الإسلامو فوبيا

بقلم ميرنا زخريّا*

على أثر التفجيرات الإرهابية التي شهدتها الولايات المتحدة الأميركية في الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، تمّت إستعارة مُصطلح إسلامو فوبيا من مكتبة المُصطلحات الطبية – النفسية، للتعبير عن ظاهرة الرهاب من إجرام بعض الأفراد الذين يعتنقون الديانة الإسلامية.
أجل .. باتَ يوجد تسمية مخصَّصة لما باتَ يُعرف بالخَوف المَرَضي من الإسلام. ليس غريباً أن تُربط كلمة مرض بكلمة خوف، لكن الغريب أن يُربط تعبير خوف مَرَضي بكلمة إسلام.
لا يهُم إن تشعّبت التساؤلات حول هذا الخوف أو ذاك المرض… لا يهُم ما هي بُذورهما وجُذورهما، فهذه تطال الماضي. ولا يهُم ما هي ثمارهما وفروعهما، فهذه تطال المستقبل. ما يهُم، هو الحاضر، لأنه إذا لم نضع حداً اليوم لتنامي هذه الظاهرة، فسوف تزداد السُلوكيات المُجحفة بحُقوق المسلمين والمسلمات، ومع مرور الوقت، سوف تترسّخ هذه الفوبيا في وجدان المسيحيين والمسيحيات. وعندها، لن يبقى مِن داعٍ وافٍ عند أي مِن الطرفين المذكورين ليتولى مُجابهتها ومُكافحتها.
العوامل مُتداخلة بعضها في البعض الآخر. منها ما حدثَ سابقاً فساهمَ في نشأتها، ومنها ما تبلورَ لاحقاً فساعدَ على تغذيتها. مسؤولون من الشرق والغرب أنتجوا معاً الخَوف المَرَضي من الإسلام، ما جعل خلطة الإسلامو فوبيا خلطةً ذات مكوّنات فريدة من نوعها، ذلك أنها تضمّنت ما يستحيل عادةً جمعه، على قاعدة من كل وادٍ عصاً:
1. إستئثار الموارد الإقتصادية: الدول الإسلامية العربية دول غنيةً بالموارد الطبيعية الخام لا سيّما البترول، ما جذب العالم أجمع إلى أحضانها في محاولةٍ لإدارةِ شؤونها وتقاسُمِ مردودها.
2. إنهيار الإتحاد السوفياتي: في العام 1991 حشدت أميركا طاقاتها وأزالت حينها الخطر الشيوعي الذي كان بمثابة التحدّي الأكبر، ومن بعد نشأ عالمياً تحدّياً جديداً تمثل بالخطر الإسلامي.
3. إستعلاء الأنظمة الديكتاتورية: كثيرة هي الدول الإسلامية التي تجدها لا تطبّق مبادئ الديموقراطية ولا تُمارس الإصلاحات السياسية ولا تحترم الحرية الفردية، ممّا سهّل تحريض شُعوبها.
4. إستمرار الإجرام المتطرف: دمارٌ هنا وذبحٌ هناك، تفجيرٌ هنا ونكاحٌ هناك، “جبهة النصرة” هنا و”داعش” هناك. كل هذه التصرفات المشينة هي بمثابة الطعم الذي يُغذي الشائعات الوحشية ويؤكدها.
5. إرتفاع التكاثر الإسلامي: حقّق أخيراً الدين الإسلامي أعلى نسبة نمو سكاني مقارنةً بباقي الأديان، فقد بلغ عدد المسلمين ما يُقارب ربع سكان العالم بعدما كانوا يحتلون المراتب الأخيرة.
6. إستنساب التغطية الإعلامية: بإمكان الخبر الصُحفي والفيلم الهوليوودي أن يقلبا الحقائق رأساً على عقب، ما يمكّنهما من تضخيم صورة المسلمين على أنهم مجموعات تعيش حياة همجية.
7. إستسلام المعنيين بالأمر: إن تهاون الأمة الإسلامية وإستهتارها لجهة رصّ الصُفوف ورصد المبالغ بهدف تصحيح تلك الصورة المشوّهة التي روَّج لها الإعلام الغربي، قد أرخى بثقله.
من الطبيعي والحالة هذه، أن يُعادي المجتمع الإسلامي كافة المجتمعات، فقد نجح مُروِّجو مُصطلح الإسلامو فوبيا في نحت صورةٍ مسمومةٍ عن المُسلم، ما عبّد الطريق أمام الحملات التي تبغي التشويه المُبرمج، من خلال التركيز والتشهير بالتالي:
1. بربري التصرّف: فكل مجازر العالم وجرائم القرن تصبّ في خانته؛
2. بدائي النزعة: لا يولي أهمية لتعليم أبنائه وبالتالي لمْ يطلهم التطوّر؛
3. جنسي الهوى: تعدّد علاقاته الجنسية الفاحشة تأتي ضمن سُلم أولوياته؛
4. حقوق المرأة: غير موجودة مقارنةً بغيرها لكأنها مجرد أداة لا أكثر؛
5. محدود المقدرة: لا يستطيع إستثمار وإدارة ثرواته فيحتاج إلى المساعدة؛
6. يغرّد لوحده: لا يندمج بباقي الثقافات بسبب قلة القيم المشتركة بينها؛
7. نقمة الطوائف: إحداها هي العدو اللدود للأخرى وهي تضمُر لها الأسوأ.
إن إعتناق بعض المُنتسبين للديّن الإسلامي أفكار متطرفةً وقيامه بأعمالٍ إرهابيةٍ، لا يرمُز بأي شكلٍ من الأشكال إلى أن هذه الديانة هي متطرفة وإرهابية، فلا يجوز إطلاق الأحكام العامة إنطلاقاً من التصرّفات الخاصة. وهنا تتوضّح الإزدواجية:
فمن ناحية أولى، هذا أمر غير مشروع: إذ وبحسب الإتفاقية العالمية لحقوق الإنسان، من المفترض تصنيفه في خانة الممارسة العُنصرية أي أنه تمييز ضدّ المُسلمين.
ومن ناحية ثانية، هذا الأمر مشروع: إذ حين نتناوله على أساس أنه شأن مَرَضي فلا يعود ساعتئذ عُنصرياً، وبالتالي أضحى مُبرراً قانونياً بدل أن يكون مُداناً دولياً.
أستودعكم بسؤال: ألمْ يُساعد الترويج لمُصطلح إسلامو فوبيا بتبرير التمييز تجاه المُسلمين؟ وعليه، ألمْ يُصبح التمييز واجباً بعدما كان تهمة؟ يا لها مِن فكرة ثورية !! يا لها مِن نتيجة كارثية !!
• باحثة في علم الإجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى