يا ليته إرهاب… إنه تدمير!
بقلم ميرنا زخريّا*
الفكر التدميري يولّد جماعات إرهابية، ما يعني أنه لولا هذا الفكر لما وُلدت تلك الجماعات. وللتوضيح أكثر وأكثر، بالإمكان تصوير الفرق بينهما كالفرق بين الإرهابي القائد والإرهابي التابع، بحيث الأول هو التدميري أما الثاني فهو مجرّد منفّذ تابع. ما يعني أن التشابه الوارد في السلوك يُقابله تمايز في النتائج.
تعريف الإرهاب: هو فعل تعنيف متعمَّد يهدف إلى خلق جوّ من الخوف يرافقهُ تجاهل تام لسلامة المدنيين، ما يؤدي إلى السيطرة على الجمهور. مثال على ذلك عملية الغاز السامّ في العام 1995 في مترو طوكيو وتفجيرات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001 في أميركا. بالمُختصر، الإرهاب هو رُعبٌ يُرهِب ويقتل المُواطن.
تعريف التدمير: هو فعل تخريب شامل متعمَّد للبيئة العامة يهدف إلى نسف تام للقدرة على إحتواء البشر والحجر، ما يؤدي إلى إنقراض التراث المجتمعي والثروات الطبيعية والطوائف الدينية. مثال على ذلك ما يحصل حالياً في غزّةَ فلسطين وموصلَ العراق. بالمُختصر، التدميرهو كارثةٌ شاملةٌ تدمِّر الوطن والمواطن.
وبالتالي، يا ليت ما يحصل في بعض الدول العربية لا يتعدّى كونه إرهاباً ترسمه الديموقراطية العالمية، يا ليته لم يكن تدميراً بإسم الديانات السماوية. يقول الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو “لا نُنشد عالماً لا يُقتل فيه أحد، بل نُنشد عالماً لا يمكن فيه تبرير القتل”، الإرهابي يقتل أما التدميري فيبرِّر القتل.
الإرهابيون هُم قلة قليلة في كل المجتمعات، فالدمار ليس بحاجة لسواعد عدّة. وكما التدمير قد يأخذ أشكالاً مُتعددة، كذلك المدمِّر قد يأخذ صفات مُتنوعة: متعلم أو أمّي، ميسور أو فقير، متزوج أو عازب، موظف أو عاطل، عربي أو أجنبي… لذا، من الصعب التكهّن بمن قد يصبح في يوم من الأيام إرهايباً عادياً أو تدميرياً قيادياً. إن تحليل الشخصية الإرهابية التدميرية هو عملية غاية في التعقيد، ولعل الصفة شبه الوحيدة التي قد تجمع بينهما هي الإحساس بالإحباط، والتي من شأن خصائص الدور الفردي داخل هكذا جماعات أن يُشعره بأهميته؛ وهنا يأتي دور القائد المدمِّر ليضع كل إرهابيٍ في مكانه الملائم، فيختار مثلاً القناص الذي يقتل من الإنتحاري الذي يقتل ويُقتل، فيكون بذلك الأول مصدر ثقة أكثر من الثاني الذي بموته يموت سرَّه معه. إنه عالم الإرهاب ويا له من عالم غني بالتخطيط وبالتركيز وبالتمويل؛ وعلى رأسه يتربَّع أذكى البشر. قد نلتقيهم في أي مكانٍ ولا نعرفهم، قد نصادقهم في أي أوانٍ ولا نشك بهم، قد نحترمهم لأعمالٍ أخرى ولا نميّزهم أو نلومهم. إنه الإرهاب التدميري الذي تُحركه أهم آلة عرفها التاريخ، إنهُ العقل البشري.
لطالما صادف العالم قديماً وحديثاً تحركاتٍ تطرفيةٍ، لكن الملاحظ اليوم أننا نواجه تطرفاً مُسلَّحاً، والتسليح هو ما أرسى حالة الإرهاب، لا بل حالات الدمار بحيث يجد المتتبع للأحداث نفسه أنه أمام مشهدٍ متطابقٍ واحدٍ في مختلف دول الشرق الأوسط (تونس، مصر، المغرب، الأردن، البحرين، ليبيا، اليمن، سوريا، السودان، فلسطين، الجزائر، لبنان…) إنتفاضات للشباب، زعزعة للإستقرار، قتل للمدنيين، تغيير للأنظمة… مهما اختلفت التسمية، أكانت شرق أوسطية أوسع أمْ أكبر أمْ أجدد، فالنتيجة واحدة لناحية تسلل الدمار إلى مختلف القطاعات بدءاً بالطوائف ووُصولاً إلى الإقتصاد. وها هُم مُواطنو ومُواطنات مُعظم الدول يُعانون من آثار الزلزال التدميري الذي رجَّح علناً كفة المشروع الإرهابي- التطرفي (أمثال داعش والنصرة) على حساب الإقتناع الإعتدالي- الديني (أمثال المُسلم والمسيحي).
في المحصلة، ومن خلال رؤيةٍ نقديةٍ خاصةٍ، لا بُد من قراءةٍ عصريةٍ واضحةٍ، لناحية تصنيف الأحداث المتلاحقة التي باتت تتحكم بقواعد اللعبة السياسية الإقليمية والعالمية. أحداثٌ مصبوغة ببصمةٍ محض تدميرية، فرجاءً لا تقللوا من بُعد أثرها وتدعونها بالإرهابية؛ علماً أن النقاط المشتركة عديدة إلا أنهما يبقيان عملان مُتمايزان، بحيث:
1. السلوك المُتشابه هو ما يخلق المُغالطة، فقد تجمعهما عدَّة العمل لكنَّ هدف كلٍ منهما يُحدد أبعادهما الإجراميَّة؛
2. الأثر الناتج عن فعل الإرهاب مُغاير للأثر الناتج عن فعل الدمار، لذا محصول الأول أضعف نسبياً من الثاني؛
3. الفشل غير وارد في قاموس الجماعة التدميريَّة إذ مهما بلغ مستوى الأخطاء، فإن الخراب الحاصل هو نجاح.
من يُلقي القبض على إرهابي كمنْ يُلقي القبض على بائع مخدرات، في حين الرأس المدبِّر يصول ويجول ويقوم بأبشع الأمور؛ كمنْ يقطع الغصن ويترك الجذور. يا ليت العلة تكمن في الغصن، لكنها في الجذر. يا ليتهُ إرهاب، لكنهُ تدمير. ينمو الأفراد الإرهابييون في فكر الفرد التدميري، حيث يكفي جذراً تدميرياً واحداً لتُزهر أغصانٍ إرهابيةٍ عدة وتنمو وتزدهر. الإرهاب هو مجرَّد غصن متفرِّع أما التدمير فهو الجذر الأساس، لذلك سمِّي ب”القاعدة”.
• باحثة في علم الإجتماع السياسي