تِبْنٌ وقَشّ

راشد فايد*

لا يبدو أقل استعجالاً من لجمِ التهريب عن غاربه، عبر الحدود اللبنانية – السورية، سوى ضبط كل الإساءات المُتعَمَّدة إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي، لكن لا يبدو أن العجلة مُتوخّاة، منذ قررت السعودية يوم الجمعة (23 نيسان/ أبريل 2021) منع دخول الفواكه والخضراوات اللبنانية أو نقلها عبر أراضيها بسبب تفاقم تهريب المخدرات، ولحين تقديم السلطات اللبنانية المعنية ضمانات كافية وموثوقة لإيقاف عمليات التهريب.

رأى بعض اللبنانيين في الأمر قراراً سياسياً، بحجة  أن دول الخليج، وبخاصة المملكة، أحد الأبواب القليلة التي لا تزال مفتوحة لجلب الدولار إلى البلاد، فيما إغلاق خط الاستيراد هذا يزيد الضغط على لبنان، علماً بأن الكمية المُصادرة نحو 5.3 ملايين حبة كبتاغون مُخبّأة داخل ثمار الرمّان. فلا الكمية ولا خط التهريب يوحيان بأن فرصة طارئة سنحت لهذا التهريب، وليست “مؤصّلة”؟

تلخّصت الحجة لدى أهل “المُمانعة” بأن الرمّان، الذي عُبّئء بالكبتاغون، ليس إنتاجاً وطنياً، وأن الشاحنة كانت آتية من خارج لبنان، وكأن التفتيش الجمركي يكون على البضاعة المحلية، دون غيرها، ولا تشمل كل ما هو على الأراضي اللبنانية. (لربما تستحوذ هذه البضاعة على حماية تُظلّلها منذ سلكت طريق الوصول إلى لبنان، وحتى تبلغ الأراضي السعودية والخليجية). أما الحجة الثانية، لفضح التهريب، فهي، حسب أهل الممانعة، ليست مكافحة المخدرات، بل “تهدف إلى إغلاق ما تبقّى من منافذ للاقتصاد اللبناني المُترنّح، من أجل خنقه كلياً، بهدف فرض أجندتها السياسية على اللبنانيين والمُتناغمة مع الأجندة الأميركية – الإسرائيلية”.

لكن، حتى ولو صحّ ذلك، أليس للدول العربية الحق في ردّ الحملات المشبوهة ضدّها، وانتقاء الأكثر ودّاً تجاهها، ورذل مَن يتهجّم عليها، ويكيل لها الإساءات؟ فكيف وقد أدمن أمين عام الحزب الشهير، السيّد حسن نصرالله، التهجّم على المملكة، وعدّ قتاله لها أنه “أشرف” من قتال أسرائيل، ودعا إلى حرب ضد السعودية وآل سعود، وكل ذلك، وغيره كثير منذ العام 2016، وبعبارات صريحة لا تقبل أي لبس، ولا تُراعي مصالح اللبنانيين وبلدهم، ويتّهم المملكة بأنها أرادت اغتياله، ثم يتساءل:”هل يحق للسعودية أن تعاقب لبنان والجيش اللبناني والدولة اللبنانية والشعب اللبناني والمُقيمين اللبنانيين في السعودية والخليج لأن حزباً لبنانياً مُعَيَّنا اتّخذ موقفاً (مُناهِضاً للرياض)؟ لماذا تُحمّل (السعودية) الناس مسؤولية ما نقوله نحن”. للتذكير، امتنع لبنان عن تأييد بيانَين عن اجتماعين لوزراء خارجية جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في كانون الثاني (يناير) 2016 دانا مهاجمة السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران. وكان سبق لأمين عام “حزب الله” أن قال علناً أن أفضل جهاد من وجهة نظره هو الجهاد ضد السعودية قبل إسرائيل. مع ذلك لم تتخذ الرياض، حينها، أي ترتيبات.

اليوم يستمر اللبنانيون في دفع أثمان هيمنة الحزب على مقدرات الدولة والشعب ومصيرهما وجوعهما، فيما يستمر في تجاهل مأساة الوطن، وكأن تفكيك بنيته صنع عالم آخر، لكن الأكيد أنه لا يزال متمكنا من حشو رؤوس الطين تِبناً وقشّاً.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” اللبنانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى