تسلُّق الهاوية يوصل إلى “المرّيخ”

بقلم إيلي صليبي*
تسلُّق الهاوية… هواية في تراثنا القومي.
وتسلّق السلَّم من أعلى إلى أسفل… إدمان في صميم جيناتنا الوطنية.
والإنتحار إلى فوق… عدوى تتناقلها عوائل حكّامنا بالوراثة.
قد تبدو هذه الظَّواهر مُبهَمَة، وعاصية على الفهم، وتستلزم مختبرات ذات إختصاصات في علوم النفس الجماعية، وتحاليل فائقة التحسُّس، للحكم الدقيق على موروثاتنا، ومكوِّنات أطيافنا، وللتوغل في بحوثنا عن جذور علَّة متأصِّلة في أرحام تاريخنا، يتواكب معها التماهي في تجاهل الجرثومة، والتباهي في عشق المرض.
تنطبق أعراض الداء على سلوكيّات الأفراد منّا، وعلى محيطهم، وصولًا إلى رأس هرم تكتلاتنا البشريَّة.
مبالغة، وتطيُّر في التضخيم؟
ربما ما يراه من يراقب الميكروبات بالـ”الميكروسكوب” يبدو غير مرئي بالعين المجرَّدة، ولكنَّ هذا لا ينفي ذاك، تمامًا كما لا ينفي حدوث الجريمة وجود الجثَّة وإختفاء الدليل.
ماذا نسمّي ما يجري في سوريا، بحياديَّة المراقب النجيب؟
هل الشعب يريد إسقاط النظام؟ أو النظام يريد إسقاط الشعب؟
في الحاليْن، الشعب يتسلق هاوية لا قرار لعمقها بإرتمائه في أحضان تيّارات تعدَّدت مصادرها، لكنَّ مصبَّها واحد وهو التسلُّق إلى مكامن القبض على الحاضر لإغراقه في سحيق الماضي. أوَليس هذا إنتحار المستقبل إلى فوق؟
هل النظام يتوقَّع النصر، وإستمراريَّة البقاء، وفرضيَّة الحلِّ السِّياسيِّ هل تضمن خضوع الآتي لما كان؟ أوَليس من كان في القمة يتسلَّق السلَّم من فوق إلى تحت؟
حين ينقلب ثلث اليمن على ثلثيْه الآخريْن، وحين يكتنف العاصفة الخليجية “توز” يمنع الرؤية، وتحالف الإخوة الأعداء ضد بلاد فارس، ماذا يوقف شلال الدم عن الإنهمار إلى صعود وتصعيد؟
حين يرث القذّافيّين من ينقضُّون على مفاتيح بوابات ليبيا، وإحتفلوا بقتل الطاغية المجنون، يحملون إلى مضارب قبائلهم مشروع زرع الأنهار في صحاريها؟
حين تتبغدد “داعش” وأخواتها في العراق، وتتمدَّد دولتها “الإسلاميَّة”، وتهدِّد وتتوعَّد، في وجه أساطيل البحر والجوِّ، وفي تصنيف العبادات تتوغل بالسيف والتكفير، أوَليست تتسلّق الأنظمة النائمة في كهوف وديان الهذيان، فيما عدّاد التاريخ يسجِّل إنقباضات التراجع إلى ما يسميه الإسلام جاهليَّة ما قبله؟
وقسْ على رقعة الشطرنج تحريك البيادق من اللاعبين الكبار كلَّ ما حدث ويحدث، والمسافةَ المتبقية بين الشرق الأوسط السالف الذِّكر والشَّرق الأوسط الجديد، قبل أن تصل اللُّعبة إلى خواتيمها بـ”كش ملك الزمان”، تدركْ معاني التسلُّق المعكوس، ومغزى فهمنا المقلوب لقواعد الطبيعة وطبيعة القواعد.
أمّا أنت يا وطن الأرز وثورة الأرز والإنتصار الإلهي، فقدرك موقعك الجغرافي، ويا حبَّذا لو كان في الإمكان نقل عنوانك البريديِّ من هذا الشرق، ولكن ليس إلى ذاك الغرب، بل إلى ما هو أبعد… إلى “المرّيخ”، حيث تقيم عقول زعمائك.

• أديب وكاتب وإعلامي لبناني، والمدير العام السابق للأخبار في المؤسسة اللبنانية للإرسال (أل بي سي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى