هل تكون الهجرة إلى “لاتفيا” حلاًّ للعرب الحائرين؟
كثيرون لم يسمعوا ب“لاتفيا“، تلك الدولة الصغيرة التي تتمتع بسهول خضراء وتنام على شواطىء بحر البلطيق، حيث تبلغ مساحتها خمسة أضعاف مساحة لبنان وسكانها أقل من نصف سكانه.
قضت “لاتفيا” خمسين عاماً ضمن الإتحاد السوفياتي. والآن، ومنذ عشر سنين، صارت إحدى دول الإتحاد الأوروبي.
في الشهر الفائت، حطت بنا الطائرة في مطار العاصمة “ريغا” (Riga)، التي يعبر في وسطها نهر كبير، وتصل بين شقيها جسور قديمة، وأخرى حديثة معلّقة، تذكرني بباريس نهر السين، والقاهرة وكوبري 6 أكتوبر وإخوته الستة.
مدينة هادئة تحسبها فارغة. وهي العاصمة الوحيدة ربما، التي لا تجد فيها زحمة سير، حيث عشرات الكنائس صمدت خلال العصر الشيوعي، وهي إستكانت ، نامت ثم إستيقظت.
أخبرني صديقي القائم بالأعمال الفرنسي والذي يعرف لبنان جيداً وخصوصاً جنوبه شبراً شبراً، بأن في العاصمة “ريغا” عشرين طبيباً لبنانياً، منهم من تعلّم في “موسكو” ودول الإتحاد السوفياتي السابقة، ومنهم من درس في تلك العاصمة وإستقرّ فيها.
إنفصلت “لاتفيا“، كشقيقتيها وجارتيها “أستونيا” و“ليتوانيا“، عند تفكك الدولة السوفياتية العظمى في 1991. وإستقلت ودخلت الإتحاد الأوروبي في 2004 .وهي دولة زراعية بإمتياز وصناعية بحدود أي صناعات خفيفة حرفية متقنة.
لم تجد هذه الدولة الصغيرة الراقية وشعبها الهادئ المهذّب، مشكلة في إستقبال المقتدرين الأجانب من أي جنسية أو عرق، لمنحهم إقامة طويلة، وربما جنسية لاحقاً مقابل الإستثمار العقاري، هو الأدنى في أوروبا حتى هذه الساعة. إذ يكفي شراء عقار بمبلغ 150 ألف يورو للحصول على إقامة خمس سنوات تجدد لعشرٍ إضافية، وتتيح لحاملها السفر والعمل في كافة دول الإتحاد الأوروبي. علماً بأن هذا المبلغ سيرتفع إلى 250 ألف يورو في أيلول (سبتمبر) المقبل.
لقد رأينا في ذلك فرصة نادرة لآلاف العرب الحائرين، الذين يتسكّعون على أبواب السفارات، من دون الحصول على تأشيرة دخول إلى أية دولة من دول القارة العجوز.
السفر متعة وفائدة كما يقول الحكماء. وقد عدنا بكلاهما … أقول عدنا، لأن زوجتى ندى رافقتني في هذه الرحلة، وأحبّت كثيراً ذلك البلد. والفائدة أنني عدت بها تمثّلت بتوقيع عقدٍ بين مؤسستنا “مركز الشرق الاوسط للدراسات والعلاقات العامة” وبين أحد أكبر مكاتب المحاماة هناك، للتعاون بمشروع الإقامات للراغبين العرب. ومشروع الإقامة لا يعني الهجرة بالضرورة. إذ أن صاحب الشأن يستطيع العودة إلى بلده بعد تأجير العقار، ويسافر ساعة يشاء وحيث يشاء.
المناخ في “لاتفيا” كان رائعاً في شهر حزيران (يونيو) الفائت، وأخفّ حرارة من سائر أوروبا الوسطى والجنوبية، والمناخ يؤثّر في المزاج، لذا كان مزاجنا رائعاً. والعودة كما الذهاب كانت من طريق “إسطنبول” حيث للخطوط الجوية التركية، رحلات يومية إلى “ريغا“.
في إسطنبول التي لها في قلبنا مودة خاصة، والمدينة التي بها مئات المآذن وتنتصب عشرات الكنائس والتي غيرت اسمها مراراً عبر التاريخ من القسطنطينية إلى الإستانة.. وأخيراً إلى ما هي عليه، كان في إنتظارنا الصديق جلال بك، الذي تعرفت منذ سنوات على والده الراحل مصطفى كمال بك، برفقة الصديق الغالي هشام الصلح. وورث جلال بك عن والده نفوذاُ كبيراً وعلاقات واسعة. حيث كانت حفاوته مع عائلته مميزة. وقد لفتني أن ثلاث رحلات جوية تربط إسطنبول يومياً ببروت ولا أماكن شاغرة في الطائرة إلا بعد جهد جهيد.
ورغم ارتفاع الأسعار بشكل كبير تستقبل هذه المدينة سنوياً ملايين السياح، والأسعار تقارب ضعف الأسعار في بلدنا من الفندق إلى التاكسي، مروراً بالفاكهة التي كانت تركيا تصدر أفضل أنواعها وتستورد من سوريا آلاف الأطنان يومياً. سعرها بالكيلوغرام يقارب العشرة دولارات لدى أي بقال في ساحة “تقسيم” ومع قليل من السياسة رأينا، كما يرى الكثيرون، بأن تركيا تضرّرت كثيراً من موقفها المتسرّع تجاه سوريا. فأقفلت بوابة كبرى تصلها بالشرق على أمل دخول الإتحاد الأوروبي عبر البوابة الغربية فوجدتها محكمة الأقفال، لأن أوروبا الموحدة والتي تهدد وحدتها أوضاع إقتصادية، لن تسمح لثمانين مليون مسلم، وتحت أي ظرف بأن يصبحوا من مواطنيها. وهي تغصّ حالياً ببضعة ملايين في البوسنة وآخرين من المهاجرين العرب في فرنسا وألمانيا، حيث لم تستطع معدتها أن تهضمهم حتى الأن. وقد أخبرني صديقي التركي أنهم بدأوا يعانون ولأول مرة، من الحصول على تأشيرة أوروبية.
فهل يكون الحل لأي مسلم مهما كانت هويته ولأي عربي مهما كانت طائفته الإتجاه إلى “لاتفيا“؟ وإذا كان أكثر ثراءً إلى دول أوروبية أخرى تقدم الإقامة بمنسوب أعلى كجزر “Kitts and Nevis”، التي تقدم جوازاً بريطانياً لكل من يستثمر نصف مليون دولار ونصف؟ وإلاّ فالحلّ هو بإمتطاء المخاطر، وقوارب الموت كما يحصل يومياً بين المغرب وإسبانيا، وبين تونس وإيطاليا. أو كما حصل لعشرات المواطنين اللبنانين الذين إلتهمتهم أمواج بحر أندونيسيا في العام الماضي بوجبة واحدة.
* عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات والعلاقات العامة
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.