لبنان إلى أين بعد جهنّم؟

عرفان نظام الدين*

هناكً دمعةٌ حارّة في العين، وغصّةٌ جارِحة في الحَلق، وجرحٌ نازِفٌ في القلب، ونحن نرى لبنان يُدَمَّرُ ويُساقُ إلى الهاوية بعد أن أوصلوه إلى جهنّم. كيف حدث كل هذا الجنون في أيامٍ لتدميرِ بلدٍ كان القدوة والمثل في النمو والأدب والفن والثقافة والعلم والسياحة والاقتصاد والإنتاج.

هذه الحقيقة قوبلت بالجحود والتآمر والتدخّل، بل والغيرة من إنجازاته المُلفِتة، والخوف من انتقال عدواه الديموقراطية والحضارية.
وكم حذّرنا من هذا الواقع، ووضعنا الأصابع علي الجراح، ولم نُقابَل إلّا بالمزيد من الفسا،د والإمعان في النهب والتدمير وتبادل الاتهامات بين الأطراف الداخلية والخارجية عن المسؤول … وهذا بعض ما كتبناه وكرّرناه:

كان لبنان الاجمل والأكثر تقدّماً في المنطقة وأُطلق عليه اسم سويسرا الشرق وكانت مواسمه السياحية والصيفية يحضرها مئات الالاف من العرب والاجانب، وكانت الأجمل والأكثر تنوّعاً من الشواطئ والسهول والجبال حيث يتمكّن السائح بعد السباحة في الصباح والتزلج بعد الظهر في اليوم نفسه، ويعود للسهر في المساء.

كان لبنان قدوة في الاقتصاد الحر واعتماد سرية المصارف ليصبح مركزاً مالياً ومصرفياً مُتميّزاً يلجأ إليه العرب والأجانب.

وكان لبنان موطناً للحريات وملجأً لآلاف الهاربين من الظلم والاضطهاد والديكتاتورية، كما كان إعلامُه مضرب المثل في الحرية والمهنية رُغمَ بعض الشوائب، وانجرار البعض نحو إغراءات المال من قبل بعض الحكام لتُدمَغ ممارساتهم بمقولة “صحافة الشقق المفروشة”، لكن الإعلام الشريف حافظ على حياديته و موضوعيته، وبقي صامداً حتى الرمق الأخير.

وكان لبنان صاحب دورٍ فعّال في التضامن العربي، ولعب دور الوسيط والمؤسّس للأمم المتحدة. كان زاخراً بقاماتٍ إعلامية وديبلوماسية وسياسية واقتصادية تبوّأت أهم المناصب في لبنان والخارج.

وكان لبنان قدوة في الوحدة الوطنية، وحرية ممارسات الأديان والإيمان الحقيقي، ومضرب مثل في التعايش المسيحي-الإسلامي، ورفض التطرّف والعنف والإرهاب .

كان لبنان مركزاً مُتقدّماً للثقافة والفنون والأدب والنشر، يلجأ إليه كبار الكتّاب والشعراء والأُدباء و ينشرون كتبهم بكل حرية بعيداً من الرقابة.

وكان وكان وكان … و لا يتّسع المجال للمزيد فيما الدمعة تتجمّد في المُقلتَين، والغصّة تكاد تخنق المُحبيين للبنان وهم يشهدون هذا السقوط المدوي، والإنهيار بيد معاول الهدم التي هاجمته من كل حدب وصوب وأمعنت فيه تخربياً ودماراً ونهباً للاموال وصولاً الى نسف مُنطلقاته وهويته الحضارية وانفتاحه على العالم بأسره للإنجرار الى فخ الاتجاه الى الشرق.

.سقط الهيكل ومعه الأقنعة ونحن نتساءل عن الفاعل والمُحرّض والمُنفّذ بعد ان سادت شريعة الغاب، وتكرّرت الاغتيالات للبُناة والمُخلِصين من رياض الصلح إلى رشيد كرامي ورفيق الحريري إلى بشير الجميل ورينيه معوّض ومن كامل مروة إلى جبران تويني إلى سمير قصير.

ولم يكتفِ الحقد بالبشر بل امتد تخريباً بالحجر الذي كان يضحك فصار يبكي ولم يترك المغرضون مَعلَماً حضارياً إلّا وتعّرضوا له من المعالم السياحية والفنية والإعلامية مع التركيز على ضرب الوسط التجاري لبيروت بأيادي الغوغاء حرقاً وتدميراً.

كما يجري التركيز على الجامعة الاميركية في بيروت لخنقها والتضييق عليها لتصل إلى حافة الإفلاس مع غيرها من الجامعات والمدارس الخاصة.

ولا يتّسع المجال هنا للمزيد، ولكن السؤال المدوي والمؤلم هو مَن ولماذا هذا الحقد والعداء لست الدنيا بيروت؟ ورمز الحرية لبنان ….هل استضعفوه ليدمّروه بعدما أغرقوه باللاجئين والنازحين؟ أم أن اللبنانيين هم الذين أضعفوا أنفسهم بانسياق بعضهم الى الخارج على مختلف ألوانه وأشكاله وأنواعه وقبلوا بأن يتحوّلوا إلى أدوات بيد الحقد والتآمر ويشاركوا بحروبٍ عبثية بين الإخوة وأبناء الوطن الواحد .

  • عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى