كتابٌ مَفتوحٌ إلى الأمينِ العام للأُمَمِ المُتَّحِدة

الرئيس فؤاد السنيورة*

السيد أنطونيو غوتيريش
الأمين العام للأمم المتحدة
نيويورك

 عزيزي الأمين العام،

بقَلبٍ مُثقَلٍ بالألم وبحزنٍ لا حدودَ له أُخاطبكم. لقد نالت منطقتنا نصيبًا من العنف لم يسبق أن وصل مداه إلى هذا النطاق الكارثي. ذلك أنَّ الخسارةَ الفادحةَ التي يتحمّلّها قطاع غزة في أرواح المدنيين الأبرياء، وفي التدمير الواسع النطاق ذي الأبعاد النووية قد صدمت العالم. كذلك، ومن جهةٍ أخرى، في بلوغ حجم ومدى الاحتجاجات التي حصلت في شتى أنحاء العالم ضد القصف الإسرائيلي اللاإنساني إلى حدودٍ لم تُشاهَد حتى الآن.

هناك رواياتٌ وسردياتٌ مختلفة ومُتَعارِضة لما يحصل في غزة، وكلٌّ يدافعُ عن وجهةِ نظره، ومن ذلك ما يجري استعماله كذريعةٍ لحقِّ إسرائيل في الدفاع عن النفس، ولكن لا شيء منها يبرر الهجوم الإسرائيلي القاسي والوحشي والمدمّر الذي تتعرّض له غزة وأهلها.

لقد تميّزتُم، وقبل كل شيء، بموقفكم الأخلاقي والجريء، وفي التعبيرِ عن مشاعركم وتضامنكم بطريقةٍ مُنصِفةٍ، هادئة وإنسانية. وذلك بأنه لا يمكن إخراج الأحداث الجارية في غزة من سياق عقود من الاحتلال ومن البؤس والظلم اللاحق بالفلسطينيين، وبأنّه قد تمَّ تجاهل محنة الفلسطينيين هذه لفترة طويلة جدًا، مثلما تمّ تجاهل قرارات مجلس الأمن والقوانين الدولية ذات الصلة، والتي لم يَجرِ تطبيقها.

إنَّ تحقيقَ السلامِ العادلِ والشاملِ والدائمِ في فلسطين أصبح أكثر إلحاحًا من أيِّ وقتٍ مضى. ولا بدَّ من العمل لإعادة إحياء مبادرة السلام العربية لعام 2002 باعتبارها تُشَكّلُ الأساس الصالح لخطّةِ سلامٍ شاملة تعترف بحقِّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس.

تجدرُ الإشارة هنا إلى أنَّ ما أطلق عليه الاتفاقيات الإبراهيمية قد فشلت في معالجة جوهر القضية المركزية، والمُتَمثّلة بضرورة الاعتراف بحقِّ الشعبِ الفلسطيني أن تكون له دولته المستقلة. وها هو الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما يعترف أخيرًا ومُتأخّرًا بأنّه كان ينبغي عليه أن يفعلَ المزيد من أجل الاهتمام بهذه القضية المُحِقّة. المؤسف أنّ الاهتمام المطلق لدى المسؤولين في الولايات المتحدة الأميركية تُركّزُ، وعلى مدى العقدين الماضيين، على منطقة شرق آسيا، وهو ما حالَ دونَ إيلائهم الاهتمام اللازم بالقضية الفلسطينية، وهو بدوره ما شكّلَ هاجسًا قد عاد ليطاردهم مع الإحساس بالشعور بالرغبة بالانتقام.

لذلك، وفي محاولةٍ دوليةٍ يائسة لجذب الجماهير الغربية ولتبرير مستوى العنف الذي تمارسه إسرائيل على أهل غزة، يتمُّ تقديمُ إعادةِ صياغة سردية عن طبيعة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وذلك لتقويضِ البُعدِ الفلسطيني الحقيقي لها، وبحيثُ يجري ابتداعُ مقولة تقول بأنّ الصراعَ هو جُزءٌ من الحرب على الإرهاب، وهو مشابه في كثير من النواحي للحرب على “داعش”. وكل ذلك بقصد تبرير ما يتسبّب به القصف الإسرائيلي المدمّر والوحشي من أضرار جسيمة وخطيرة تلحق بالفلسطينيين. وفي هذا السياق، كان النهج الأكثر شرورًا، والذي جرى اعتماده من قبل البعض بتوصيف الصراع على أنّه حربٌ بين الحضارات أو حرب الغرب على الآخرين.

ولذلك، وحتى لا يجري الخلطُ بين السبب والنتيجة، وحيث أنَّ البعض قد بادرَ إلى القول بأنّ هذه الحرب في غزة قد تسبّبت بصَدعٍ كبيرٍ بين الشرق والغرب، وربما إلى الحدّ الذي تتفوَّق في تأثيراتها السلبية على ما حدث بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001. وكذلك وأيضًا بشأن مدى التداعيات الثقافية والدينية لهذا الصراع الدائر، والتي سوف تكون هائلة. كذلك، فإنَّ تصاعُدَ أعراضِ تلك ومظاهر معاداة السامية وكراهية الإسلام لن تكون سوى أحد أعراض تلك التوترات المتزايدة بين الأديان.

تجدر الإشارة هنا إلى ما عبّر عنه أخيرًا السيد جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وذلك: “إنَّ الصراعَ الإسرائيلي-الفلسطيني لم يَعُد صراعًا إسرائيليًا-عربيًا، بل هو صراعٌ ديني وحضاري”. ويأتي في هذا السياق الانقسام الذي حصل أخيرًا بشأن الصدع المثير للقلق بين الشرق والغرب، والذي ظهرت معالمه في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاقتراح العربي.

إنّه، ولهذه الأسباب، فإنّه تجب المسارعة إلى وقف إطلاق النار بشكلٍ عاجل لوقفِ المزيد من التدهور على المسارات الخطرة المُشار إليها. كما إنَّ هناكَ حاجةً إلى البدء الفوري بعمليةٍ سياسية تُشارِكُ فيها كافة الأطراف المعنية من أجل تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، ومن ذلك إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة، والتي تُلَبّي تطلعات الشعب الفلسطيني وتضمن الأمن والسلام لجميع الأطراف المعنية.

عزيزي السيد غوتيريش،

مثل كثيرين غيري في العالم العربي، أُشيدُ بموقفكم الأخلاقي والثابت تُجاه القضية الفلسطينية وكذلك تُجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي لا بدَّ من بذلِ جُهدٍ جريءٍ ونبيلٍ لوقف إراقة الدماء هذه.

هذه ليست حرب حضارات ولا حرب على الإرهاب، بل هي حرب من أجل تحقيق العدالة لشعبٍ مضت عليه 75 عامًا وهو يعاني من الاحتلال والظلم والقهر المستمر.

  • الرئيس فؤاد السنيورة هو سياسي لبناني شغل منصب رئيس مجلس الوزراء من 19 تموز/يوليو 2005 إلى 9 تشرين الثاني/ نوفمبر 2009.
  • وَجَّهَ الرئيس فؤاد السنيورة هذه الرسالة مباشرةً إلى الأمين العام للأمم للأمم المتحدة في 7 تشرين الثاني (نوفمبر) بالإنكليزية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى