نهج لا خطوة

راشد فايد*

يجهد الأمين العام ، السيد حسن نصرالله، ونائبه، الشيخ نعيم قاسم، في مسخ الأزمة مع المملكة العربية السعودية، والترويج عبر أبواق الحزب المسلّح لدى الرأي العام أن مُبتداها ومُنتهاها لا يتخطّيان عبارة قالها وزير الإعلام الهُمام، (جورج قرداحي)، نجم التسلية والترفيه، قبل توزيره بطلب من بشار الأسد، وتحت جناح سليمان فرنجية، وهو ما يُفسّر تجنّب الأخير تشجيعه على الإستقالة وعجز رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون، وعدم حماسته لإقناعه بها.

ألواقع أن الأزمة وُلِدَت يوم بدأ الأمين العام ل”حزب الله” يتطاول على السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، ويُخاطبها، معاً وجميعاً، بأقذى العبارات والنعوت، وسهَّلَ له الأمر أن المملكة، كدأبها، تتعالى على الٍاساءة، وتعتقد أن “اللين من غير ضعف، والقوة (الكامنة) من غير عنف”، تُعيد الوعي إلى من يفتقده، ولا تأخذ في الإعتبار أن ايران تنتهج سياسة عدوانية تجاه عروبة المنطقة، هي نفسها منذ زمن الشاه، وتتلطى خلف أدواتٍ محلية في العراق ولبنان واليمن وسوريا، ولا يعنيها مَن يُقتَل من أبنائها ومَن يعيش، طالما أنهم يعبّدون بأجسادهم دربَ أطماعها بالهيمنة، وما لبنان اليوم سوى حالة من وجوه الهيمنة، وورقة من أوراق التفاوض في قمة فيينا.

يعيش لبنان اليوم أسوأ مشهدٍ لما قد يصيب دولة من تفكك وانهيار، وانقلاب على الدستور والقوانين، وهيمنة شريعة الغاب على مُجريات الحياة العامة. فلا القضاء سيّد نفسه، ولا الإدارة العامة في حماية المؤسسات الرقابية، وتحت سلطتها، ولا الأجهزة الأمنية تملك زمام تنفيذ أحكام العدالة، إن توفّرت. فالقضاء إقطاعات يديرها أصحاب قوى الأمر الواقع، سياسياً وميليشياوياً، ويكفي التذكير بحالتَي غادة عون وحبيب مزهر، وغيرهما من أصحاب المبادرات الدونكيشوتية، وأهل الحل والربط في السلطة “متمْسَحون” (من تمساح) لا يهزّهم جوع ولا عطش، ولا يفقرهم تلاعب بسعر صرف الدولار، ولا سوق المازوت والبنزين، وهم كالراحلة ماري أنطوانيت، إن جاعوا ظنّوا الناس قد جاعوا، وإن شبعوا ظنوا الناس قد شبعوا”، على قول أمير الشعراء أحمد شوقي في ملكة فرنسا زوجة الملك لويس السادس التي تنسب إليها المقولة المشهورة “إذا لم يكن من خبزٌ للفقراء، دعهم يأكلون البسكويت”.

لا خلاف بين السعودية ولبنان، بل اعتداءٌ من طرفٍ لبناني على السعودية ولبنان خدمة لطرفٍ غير لبناني وغير عربي، في إطارِ نهجٍ عدواني على الهوية العربية للمنطقة، يتجلّى في مواجهة السعودية بكل وسيلة من الكابتاغون الى الطائرات المُفخَّخة المُسَيَّرة.

ليس الخطاب السياسي المُدان اليوم إبن ساعته. إنه استكمالٌ لنهجِ استعداءٍ ضد السعودية ودول مجلس التعاون، تعالت الرياض والخليج عن الرد عليه، لكن ذلك أدّى إلى تفاقم التطاول ومُجازفة مُنفذّيه بمصالح لبنان واللبنانيين، ومحاولة تقويض دوره كأرض توافق بين الدول العربية، وجعله طرفاً في مواجهةٍ مع العرب لا مصلحة له فيها، لأنها تتّخذ منه أرض صراع في مواجهة الهوية التي يعتزّ بها وتسعى لإلباسه وجهاً ليس له.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازياً مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى