الزراعة في لبنان على حافة الهاوية

لا تبدأ مشاكل المواطن اللبناني بالإنقطاع المتكرر للكهرباء والتقنين المجحف، ولا تنتهي عند شحّ المياه وأزمة النقل العام والإهمال الرسمي لقطاعات كثيرة. ويتجلّى هذا الإهمال خصوصاً في القطاع الزراعي، إذ يعيش المزارع اللبناني حالاً مأسوية. فهو يكدّ يومياً ليُخرج إلى المستهلكين ما أنتجه من محاصيل زراعية علّه يقي نفسه وعائلته الجوع، في ظل غياب الإهتمام الرسمي، ناهيك عن غياب مبادرات القطاع الخاص.
يؤكد رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان حويك في حديث صحافي أن هذا القطاع سيشكّل دعامة أساسية للإقتصاد الوطني إذا جرى التعامل معه في شكل صحيح، مشيراً إلى أن “الدولة شبه غائبة عن هذا القطاع، توجيهياً وخدمياً”.
ويقول إن حجم الإنتاج الزراعي والحيواني في لبنان، “يصل إلى 1.5 مليار دولار سنوياً”، مشيراً إلى أن “قرابة 250 ألف عائلة، تعتمد في شكل رئيسي على هذا القطاع لتأمين قوتها اليومي”.
ويضيف أن “الحمضيات والخضار والموز والبطاطس، تعتبر من أهم المنتجات التي يعتمد هذا القطاع عليها، إن كان للتصدير الخارجي أو للإستهلاك المحلي”.
ويشهد الإنتاج المحلي منافسة قوية في الأسواق العربية من المنتجات المحلية، خصوصاً الأسواق التي تُعتبَر تقليدية للمنتجات الزراعية اللبنانية، مثل السعودية وسوريا ومصر والمغرب، وفق حويك الذي يلفت إلى أن هذه الدول تطبّق سياسة زراعية تساعد المزارع على الإنتاج والتصدير بتكاليف متدنية، في حين أن تكلفة الإنتاج في لبنان تعدّ مرتفعة بالمقارنة، ما يؤدي حكماً إلى تفضيل المستهلكين المنتجات الأقل تكلفة.
ويقول محمد حجازي، وهو أحد الزارعين الرئيسين لل”أفوكادو” في لبنان، إن التكلفة العالية للإنتاج تعود إلى إرتفاع أسعار الأراضي، إضافة إلى غياب دور الدولة في التوجيه الذي من شأنه إذا أُحسِنت إدارته، أن يساهم مساهمة فاعلةً في خفض الكلفة.
وينوه بدور بعض المنظمات غير الحكومية على غرار “الوكالة الأمــيركية للتنمية الدولية” (يو أس إيد)، التي تقوم بتوعية المزارعين وتعريفهم بأفضل الطرق الزراعية التي تساهم في خفض التكلفة، متسائلاً عن الموانع التي تقف أمام تدخل الدولة في هذا الإطار، خصوصاً أن الطرق المعنية “منخفضة التكلفة وسهلة التطبيق”.
ويؤكد حجازي أن “المشكلة الرئيسية تتمثل في غياب خطـة زراعية حكومية”، إذ تقوم الحكومة أحياناً بتوزيع البذور والأسمدة، إنما من دون توجيه إلى كيفية الإستعمال الأمثل لضمان “نجاح الموسم”.
ولا تقتصر مشاكل المزارع اللبناني على “عدم تدخل الدولة إيجابياً في تطوير هـذا القطاع”، فـ”التدخل السلبي”، وفق حجازي، ساهم في “تجــويع المـــزارع أكـــثر فأكثر”، فـ”عدم تثبـيت أسعار المحروقات للمزارعين، إضافة إلى غياب الرقابة على البذور، ساهما في تعزيز الأزمة”.
وكانت الدولة تبنت مبادرات لمساعدة المزارعين اللبنانيين، إذ أنشأت في 1963 “المــشروع الأخضر”، الذي يُصنَّف إدارة عامة ذات صــلاحية إدارية ومالية تحت وصاية مباشرة من وزير الزراعة، ويعنى بإستصلاح الأراضــي الزراعية والقــيام بأعـمال تكميلية وشق الطرق الزراعية وبناء البرك الترابية.
يقول موظف متقاعد من المشروع رفض ذكر اسمه لأنه لم يعد مخوّلاً الحديث مع الإعلام، إن “الفساد ساهم في تجفيف موازنة هذا الصندوق”، مشيراً إلى أن “المشروع الأخضر” يقدّم منحاً مالية إلى المزارع تبلغ في حدها الأقصى عشرة ملايين ليرة لبنانية (6500 دولار)، بهدف إنشاء برك للري أو شق طرق أو بناء جدران دعم لحماية الإنتاج وتحسينه.
وأدّت الأحوال الجوية التي عصفت أخيراً بلبنان، دوراً بارزاً في “كارثة زراعية” مرتقبة. يقول حويك إن العاصفة الأخيرة، ساهمت في القضاء على 20 – 40 في المئة من المحاصيل الزراعية التي ينتجها لبنان.
وأوضح حجازي أن العاصفة الأخيرة التي “لم نشهد لها مثيلاً”، أضرت بسوق الحمضيات على أنواعها، إذ ساهم تدني الحرارة التي وصلت إلى 7 درجات تحت الصفر على إرتفاع 300 متر عن سطح البحر، في حرق الأشجار وإتلاف البذور، الأمر الذي سيقلّص المحاصيل الزراعية لسنتين على أقل تقدير.
وإعـــتبر حــجازي أن تضرّر إنتاج الموز وصل إلى 90 في المئة على الأراضي الساحلية، ما ساهم في زيادة الخسارة المادية للمزارع، الذي لا يـجد من يــعوّض عليه قيمة هذه الأضرار.
وكانت الخسارة الأكبر من نصيب شجر الأفوكادو والخيم البلاستيكية، إذ ساهمت الريح والأمطار في تدمير معظم هذه الخيم والأشجار، في حين ساهم الجليد في إحراق أشجار الأفوكادو. وأكد حويك وحجازي أن المزارع يتحمل الخسارة وحيداً، فالدولة غائبة منذ فترة ليست بقليلة عن التعويضات.
وكان للأزمة السورية تأثير واضح في القطاع الزراعي اللبناني، خصوصاً بعد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على مناطق واسعة من الأراضي السورية، ما أثر في النقل البري وحوّله إلى “مخاطرة”.
وإنعــكس هذا الوضع على حركة التصدير إلى سوريا والدول المجاورة، فإرتفعت أسعار النقــل ثلاثة أضــعاف، ما حرم المنتجات اللبنانية من القدرة على المنافسة في سوق ضعيفة أصلاً.
لكن اللاجئين السوريين في لبنان، ساهموا في إسعاف القطاع الزراعي، إذ تشير إحصاءات رسمية إلى وجود ما يقارب مليون سوري في لبنان نزحوا جراء الأزمة، ما ساهم في تحويل إنتاج الخضراوات إلى السوق المحلية، ورفع من إنتاجية هذا القطاع وعزز الأسعار، وفق أكثر من مصدر في القطاع.
أما التصدير إلى أوروبا، فيؤكد حويك على أنه “منقرض”، على رغم المعاهدات التي وقّعها لبنان مع الإتحاد الأوروبي في 2003 وتعفي بعض المنتجات الزراعية من رسوم الإستيراد، فنوعية المنتجات اللبنانية وبعد المسافة مع الإتحاد الأوروبي، ساهما في خفض نسب التصدير في شكل ملحوظ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى