التصعيد في اليمن: سياسي أم إقتصادي؟
بقلم الدكتور عبد الله ناصر الدين*
دخل الصراع السياسي في اليمن مرحلة جديدة من التصعيد بعناوين إقتصادية وأبعاد على ما يبدو سياسية. أبرز تلك العناوين الإقتصادية يتمثل برفع الدعم عن المشتقات النفطية وتراجع حاد في كافة الخدمات والبنى التحتية. ما هي الخلفيات الإقتصادية للتصعيد الحالي وبالتالي ما هو البعد الإقتصادي للصراع السياسي في اليمن؟ ما هو التقييم الإقتصادي لقرار الدولة بإلغاء دعم المحروقات؟ و ما هو الأفق الإقتصادي لليمن في ظل المؤشرات الإقتصادية؟
تسارعت وتيرة تراجع الوضع الإقتصادي في اليمن في الأشهر الأخيرة خلافاً للآمال الكبيرة التي تشكّلت مع تسلم الرئيس عبد ربه منصور الهادي السلطة منذ سنتين. هذا التراجع تمثّل بنقص حاد في المشتقات النفطية، مع تقنين متزايد للتيار الكهربائي، بالإضافة إلى إرتفاع كلفة المعيشة في بلدٍ يعاني أكثر من 54% من سكانه من الفقر. صحيح أنه لا توجد حلول سحرية للمشاكل المزمنة التي يعاني منها الإقتصاد اليمني سواءً من حيث نسب البطالة التي تزيد عن ال40% و تفوق ال60% بين فئة الشباب، إلّا أن السلطة فشلت في وضع خطة إقتصادية واضحة المعالم والأهداف تسهّل عملية الوفاق الوطني. بل على العكس، يُظهر مؤشر الفساد “Corruption Perception Index” أن مستوى الفساد إزداد في ظل السلطة الحالية وإرتفع بشكلٍ لافت لتحتل اليمن المرتبة 167 من أصل 177 دولة، ويسجّل المؤشر 18/100 في العام 2013 مقابل 23/100 في العام 2012. هذا الفساد المستشري في طريقة المحاصصة وتوزيع الثروات والإلتزامات قد أصاب مصداقية العهد الجديد وجعل السلم الأهلي أكثر هشاشةً. من المعروف أن الإستقرار السياسي والأمني بالإضافة إلى التوافق الداخلي هما من شروط التقدم الإقتصادي. إن فقدان هذا التوافق وضعف الدولة في حماية منشآتها الإقتصادية و النفطية في مناطق إنتاج النفط ونقله ساهما بشكلٍ كبير في تعقيد المشكلة الإقتصادية. إن إستهداف قطاع النفط بالتحديد ليس هدفاً عابراً لما له من تداعيات على مالية الدولة. إن تراجع إنتاج المواد الهيدروكربونية قد ساهم في تناقص متسارع لإحتياطات البنك المركزي لتصل إلى ما دون ال3 مليارات دولار فقط مع نهاية العام الفائت، أي بما يقارب المليار دولار في العام 2013. في الوقت عينه، إن تراجع إنتاج النفط أجبر الدولة على إستيراد المزيد من المشتقات النفطية لتلبية حاجات السوق مما أدّى إلى إزدياد أكبر في مستوى العجز في الموازنة ليصل إلى أكثر من 8% من الناتج المحلي. أمام هذا المشهد الإقتصادي الصعب، أضف إلى ذلك عدم الحصول على مساعدات وهبات من دول الخليج منذ المساعدة السعودية الأخيرة في العام 2012 والتي بلغت 3 مليارات دولار، أمام هذا المشهد، ومع الحاجة الكبيرة إلى السيولة لتجنب الإفلاس، رضخت السلطة في 30 تموز (يوليو) الفائت إلى شروط صندوق النقد الدولي المطالبة برفع كل أشكال الدعم ولا سيما دعم المشتقات النفطية، مقابل الحصول على قرض قيمته 553 مليون دولار، تم الحصول على الجزء الأول منه البالغ 74 مليون دولار في أوائل الشهر الحالي على أن تُستكمل الدفعات الباقية في السنتين المقبلتين.
والسؤال الذي يطرح هنا: هل تستأهل قيمة هذا القرض للدخول في سياسات إقتصادية غير شعبوية تؤدي إلى رفع سعر ليتر البنزين الواحد من 0.58 دولار إلى 0.93 دولار ؟ إن هذا القرار، ورغم صوابيته الإقتصادية يأتي في التوقيت الخاطئ الذي يتزامن مع تراجع شعبية السلطة الحالية. هذا القرار ورغم أوجه التشابه الكثيرة مع مصر، إلا أن الظروف التي ترافقت مع رفع الدعم عن المحروقات في مصر أتت في ظل إرتفاع شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي هناك و سيطرة الجيش على الوضع الأمني، بالإضافة إلى التحضيرات الدعائية التي قام بها السيسي لتحضير الشعب على هكذا قرار. لذلك كان من المتوقع أن يؤدي توقيت هذا القرار في اليمن إلى ردات فعل سلبية تدخل البلاد في إشتباكٍ سياسي جديد.
أما السؤال الآخر الذي يطرح اليوم، هل أن هذه المعطيات الإقتصادية تعتبر مبرراً للتصعيد الأخير من قبل “أنصار الله”؟ هناك شكوك كبيرة حول ذلك، لكن يبدو أن الحوثيين عرفوا كيف يتلقفوا الفرصة لوضع مطالبهم السياسية في إطارٍ إقتصاديٍ شعبويٍ تعبويٍ لإستقطاب شعبية أكبر وفرض إرادتهم السياسية على السلطة الحالية. بالتوازي، يبدو أن السلطة أدركت حجم الخطأ الذي إرتكبته عندما أوقعت نفسها في فخ الإحتجاجات المعيشية لتعود و تتراجع وترضخ لتلك الضغوط وتعيد خفض أسعار المحروقات ولو بصورةٍ جزئية آملةً أن تمتص غضب الشارع. إن تعنت موقف الحوثيين رغم الليونة التي أظهرتها السلطة مع حلّ الحكومة، يشير ربما إلى أن للتصعيد الحالي بعداً سياسياً أكثر منه إقتصادياً وتبدو الحقبة السياسية المقبلة في اليمن مفتوحة على كل الإحتمالات، وبناءً عليه سيكون إقتصادها مهدداً بالإفلاس إن لم يتوفر له دعم خارجي.
• خبير إقتصادي، وأستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية