“الاستقرارُ غير المُستَقِرّ” يسودُ على الحدود الإسرائيلية-اللبنانية – تمامًا كما يُريدُ الجميع

مايكل يونغ*

إنَّ مسألةَ التصوّرات هي في قلب الصراعات في جميع أنحاء العالم. إنَّ ما يُفكّرُ فيه كلُّ جانبٍ يُحدّدُ أفعاله، وهذه الأفعالُ تُحدّد جُزئيًا اتجاهَ الصراع. ويجب أن نضع ذلك في الاعتبار اليوم، وسط تقارير تُفيدُ بأنَّ إسرائيل و”حزب الله” قد يُصَعّدان قريبًا اشتباكاتهما على طول الحدود اللبنانية-الإسرائيلية إلى حربٍ شاملة.

في مقابل الرواية الغربية التي تقول إنَّ إسرائيل تتقدّم في غزة وأن هزيمة “حماس” هي مسألة وقت، فإنَّ “حزب الله” وحلفاءه لديهما قراءة مختلفة بعض الشيء. وحتى لو كانت هناك أوجهُ قصورٍ كبيرة في الطريقة التي يُفَسِّرُ بها الطرفان ما يحدث، فإنَّ السؤال الحقيقي هو ما الذي يفعلاه بشكلٍ صحيح وكيف سيؤثّرُ ذلك في خياراتهما.

بالنسبة إلى “حزب الله”، من المهم فَهم العوامل التي تدفع الحزب إلى تجنّبِ حريقٍ كبير قد ينتشرُ قريبًا إلى المستوى الإقليمي. “حزب الله” ببساطة لا يرى أنَّ الحربَ الكبرى ضرورية. وبينما يُراقب تطور الغزو الإسرائيلي لغزة، فإنَّ ما يراه، أو يعتقد أنه يراه، هو أخطاءٌ إسرائيلية كبرى.

أوّلًا، رُغمَ أنَّ الإسرائيليين توغّلوا في مناطق واسعة من غزة، إلّا أنَّ سيطرتهم هشّة. على سبيل المثال، بعد وقتٍ قصيرٍ من إعلان إسرائيل سيطرتها على مدينة غزة، أطلقت “حماس” سراحَ رهائن إسرائيليين في عَرضٍ عام تمَّ تنظيمه في قلب المدينة.

كما أعلنت إسرائيل عن سيطرتها العملياتية على النصف الشمالي من قطاع غزة، إلّا أنها تواصل قتال “حماس” هناك. لقد استغرقت المعارك حول منطقتَي جباليا والشجاعية أسابيع، مع ارتفاع عدد الضحايا الإسرائيليين. وكما قال أحد المسؤولين الإسرائيليين لصحيفة لوموند الفرنسية: “في حالِ وجود مدينة تحت الأرض، فمن الصعب إعلان السيطرة الكاملة عليها”، في إشارةٍ إلى شبكة أنفاق “حماس” التي تُغطّي أجزاءً كبيرة من غزة.

على الصعيد السياسي، يعتبرُ “حزب الله” أيضًا أنَّ إسرائيل في مأزق. ويبقى من غير الواضح ما الذي سيُشَكّلُ انتصارًا مقبولًا للحكومة الإسرائيلية. كما إنَّ جيشها لا يبدو أقرب إلى قتل كبار قادة “حماس” في الداخل، الأمرُ الذي قد يسمح لإسرائيل بإعلان النصر. وكلما قامت القوات المسلحة الإسرائيلية بتدمير المنطقة بشكل تعسّفي، وقالت إن هناك حاجة إلى أشهرٍ عديدة من القتال، بدا أن ليس لديها هدفٌ مُحَدَّدٌ بشكلٍ جيد.

إن فكرةَ أنَّ إسرائيل غارقة في المستنقع وبلا اتجاهٍ تنتشرُ في العديد من وسائل الإعلام، بما في ذلك تلك المتعاطفة مع “حماس” وما يسمى بـ“محور المقاومة”. على سبيل المثال، ركّزت صحيفة “الأخبار” المؤيدة ل”حزب الله” على كيفية انقسام الحكومة الإسرائيلية حول ما سيحدث في غزة بمجرّد انتهاء القتال، والتوتّرات التي ولّدها ذلك مع إدارة بايدن.

إنَّ المبالغة في تقدير الصعوبات التي تواجهها إسرائيل هي جُزءٌ من الحرب النفسية التي يشنّها “حزب الله”. ومع ذلك، عندما يُرَدِّدُ هذا الإعلام الكلام الذي قاله حلفاء إسرائيل سابقًا، فإنه يكتسب مصداقية أكبر. على سبيل المثال، قال الرئيس الأميركي جو بايدن للإسرائيليين في تشرين الأول (أكتوبر) إن قراراتهم في زمن الحرب ينبغي أن تكون “مدروسة. ويتطلب الأمر طرح أسئلة صعبة للغاية. فهو يتطلب وضوحًا بشأن الأهداف وتقييمًا صادقًا حول ما إذا كان المسار الذي تسلكه سيحقق تلك الأهداف”. ويبدو أن الطبيعة الطاحنة وغير الحاسمة لغزو غزة تؤكد هذه الشكوك.

لماذا يهمُّ هذا؟ لأنَّ “حزب الله”، ومعه إيران، سيتجنّبان الانجرار إلى صراعٍ يعتقدان أن إسرائيل تريد إثارته، معتقدَين أنَّ القيادة الإسرائيلية قد تحاول استخدام ذلك لإخراج نفسها من مأزقها. ولعلَّ هذا يُفسّرُ كيف رد الحزب على القتل الاستفزازي الواضح الذي قامت به إسرائيل لقائد كبير في فيلق القدس الإيراني، راضي موسوي، في سوريا في 25 كانون الأول (ديسمبر).

في اليوم التالي لاغتياله، كان هناك تصاعدٌ في هجمات “حزب الله” ضد أهدافٍ إسرائيلية على طول الحدود وفي مزارع شبعا المحتلة. وبالنسبة إلى الحزب، كان ذلك ضروريًا في ضوء اغتيال موسوي. لكن بعد يومٍ واحد، خفّضَ الحزب ردّه، وسط تهديدات إسرائيلية بأنَّ الوضع على الجبهة اللبنانية “غير مُستدام”، وهي الفكرة التي ردّدها حلفاء إسرائيل في واشنطن.

ويعتزمُ “حزب الله” الحفاظ على هذا التوازن لأطول فترة مُمكنة، مُدرِكًا أن إدارة بايدن تعتبرُ الحرب الإسرائيلية مع لبنان خطًا أحمر، لأنها قد تؤدّي إلى صراعٍ إقليمي يدفع الولايات المتحدة إلى مواجهة مع إيران. يريد بايدن تجنّب ذلك بأيِّ ثمن في عام الانتخابات.

وقد يكونُ لهذا الوضع من الاستقرار غير المُستَقِرّ تأثيرٌ مُتناقض على إسرائيل. فمن ناحية، سيزيد ذلك من الإحباطات الإسرائيلية، لخلق الظروف لردِّ فعلٍ أقوى؛ ومن ناحية أخرى، يجب على إسرائيل أن تدرك أن فتح جبهة لبنانية سيكون محفوفًا بالمخاطر للغاية ويؤدي إلى توترات أميركية-إسرائيلية أكثر وضوحًا، ما يدفع إسرائيل إلى تجنّب هذه النتيجة.

وفي وقتٍ حيث لا تزال إسرائيل بعيدة من تحقيقِ نصرٍ مُقنع في غزة، فإنَّ توسيع صراعها إلى لبنان ومحاربة خصمٍ أكثر قوة، “حزب الله”، ليس له أي معنى. ويصبح هذا أكثر صدقاً إذا عارضته الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، فإنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يواجه منافسة في الداخل، ومن الممكن أن يدفع ثمنًا باهظًا لتوسيع نطاق الحرب التي قد ينظر إليها الإسرائيليون باعتبارها تذكرة انتهازية للبقاء السياسي.

لكل هذه الأسباب، سيظل “حزب الله” وحلفاؤه يعتقدون أن إسرائيل مُحاصَرة ومُقيَّدة على حدودها الشمالية، مع خياراتٍ قليلة لإنهاء الوضع. كان هذا هو مضمون التصريح الذي أدلى به نائب الأمين العام ل”حزب الله”، نعيم قاسم، في 31 كانون الأول (ديسمبر). ولهذا السبب، إذا عَبَرَ أيُّ طرفٍ الحد الأقصى وبدأ حربًا أوسع نطاقًا وأكثر تدميرًا في لبنان، فمن المرجح أن تكون إسرائيل، وليس “حزب الله”، أو إيران، أو شركائهما.

  • مايكل يونغ هو رئيس تحرير “ديوان”، مُدوّنة برنامج كارنيغي الشرق الأوسط، بيروت، وكاتب رأي في صحيفة “ذا ناشيونال” الإماراتية. يُمكن متابعته عبر تويتر على:  @BeirutCalling
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
  • كُتِبَ هذا المقال قبل ساعات من اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى