روسيا في سوريا: عَودَةٌ في ظلالِ واشنطن

محمّد قوّاص*

تتدافعُ أنباءٌ مُتزايدة عن استعداداتٍ روسية لإعادة نشر قوات مراقبة في جنوب سوريا، على الحدود مع إسرائيل. يُظهِرُ هذا التطوُّر بعضًا من ثمارِ تفاهمات القمة التي جمعت الرئيس السوري أحمد الشرع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو يوم 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2025، لكنَّ الأمرَ يأتي وَسطَ انتعاشِ اتصالاتٍ مُكَثَّفة بين موسكو وتل أبيب وواشنطن. فما هي دوافع هذه الخطوة، وكيف تتوازَن مصالح الأطراف المَعنية؟

تُشيرُ تقارير إعلامية إسرائيلية، صدرت في 24 من الشهر الجاري، إلى أنَّ موسكو تستعدُّ لطرح ملف إعادة انتشار قواتها في جنوب سوريا خلال محادثاتٍ مُرتَقبة مع إسرائيل. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد أجريا اتصالًا هاتفيًا في 15 من الشهر الجاري، “ناقشا خلاله قضايا الشرق الأوسط”، وفق البيانات الرسمية، ما يُعتَقَد أنه مَهَّدَ لهندسة هذا الانتشار.

ووفق مصادر سورية، فقد تقدّمت روسيا بمقترحٍ لدمشق يقضي بعودة دورياتها إلى المنطقة الحدودية كقوة فصل بين القوات السورية والإسرائيلية، مع نقل معدّات عسكرية جديدة للجيش السوري تعويضًا عن الدمار الذي لحق بالترسانة السورية جراء الهجمات الإسرائيلية بعد سقوط النظام السابق.

تستندُ موسكو إلى تجربةٍ سابقة ناجحة خلال الصراع السوري، حين نشرت قواتها في ثماني نقاطٍ عسكرية بمنطقة فض الاشتباك في الجولان المُحتَل ومحافظة القنيطرة، من دون اعتراضٍ إسرائيلي. كان الهدفُ حينها إبعاد المليشيات الإيرانية عن الحدود، وتبريد الجبهة. ويبدو الدورُ مُشابهًا هذه الأيام لكن في سياقٍ مختلف: حكومة سورية جديدة تسعى إلى استقرار، وروسيا تبحث عن إعادة ترسيخ نفوذها بعد ضموره مع زوال نظام الأسد.

في الميدان، وفي 17 من الشهر الجاري، أجرى وفدٌ عسكري روسي-سوري جولةً في جنوب سوريا للاطلاع على الواقع الأمني، وفق وكالة “سانا”. بعد 3 أيام اجتمع وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة في دمشق مع نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف، لبحث تعزيز التعاون العسكري وآليات التنسيق. ولإزالة الحرج، تؤكد مصادر سورية أنَّ أيَّ انتشارٍ سيكون رمزيًا، محدودًا بعشراتٍ من أفراد الشرطة العسكرية كمراقبين فقط، بهدف ضبط الحدود ومنع الاحتكاكات.

من جهة إسرائيل، يبدو الترحيب ضمنيًا. فتل أبيب تُفضّلُ عودة روسيا لدورٍ مُتقدِّم في سوريا، لموازنة النفوذ التركي المُتزايد ووضع حدود له. كما إنَّ المسعى الروسي يلتقي مع رغبةٍ أميركية في ترتيبِ اتفاقٍ ما بين سوريا وإسرائيل قد يرقى يومًا إلى مستوى سياسي عام.

ترى روسيا في هذه الخطوة فُرصةً لتحسين علاقاتها مع دمشق الجديدة، وحماية قاعدتَي حميميم وطرطوس، واستعادة دورٍ جيوستراتيجي كوسيطٍ بين سوريا وإسرائيل، ولعب دور الوساطة بين دمشق ومُكوِّنات داخلية في الساحل والسويداء وشمال شرق الفرات. والواضح أنَّ روسيا تتحرّى دورًا مُتَجَنِّبة إثارة ريبة الغرب، ساعيةً ليكون دورها حاجةً أمنية سورية. والحال فإنَّ كلَّ ذلك يتمُّ تحت سقفٍ أميركي. ويُعتَقَدُ أنَّ الانتشارَ الروسي والتسليح الروسي لدمشق يجريان بتنسيقٍ كاملٍ مع واشنطن، التي قد ترى في روسيا أداةً لتهدئة الحدود خدمةً لتفاهماتها مع إسرائيل، تمامًا كما استخدمتها إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما سابقًا لسحب الأسلحة الكيماوية السورية في العام 2013.

وبالنسبة إلى دمشق، يساعد وجود مراقبين روس على سحب ذرائع إسرائيل للاعتداءات، ويُعزّزُ مطلب العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974.

تَعكِسُ عودةُ المراقبين الروس إلى جنوب سوريا توازُنًا دقيقًا بين مصالح موسكو في استعادة النفوذ والدور في سوريا، ومصالح إسرائيل التي ترى في روسيا ندًّا مُقَيِّدًا لطموحات تركيا هناك، ومصالح واشنطن في رعاية استقرارٍ تدعمه وتعمل على رعايته، ومصالح دمشق في تعزيز سيادتها من جديد على حدود البلاد ومناطق الجنوب.

ولن تكونَ هذه الخطوة استعادةً للنفوذ الروسي بشكله السابق، بل أداة تنفيذية في خدمة مرحلة انتقالية جديدة، قد تُشكّلُ نموذجًا للتعاون الإقليمي المُعقّد في الشرق الأوسط ما بعد الأسد.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) تَوازِيًا مع صُدورِه في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى