن التطورات الإقليمية الأخيرة قد تحدّت هذا الوضع. في العام الفائت، إتهمت السلطات النائب السابق الشيعي خالد الشطي بجرائم مثل “الإساءة إلى المملكة العربية السعودية” لإدانته الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، والتي بسببها إنتقد سبعة نواب شيعة الحكومة للإنضمام إليها. وأثار النائب الشيعي الآخر عبدالحميد دشتي جدلاً أخيراً عندما إحتج أيضاً على التدخل الخليجي في اليمن على شبكة تلفزيون “المنار” التابعة ل”حزب الله”، قائلاً أن عملية “عاصفة الحزم” “ستدمر كل دول الخليج”.
الإتهامات في وسائل الإعلام، إلى جانب الإعتقالات وأحكام الإعدام، ضد الشيعة الكويتيين الذين زُعِم أنهم يتجسّسون لصالح إيران أضرّت كثيراً في الوحدة الوطنية للدولة الخليجية. وفي الآونة الأخيرة، في كانون الثاني (يناير) الماضي، أصدرت محكمة كويتية أحكاماً بالإعدام على إثنين من الشيعة، أحدهما كويتي والآخر إيراني، بعد إدانتهما بالتجسس لصالح إيران و”حزب الله”. ورداً على ذلك أعلن النائب الشيعي صالح عاشور أن “غضب الشيعة الكويتيين قد بلغ ذروته” وإتهم المسؤولين الكويتيين بعدم معاقبة الجهاديين السنّة الكويتيين لإنضمامهم إلى صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في العراق وسوريا. ، جنباً إلى جنب مع النواب الشيعة الثمانية الآخرين، قاطع عاشور معهم دورة البرلمان في 13 كانون الثاني (يناير) الفائت، رداً على أحكام الإعدام.
إنحازت الكويت إلى شريكتها في مجلس التعاون الخليجي في الخلاف السعودي-الإيراني، ولكنها تتعامل بحرص وحذر وسط عدم الإستقرار الجيوسياسي في المنطقة. في وقت سابق من الشهر الفائت، إنضمت الكويت إلى الدول الخمس الأخرى في مجلس التعاون الخليجي في تصنيف “حزب الله” رسمياً كمنظمة إرهابية. وجاءت هذه الخطوة بعد قرار الرياض في شباط (فبراير) “مراجعة” العلاقات بين المملكة وبيروت وتعليق مساعداتها للجيش اللبناني البالغة 3 مليارات دولار وإلغاء مليار دولار لقوات الأمن الأخرى في البلاد. بعد فترة وجيزة فرضت الكويت وغيرها من دول الخليج قيوداً على سفر مواطنيها إلى بلد الأرز. إن مقتل ثلاثة مواطنين كويتيين في لبنان، ومحاكمة دولة الإمارات لسبعة أشخاص إتُّهموا بعلاقات مزعومة مع “حزب الله”، وترحيل عشر عائلات لبنانية من البحرين، وكلّها في أواخر الشهر الفائت، هي أحدث تصعيد في التوتر بين دول الخليج العربي و”حزب الله”.
إستدعت الكويت سفيرها لدى إيران بعد ثلاثة أيام من هجمات 2 كانون الثاني (يناير) ضد سفارة المملكة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد. ومع ذلك لم تحذُ الكويت حذو الرياض في قطع العلاقات مع طهران. بدلاً من ذلك، من خلال إتخاذ إجراءات محدودة، أبقت الكويت الباب مفتوحاً لتحسين العلاقات مع الجمهورية الإسلامية. ويبدو أن الطلب على الطاقة في الكويت له صلة في هذا المجال، إذ أن مسؤولين من البلدين يناقشون خططاً لمرحلة ما بعد فرض العقوبات على إيران لتزويد الكويت بالغاز الطبيعي. وكان موقف الحكومة في عدم إستعداء الأقلية الشيعية في الكويت من المرجح أن يكون عاملاً آخر في هذا القرار.
إستجابة الكويت للأزمة السعودية الإيرانية ترددت أصداؤها في المجلس التشريعي في الدولة الخليجية، حيث طالب عدد من البرلمانيين السنّة بإجراءات أكثر قوة ضد طهران و”حزب الله”، الذي يتهمونه بالتآمر لاطاحة الحكومة الكويتية. من ناحية أخرى، إن مصدر القلق الأكبر للشيعة في الكويت يكمن في الحركة السلفية المحافظة المتشددة، التي إكتسبت موطئ قدم في هذه الإمارة الخليجية في ستينات القرن الفائت. على الرغم من أن قسماً من السلفيين الكويتيين قد إمتنع من دخول الساحة السياسية، فإن البعض الآخر شارك في الانتخابات البرلمانية منذ العام 1981. وبعدما تأسست في العام 1991، فإن الكتلة السلفية الرئيسية في البرلمان لديها حاليا ثلاثة مقاعد في البرلمان وأربعة من أصل 16 مقعداً في مجلس الوزراء . ويرى النواب الشيعة بأن عمل الكويت الديبلوماسي ضد إيران و”حزب الله” قد شجع الإسلاميين الذين يعادون علناً مجتمعهم.
وأخيراً، يجب على القيادة الكويتية التعامل مع التهديد الذي يشكّله “داعش” بالنسبة إلى الأمن والنسيج الوطني للبلاد. في حزيران (يونيو) الماضي قامت مجموعة تابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، مقرها في المملكة العربية السعودية، وتطلق على نفسها إسم “ولاية نجد”، بتفجير إنتحاري داخل مسجد الإمام الشيعي صادق التاريخي في مدينة الكويت. إن الهجوم الذي نفذ على بُعد بنايات عدة من وزارة الداخلية، أدّى إلى مقتل 27 وجرح 277. وقد زار الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح المسجد بعد وقت قصير من الانفجار ودعا الكويتيين إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية لمواجهة جدول “داعش”. ويبدو أن هذا التنظيم التكفيري المتشدّد عازم على التسلل الى النسيج الوطني وزعزعة إستقرار الإمارة من خلال محاولة جعلها بؤرة للعنف الطائفي في المنطقة مثل غيرها في العراق وسوريا واليمن.
سوف تستمر الآثار الجيوسياسية للتنافس السعودي الإيراني والأزمات الجارية في العالم العربي في تحدّي حكام آل الصباح في الكويت للبقاء “عضو جيد في مجلس التعاون الخليجي” مع الأخذ بعين الاعتبار إهتمامات الشرائح المختلفة من سكان الكويت، بما في ذلك الأقلية الشيعية فيها. والواقع أن المخاطر كبيرة بالنسبة إلى توازن الكويت الطائفي، الذي على أساسه يسود السلام والرخاء والوحدة تحت راية دولة واحدة / شعب واحد، والذي إعتمدته الإمارة إلى حد كبير بنجاخ في الربع الأخير من القرن العشرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى