عندما يستحمُّ الدبُّ الروسيّ في المياه الساخنة

بقلم إيلي صليبي*

إذا كانت سوريا غير أفغانستان، فأيّ منهما هي الأكثر وعورةً وعنادًا وشراسةً في وجه الدبّ الأبيض؟
وإذا كانت روسيّا غير الإتحاد السوفياتيّ، فأيّ منهما إختار الخصم والحليف المناسبين؟
وإذا كانت الهزيمة هناك تدفع إلى الإنتقام هنا، فالإنتصار مضمون لمَن وعلى مَن؟ وبأي ثمن؟
تحضرني في مهبّ هذه الأسئلة نظريّة سمعتها على لسان صاحبها الدكتور “سمير جعجع”، عندما كان قائد “القوّات اللبنانيّة” وليس رئيسًا لحزبها، ويقول فيها: “الأرمن أقوى من الحلف الأطلسي في برج حمود”.
لعلّ الدول الكبرى تتحمّل الهزيمة خارج حدودها، عندما تتّسع دائرة النّقمة داخلها من تراكم جثث جنودها ومن المجازفة بالمزيد؛ ولا تتحمّل الإنتصار العسكري، والخسائر الشعبوية في صناديق الإقتراع.
من هنا كان قرار إدارة “بوتين” بحصر حربه على الإرهاب بغارات جويّة موجعة لخصوم “الأسد”، ورسم حدود جغرافيّة الحرب من الجوّ من دون التورّط بالرمال السوريّة المتحرّكة، وبناء حوض بحري دائم في المتوسّط يسبح فيه الدبّ الروسيّ في المياه الساخنة، وبيع إستراتيجّيّة “إستباق وصول الإرهاب إلى موسكو” من الناخب الروسيّ.
ومن هنا يمكن قراءة موقف الكنيسة الروسيّة الداعمة لما أطلقت عليه “الحرب المقدّسة”.
يبدو “بوتين” المُلتزم الأول وربما الوحيد لبناء “ستار حديديّ” جديد، ليس حصنًا لبلاده وحدها هذه المرّة، بل لما يُسمى “بلاد الغرب”.
ما هي اللعبة؟ وماذا عن شروطها وحدودها؟
عندما يجتمع الكبار وراء الجدران المصفّحة، تكون المحادثات بينهم همسًا وتهامسًا، وما يتمّ إعلانه وتسريبه يكون في الغالب من شروط اللعبة، وما التحليلات والإجتهادات سوى رحلة في الدخان أو ضوء خافت في الضباب.
من يغامر برمي نفسه في البئر ليثبت أنه فارغ من الماء؟
من يقود طائرة يوقف محركاتها في الفضاء، ويهوي بها إلى الأرض، ليثبت حاجتها إلى طاقة دافعة تقيها السقوط؟
قد يبلغ الجنون بأيّ “هتلر” جديد حدّ تدمير الكوكب بحرب عالمية ثالثة، ولكن مفاتيح منصّات الصواريخ ذات الرؤوس النوويّة ليست في جيبه، بل هي موزّعة شيفرات على غير عاقل في مراكز القرار. وكلّ كلام على بطولات في هذا العصر هو محاولة تركيب عضلات لرجال من قشّ، وفي أحسن الأحوال، محاولة إيقاظ الأساطير لإرضاء ميول الجماهير إلى “بطل لا يموت”.
كلّ مراهنة على المفاجأة تبقى حديث “صالونات”، أو مجرد “بالونات”. فلا صدف في هذا العصر الذي زاد من الحرص على التوازنات إلى حدّ ضبطها بالتعقيدات، أما الصراع على المصالح فمضبوط وفق “أجندات” وضمانات لا تتعدى التضحية بالخرائط وتغيير الدول بشدّ الحبل من دون قطعه.
هل كل تطور متفق عليه؟
نعم في المُطلق. ولا، عند المنعطفات، مع تحديد السرعة.
عليه، لا العم سام إنسحب من الشرق الأوسط، ولا الدبّ الروسيّ يستحمّ في المتوسط من أجل عينيّ أحد، والأصح: أحدهم.
وعليه كذلك، لا “الدولة الإسلامية”، ولا الحلم الفارسيّ، قادران على أسلمة العَالم، أو على بعث زمن الإمبراطوريّات.

• إيلي صليبي كاتب وأديب وإعلامي لبناني، والمدير العام السابق للأخبار في المؤسسة اللبنانية للإرسال (تلفزيون أل بي سي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى