فيما تضغط واشنطن على إيران، هل تشتعل الحرب بين إسرائيل و”حزب الله”؟

بعد عقد من الهدوء النسبي على طول الحدود بين إسرائيل ولبنان بدأت بوادر إهنزاز تتلبّد في الأجواء فيما كلٌّ من تل أبيب و”حزب الله” يهدّد أحدهما الآخر، حيث بدأ الأخير، وفق المصادر، إعادة هيكلة قواته في الجنوب اللبناني والتركيز على إحتمالات حصول معركة مع الدولة العبرية، فيما الجيش الإسرائيلي يبني تحصينات في الجانب الآخر من الحدود، ويعزز ترسانته العسكرية وينصب أبراجاً الكترونية. وقد زاد الطين بلّة التهديدات التي أطلقتها إدارة دونالد ترامب بشأن نيتها بدحر النفوذ المتنامي لإيران في منطقة الشرق الأوسط، راعية “حزب الله”، الأمر الذي ولّد وضعاً قابلاً للإشتعال في أي لحظة.

السيد حسن نصرالله: هل تهديداته جدية؟
السيد حسن نصرالله: هل تهديداته جدية؟

بيروت – رئيف عمرو

الهدوء الذي ساد لأكثر من عقد على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل عكّرته أخيراً موجة من الخطابات والتحذيرات النارية من كلا الجانبين التي جعلت الكثيرين هنا قلقين ومتخوّفين من إمكانية إندلاع حرب أخرى بين الدولة العبرية و”حزب الله”.
لقد هدّد زعيم “حزب الله” السيد حسن نصر الله بضرب المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة إذا هاجمته الدولة الصهيونية. وحذّر مسؤولون إسرائيليون بالمقابل أنه سيتم ضرب كل لبنان إذا هاجم “حزب الله” الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
الواقع أن إحتمال نشوب حرب مُدمِّرة مُتبادَلة تُطلَق على لبنان وإسرائيل ما زال يلعب دور الردع، ولكن الوضع لا يزال عرضة بشكل خطير إلى سوء تقدير يمكن أن يتحوّل بسرعة إلى صراع قبل أن يكون بمقدور أيٍّ من الجانبين وقفه مرة أخرى.
“أنا لا أعتقد أن [الحرب] باتت وشيكة، ولكن أخطاءً بناءً على سوء تقدير ورسائل خاطئة يمكن أن تحدث”، تقول الباحثة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن والخبيرة في شؤون “حزب الله” رندا سليم لصحيفة “كريستيان ساينس مونيتور”. “وعلى الرغم من الخطاب العاصف لنصر الله، فإن “حزب الله” ليس في وضع يمكنه من شن هذه الحرب الآن [و] إسرائيل لا تستطيع إستدعاء خدعة “نصر الله” بالنسبة إلى إستهداف المحطة النووية. إن نظام الردع المُتبادَل الذي كان في المكان على الحدود الإسرائيلية – اللبنانية كان مفيداً إلى كل من إسرائيل و”حزب الله”، وأنا لا أعتقد أن أيّاً من الجانبين مستعدٌ بعد للإنقلاب عليه”، مضيفة.
وقد أثارت هذه التهديدات المُتبادَلة وأشعلتها إشارة إدارة ترامب الجديدة إلى نيتها لدحر النفوذ المتنامي لإيران، راعية “حزب الله”، في منطقة الشرق الأوسط. ولكن نظراً إلى النفوذ الواسع الذي تملكه طهران في سوريا والعراق، وبدرجة أقل في اليمن، يمكن لجهود الولايات المتحدة لإقتلاع نفوذ الجمهورية الإسلامية أن تكون لها تداعيات وعواقب بالنسبة إلى تحقيق الهدف المُعلَن الأكثر إلحاحاً المتمثل في هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، ويمكن تؤدي إلى رد فعل قوي ضد المصالح الأميركية من الجماعات المدعومة من إيران في المنطقة.

إستهداف مجموعات مُسلَّحة عدة

في 28 شباط (فبراير) الفائت، سلّمت وزارة الدفاع الأميركية إلى البيت الأبيض خطة أولية لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية”- التي إعتبرها ترامب من أولويات سياسة إدارته الخارجية. في حين أن المقترحات لا تزال سرية، فقد أشار بعض التقارير إلى أن التوصيات تشمل توسيع نطاق الخطة لضرب الجماعات المتطرفة المسلحة الأخرى العاملة في منطقة الشرق الأوسط، من بينها تنظيم “القاعدة” وربما “حزب الله”.
وقد لمّح الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، إلى نهج أوسع نطاقاً بالنسبة إلى التهديدات عبر الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط في تصريحات أدلى بها في أواخر الشهر الفائت، والتي وصف فيها إيران بأنها “تأثير ضار” في المنطقة.
“إنهم [الإيرانيون] يشنون حرباً بالوكالة عدوانية للغاية”، قال أمام حشد في معهد “بروكينغز” في واشنطن في 24 شباط (فبراير) الفائت. “نحن نراهم في اليمن. ونرى تأثيرهم في سوريا. كما نرى تأثيرهم الخبيث في لبنان، وكذلك في العراق وباقي دول المنطقة”، متابعاً.
لقد أدّى تجدد التركيز على النشاط الإيراني في الشرق الأوسط إلى بعض التصريحات الحادة من كلا الجانبين من الحدود اللبنانية – الاسرائيلية.
من جهته سعى نصر الله إلى تعزيز قدرات الردع لدى منظمته بتهديده بإستهداف المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونة، في جنوب إسرائيل، ومرافق تخزين الأمونيا في حيفا في الشمال، إذا هاجمت إسرائيل لبنان. وفي حين أن “حزب الله” لا يسعى إلى حرب مع الدولة العبرية فإن نصر الله قال للقناة الإخبارية الأولى الإيرانية أنه “يجب على إسرائيل أن تفكر مليون مرة قبل شنّ أي حرب مع لبنان”.
في المقابل، سخر وزير الدفاع الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان من تحذيرات نصر الله، قائلاً: “إن الكلب الذي ينبح لا يعضّ”. وقال وزير إسرائيلي آخر انه إذا قام “حزب الله” بهجمات على إسرائيل، فسيتم ضرب كل لبنان”.

حرب سوف تُقزّم الأخيرة

على الرغم من المواقف المُعلَنة، فإن كلاً من الجانبين يدرك أن حجم الحرب المقبلة سوف يُقزّم تماماً الأخيرة التي وقعت في العام 2006. وهذا الواقع المرير قد ساعد على ضمان 10 سنين من الهدوء النسبي على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل.
ومع ذلك، يمكن لخطر سوء تقدير من جانب أو من آخر أن يحوّل بسرعة الهدوء إلى عنف. لقد دفعت إسرائيل الوضع إلى حافة الخطر أكثر من “حزب الله” في السنوات الأخيرة، مع إغتيالها أفراد من الحزب الشيعي والإغارة جوياً في سوريا على مستودعات أسلحته المشتبه بها أو القوافل المُتَّجهة إليه. وكان “حزب الله” حذراً في تفصيل عملياته الإنتقامية لتوفير صفعة لإسرائيل، حيث حرص بألّا تكون قوية بما فيه الكفاية لزعزعة “توازن الرعب”.
في العقد الماضي، توسّعت الجماعة الشيعية اللبنانية على نطاق واسع في مجالات القوى العاملة، والأسلحة، والخبرة. منذ العام 2012، تعلّم مقاتلو “حزب الله” مجموعة جديدة من المهارات في ساحة المعركة في سوريا، حيث تدخل للدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد.
إن “حزب الله” صار صغيراً جداً كإسم بالنسبة إلى نمو المنظمة وتطور دورها، يقول أحد قادة الحزب المخضرمين الذي خدم جولات متعددة في سوريا: “يجب أن يُسمّى جيش الله”، على حد تعبيره.
مع إكتساب نظام الأسد في الآونة الأخيرة اليد العليا في الصراع العسكري، فإن بعضهم في إسرائيل يبدو قلقاً من أن يحوّل “حزب الله” إهتمامه إلى العدو الرئيسي.
“إن حقيقة أن يكون الحزب مع ‘الجانب المنتصر” فسوف يعطيه المزيد من الثقة في قدرته على التحوّل للقتال بإتجاه العدو الرئيسي”، كتب جيورا إيلاند، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، في صحيفة “يديعوت أحرونوت” في أواخر الشهر الماضي.
ومن بين التكتيكات التي مارسها “حزب الله” في سوريا كانت العمليات الهجومية، التي في الواقع أعطت زخماً للرأي القائل بأنه في الحرب المقبلة سوف تقوم كوادر الحزب بعبور الحدود إلى شمال إسرائيل لإجراء الكمائن وتنفيذ الغارات، وهو تطور كشفته لأول مرة “كريستيان ساينس مونيتور” في نيسان (إبريل) 2008، وألمح إليه في وقت لاحق نصر الله في كلمة ألقاها بعد ثلاث سنوات. ويأخذ الجيش الاسرائيلي هذا التهديد على محمل الجد، وخلال الأشهر القليلة الماضية عزّز دفاعاته على طول الحدود الشمالية مع لبنان، ووضع الكتل الخرسانية في نقاط إختراق مُحتمَلة وحتى حفر جوانب الوديان المتاخمة للحدود في المنحدرات بطريقة يصعب تسلقها.

أعلى نموذج

على الرغم من أن الكثير من الإهتمام ب”حزب الله” إنصب في السنوات الأخيرة على أنشطة المنظمة الشيعية في سوريا، فإنه لم يتخلَّ عن جبهة إسرائيل.
لقد بقي العديد من كبار مقاتليه، وخصوصاً فرق الصواريخ المضادة للدبابات ووحدات الصواريخ، في لبنان بدلاً من الذهاب إلى سوريا. خلال الشهرين الماضيين، قامت وحدات من “حزب الله” يرتدي أفرادها ملابس مدنية بإجراء مسح شامل ومراقبة ولكن بشكل سري للحدود بين لبنان وإسرائيل، حيث أخذوا تدابير واسعة في الأراضي المجاورة، بما في ذلك التدرجات المنحدرة، وتصوير الدفاعات الجديدة الخاصة الإسرائيلية على الجانب الآخر من السور، وفقاً لمصادر في جنوب لبنان. إن المسح، الذي هو في جزء تخطيط تشغيلي وفي جزء نوع من وخز إبر نفسي للقوات الإسرائيلية التي تراقب من الجانب الآخر من السياج، يؤكد أن أنشطة “حزب الله” ضد إسرائيل لم تتباطأ على الرغم من تورّطه في سوريا.
وفي المعلومات أن “حزب الله” أعاد أخيراً هيكلة قوته العسكرية من النخبة وتنظيمها بإشراف مباشر من السيد حسن نصرالله. وقد أعاد تثبيت مقاتليه في القرى الجنوبية ومنهم من شارك في القوة المضادة للدروع في مواجهة الدبابات الإسرائيلية في تموز (يوليو) وآب (أغسطس) 2006، فيما نشر المزيد من المقاتلين المُدرَّبين، محتفظاً بقوته الصاروخية وعتاده المخبأ تحسباً لأي مواجهة، من دون أن يعني ذلك أن الحرب على الأبواب أو أن معركة كبرى ستحتدم في وقت قريب، وإن كانت المشاريع الإقليمية لا تعفي لبنان ولا تحيِّده عن أي مواجهة أو إستخدامه كساحة مواجهة ورسائل، وهو أمر قد يشعل الحرب نتيجة خطأ في الحسابات أو محاولة تحسين مراكز قوى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى