هل هناك تحالفٌ بين إيران والصين؟

كابي طبراني*

في 17 أيلول (سبتمبر) الفائت، وخلال مؤتمرٍ عُقِدَ في مدينة دوشانبي، عاصمة طاجيكستان، صوّتت الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون على قبول عضوية إيران.

والجدير بالذكر أن منظمة شنغهاي للتعاون، التي أسّستها الصين وروسيا في العام 2001، هي تحالفٌ اقتصادي، سياسي وأمني. وتضمّ حالياً ثماني دول: الصين وروسيا وباكستان والهند وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان. تُمثّل هذه الدول مُجتمعة 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و40٪ من سكان العالم.

جرت محاولة إيران الأولى غير الناجحة للحصول على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون في العام 2008. في ذلك الوقت، تعثّر طلب طهران بسبب اعتراضِ عددٍ من الدول الأعضاء على العضوية الكاملة لدولةٍ خاضعةٍ لعقوبات أميركا والأمم المتحدة بسبب برنامجها النووي. .

تقدّمت طهران بطلب العضوية مرة أخرى في العام الفائت. وقد فشلت مساعيها مرة ثانية بسبب معارضة طاجيكستان. ولكن في أيلول (سبتمبر) الفائت، أُزيلَت كل الحواجز والعوائق وقُبِلَت عضوية الجمهورية الإسلامية الكاملة.

ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن وسائل إعلامٍ إيرانية ابتهاجها بهذا التطور. وكتبت صحيفة كيهان، المُتشَدّدة عادةً، أنه “من الآن فصاعداً، يمكن لإيران أن تُنفّذ سياستها الخاصة المُتمَيِّزة بالتعددية، والتخلّي تدريجاً عن رؤيةٍ تستند فقط إلى الغرب وتخفيف العقوبات الغربية”. كما أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في خطابه إلى منظمة شنغهاي للتعاون، كان صريحاً بالمثل في تقييمه لمعنى هذا التطور، حيث قال: “لقد دخل العالمُ حقبةً جديدة بعدما فشلت الهيمنة والأحادية. الميزان الدولي من الآن فصاعداً يميل نحو التعدّدية وإعادة توزيع النفوذ والسلطات تجاه الدول المستقلة. إن العقوبات الأحادية لا تستهدفُ دولة واحدة بشكلٍ منفرد. لقد أصبح من الواضح في السنوات الأخيرة أنها تؤثر بشكل أكبر في الدول المستقلة، وبخاصة أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون”.

في غضون ذلك، غرّد محمد حسن دهقاني، المسؤول في هيكل “اقتصاد المقاومة” المُرتبط بالحرس الثوري الإيراني على وسائل التواصل الاجتماعي الفارسية، بأن “العضوية الكاملة” في منظمة شنغهاي للتعاون ستجلب “فوائد اقتصادية وأمنية وسياسية كبيرة” لإيران.

فهل هذه التقديرات الإيرانية صحيحة؟ هل ينبغي اعتبار انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون خطوة مهمة في اتجاه كتلة استراتيجية ناشئة مُناهِضة للغرب، ستكون الجمهورية الإسلامية عضواً فيها؟

هناك حديثٌ مُتزايد في العواصم الغربية عن حربٍ باردة جديدة وناشئة تؤلّب الولايات المتحدة وحلفاءها ضد الصين، وتتركّز على منطقة المُحيطَين الهندي والهادئ.

ربما كان خروج أميركا المُتسَرِّع من أفغانستان محاولةً خرقاء لرسمِ خطٍ أحمرٍ ثابت بالنسبة إلى حروب 11 أيلول (سبتمبر) 2001، من أجل تركيز الانتباه والموارد على متطلبات هذه المنافسة الاستراتيجية الجديدة، والعصر.

يُمثّل الإعلان عن اتفاقية “أوكوس” (AUKUS) بين الولايات المتحدة وأوستراليا والمملكة المتحدة رسماً حاداً للخطوط في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تَتَّحِدُ ثلاثُ دولٍ ناطقةٍ باللغة الإنكليزية في جهدٍ واضحٍ لاحتواءِ الجهود الصينية للتوسّع في تلك المنطقة.

لا تميل المنافسات الاستراتيجية التاريخية من هذا النوع بين القوى العالمية إلى البقاء محصورة في مساحات جغرافية مُعيَّنة. فقد تشكّلت الحرب الباردة 1950-1991 من منافسة ثنائية بين أنظمةٍ تقودها الولايات المتحدة وأخرى يقودها الاتحاد السوفياتي، والتي أثّرت في جميع البيئات الإستراتيجية المحلية.

المنافسات العالمية السابقة، مثل الجهود التي بذلتها القوى الإستعمارية الأوروبية لاحتواء صعود ألمانيا في حقبة ما قبل العام 1914، جاءت بالمثل لتشمل العالم (وتحويله، في الصراع الذي أنتجته هذه الجهود في النهاية).

هل نشهد حالياً التحرّكات الأولى في رسمٍ مُماثلٍ للخطوط في الشرق الأوسط، مع ظهور الخطوط العريضة للكتل المتحالفة مع كلٍّ من الولايات المتحدة والصين الآن؟

أولاً، هناك عددٌ من المحاذير. منظمة شنغهاي للتعاون ليست قريبة من التحالف الاستراتيجي الذي تقوده الصين ضد الغرب. فهي تضم في عضويتها الهند، وهي منافسة للصين وحليف غربي. كما أن منظمة شنغهاي للتعاون ليست متحالفة مع إيران في تحدّيها للنظام الدولي في ما يتعلق ببرنامجها النووي. وبدلاً، كانت العقوبات مصدرَ قلقٍ رئيساً إذ أنها منعت طهران من الانضمام المُبكر إلى العضوية الكاملة في المنظمة.

حتى الآن، لم يتمّ الإعلان عن جدولٍ زمني لانضمام طهران إلى المنظمة. مما لا شك فيه أن الاستثمارات الكبرى لروسيا والصين والهند في إيران قد ردعها التهديد بعقوبات أميركية.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن نمط الاستثمار الصيني في الشرق الأوسط لا يتوافق مع الولاء الصارم لأيِّ كتلة إقليمية. تُعَدُّ بكين مشترياً رئيساً للنفط السعودي، وتحافظ على علاقات تجارية واسعة مع كلٍّ من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.

ومع ذلك، يمكن تمييز اتجاهٍ عام للأحداث، والذي يُشيرُ إلى توثيق التوافق بين بكين وطهران على أساس المصالح الصلبة المشتركة طويلة الأجل. إن الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون لا يدعم هذه العملية. بدلاً، هو علامة إرشاد على الطريق الآتي.

في 27 آذار (مارس) 2020، أعلنت طهران وبكين عن اتفاقيةٍ استراتيجية مدتها 25 عاماً لاستثمارات صينية بقيمة 400 مليار دولار في إيران. هذه الاتفاقية هي بمثابة خريطة طريق للمستقبل أكثر من كونها صفقة ذات عواقب عملية فورية. وهذا لا يعني أنه يجب الإستهانة بها. إن صعود إيران إلى عضوية منظمة شنغهاي للتعاون هو النتيجة الملموسة الأولى لهذا الاتفاق.

تُشكّل إيران مُكَوِّناً رئيساً في مبادرة الحزام والطريق الصينية الطموحة، التي تهدف إلى إنتاج طُرقٍ تجارية برية وبحرية مُتجاوِرة ومتوافقة مع بكين من الصين عبر أوراسيا. كما أن إيران تُعتَبَرُ طريقاً إلى بحر العرب والممرات المائية الدولية لدول وسط آسيا غير الساحلية الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون. وبالتالي، فإن اندماج إيران في مبادرة الحزام والطريق من شأنه أن يساعد على ترسيخ طموح الصين في الظهور كقوّة مُهيمنة في أوراسيا، قادرة على تقديم طرقٍ للتجارة تحت سيطرتها للدول المتحالفة معها.

في هذا الصدد، من غير المرجح أن تكون الصين غير مُبالية أو غير مُهتمّة بالواقع، الذي لا يزال بعض المراقبين الغربيين لا يعترف به، والذي يتمثّل بهيمنة طهران على كامل الكتلة البرية بين الحدود العراقية-الإيرانية والبحر الأبيض المتوسط​​، وتتكوّن من ثلاث دولٍ إسمية: العراق، سوريا ولبنان.

بالنسبة إلى الصين، إيران دولة قوية ومستقرة وغير مُهَدِّدة. موقف طهران المناهض للولايات المتحدة مُفيدٌ للصين، لأنه يضمن عدم لعب طهران على حبال المنافسة الاستراتيجية الناشئة بين واشنطن وبكين. هذا على الرغم من حقيقة أن إيديولوجية الصين، بالطبع، لا تتشارك أو تتشابه مع مكوّنات إيديولوجية إيران الحاكمة. ومع ذلك، في السياق الأخير، فإن الطبيعة الشيعية لتلك الإيديولوجية تعني أن إيران لا تُشكّل مصدراً تخريبياً مُحتَمَلاً لجذب السكان المسلمين المقموعين في الصين، وغالبيتهم من السنّة.

لقد أسفرت العلاقات الوثيقة الناشئة بين طهران وبكين بالفعل عن نتيجة مهمة واحدة. أصبحت مقاومة إيران المُتحَدّية والناجحة لسياسة “الضغط الأقصى” الأميركية خلال فترة إدارة دونالد ترامب مُمكنة جزئياً بسبب وجود الصين كنوعٍ من “بوليصة التأمين” التي يمكن لطهران الاعتماد عليها. إن استمرار شراء الصين للنفط الخام الإيراني المُصدَّر بشكل غير قانوني، على وجه الخصوص، مكّن طهران من الحفاظ على عائدات النفط على الرغم من العقوبات “المُعيقة” المُفترَضة. لقد انتهى الآن عصر الضغط الأقصى. تقترب طهران من أن تصبح دولة نووية (أو هي بالفعل واحدة، حسب البعض). إن بكين، من خلال المساعدة التي قدّمتها،  لعبت دوراَ مهماً في منع الانهيار الاقتصادي لإيران.

لذا فإن المنافسة العالمية الناشئة بين الولايات المتحدة والصين لن تترك الشرق الأوسط كمنطقة غير مُتحالِفة أو غير مُستَقطَبة. ومع تشدّد الخطوط، من المرجح أن تستمر طهران، لأسباب جيواستراتيجية وسياسية، في الاقتراب أكثر من بكين. إن انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون يُعتَبَرُ علامة بارزة على هذا الطريق.

  • كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب”. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه: gabrielgtabarani.com أو عبر تويتر على: @GabyTabarani

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى