كابوس إعادة إعمار لبنان يَقُضُّ مَضجَعَ “حزب الله”
مايكل يونغ*
كثُرَ الحديثُ أخيرًا عن إعادةِ إعمارِ أراضٍ عربية وبُلدانٍ دمّرتها الصراعات، وخصوصًاً غزّة وسوريا ولبنان. إلّا أنَّ المبالغ المطلوبة ضخمة للغاية، ما يستدعي التفكير بجدّية في احتمال عدم تحقيق إعادة الإعمار. وستكون لهذه النتيجة تداعياتٌ سياسية لا تُحصى.
سيكونُ الوضعُ في لبنان مُثيرًا للاهتمام بشكلٍ خاص، نظرًا لأنَّ التطوّرات فيه تعكسُ خطوطَ الصدع في الشرق الأوسط الأوسع. وينطبق هذا الأمر بخاصة على التنافُسِ بين العديد من الدول العربية وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، مما يجعل إعادة الإعمار مرتبطة باعتبارات القوة الإقليمية.
في مقالٍ نُشِر أخيرًا في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية (ونشرته “أسواق العرب”)، كتبت مها يحيى، مديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، أنَّ “البنك الدولي ومنظّمات الأمم المتحدة قدّرت أنَّ إعادة إعمار الشرق الأوسط وتوفير مساعدات إنسانية كافية سيُكلِّفان ما بين 350 و650 مليار دولار. وقدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنَّ إعادة إعمار غزّة وحدها تتطلّب ما لا يقل عن 40 إلى 50 مليار دولار”.
السؤال الواضح هو: مَن سيكونُ على استعدادٍ لدفع هذه المبالغ الفلكية؟ في لبنان، على وجه التحديد، قدّرَ البنك الدولي الخسائر الناجمة عن الصراع مع إسرائيل بنحو 11 مليار دولار على المديين القصير والمتوسّط. ولا يزال الكثيرون في البلاد يعتقدون أنَّ دولَ الخليج ستتكفّل بتغطية جُزءٍ على الأقل من هذه التكاليف. مع ذلك، قد يكون هذا مجرّدَ تفكيرٍ تفاؤلي، لثلاثة أسباب رئيسة:
أوّلًا، لن تُقدَّمَ أو تُمنَحَ أيُّ أموالٍ حتى يُجري اللبنانيون إصلاحاتٍ اقتصادية ومالية. لقد ولّت أيام الشيكات المفتوحة منذ زمنٍ طويل.
ثانيًا، لدى العديد من دول الخليج أولويات محلّية، بينما تتنافسُ كياناتٌ أخرى إقليميًا -وعلى رأسها سوريا وغزة- مع لبنان على المساعدة.
وثالثًا، ما هو الدافع الذي تملكه هذه الدول للمساعدة على إعادة إعمار المناطق اللبنانية التي يُسيطرُ عليها خصومها السياسيون؟ قليلٌ جدًا.
في الأسبوع الفائت، زار الرئيس اللبناني جوزيف عون المملكة العربية السعودية، وكان من اللافت أنه عاد من دون أيِّ التزاماتٍ مالية سعودية لمساعدة لبنان. بدلًا من ذلك، أكّد البيان الختامي على ضرورةِ قيام لبنان بتنفيذِ الإصلاحات، واتفق الجانبان على دراسة “العقبات” أمامَ استئناف الصادرات اللبنانية إلى المملكة وعودة المسافرين السعوديين إلى لبنان.
لم تَكُن النيّة السعودية إذلال الرئيس عون، الذي دعمت المملكة انتخابه، والذي تربطها به، على ما يبدو، علاقات جيدة. بل، كما وصفها مصدر سعودي، سعت الزيارة إلى “كسر الجمود” مع لبنان، وأيضًا إلى إظهار “عدم وجود عجلة للعودة إلى البلاد”. بعد أكثر من عقد من التوترات مع دول الخليج، سيحتاج لبنان إلى مزيدٍ من الوقت لاستعادة ثقة المُمَوِّلين المحتمَلين.
ثم هناك الجانب السياسي. في وقتٍ سابقٍ من الشهر الجاري، أشار المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، إلى تشديد موقف إيران من المفاوضات مع الولايات المتحدة، عندما أعلن أن مثل هذه المحادثات “لن تكون ذكية أو حكيمة أو شريفة”. وأكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان هذا التوَجُّه السياسي عندما قال: “كنتُ أعتقدُ شخصيًا أنه من الأفضل التفاوض [مع الولايات المتحدة]، لكن المرشد الأعلى قال إننا لن نتحدَّثَ مع الولايات المتحدة. لذلك قلتُ إننا لن نتفاوضَ مع الولايات المتحدة”.
في ضوء ذلك، يُمكنُ التوقُّع بأن تسعى إيران إلى إحياء شبكة حلفائها الإقليميين، وعلى رأسهم “حزب الله”، الذي ضعف بشدة في الحرب الأخيرة مع إسرائيل. ويُصعِّبُ هذا السياق توقُّعَ أن يُسارِعَ أشدُّ معارضي حلفاء إيران في المنطقة إلى إعادة إعمار المناطق اللبنانية الموالية ل”حزب الله”، بحيث تُعيدُ هذه المساعدة مصداقية الحزب.
على العكس من ذلك، طالما بقيت المناطق الخاضعة لسيطرة “حزب الله” على حالها مُدَمَّرة، فقد تشهد الجماعة تراجُعًا في شعبيتها. وقد توقع أمينها العام، الشيخ نعيم قاسم، ذلك، مُعلنًا أخيرًا: “الدولة يجب أن تقودَ جهود إعادة الإعمار، فما دمّرته إسرائيل دمّرته في الدولة اللبنانية”. بمعنى آخر، يبدو “حزب الله” مُستَعِدًّا لصرفِ غضب الطائفة الشيعية عنه وتوجيهه نحو الحكومة في حال عدم وصول تمويل لإعادة الإعمار.
قد يُجدي هذا التكتيك المُريب نفعًا إلى حدٍّ ما، لكن لا شيء يُمكن أن يُغيّرَ حقيقةَ أنَّ “حزب الله” سيجدُ صعوبةً شبه مُستحيلة في استئناف استراتيجيته العسكرية ضد إسرائيل بدعمٍ طائفي إذا لم تكن هناك أموالٌ لإعادة الإعمار. وقد يُؤدي هذا أيضًا إلى ردِّ فعلٍ سياسيٍّ داخليٍّ عنيفٍ واضحٍ في الانتخابات النيابية التي من المُتوقَّع أن تجري في العام المُقبل، وحتى في الانتخابات البلدية التي أُجّلت إلى العام المُقبل أيضًا. بالنسبة إلى “حزب الله” و”حركة أمل” المُتحالفة معه، فإنّ فقدان سيطرتهما الانتخابية على الطائفة الشيعية سيُمثّل ضربةً قويةً.
لهذا السبب تحديدًا، يَحرُصُ “حزب الله” ويعمل على تأمين مساعدات إعادة الإعمار قبل الانتخابات. ولهذا السبب أيضًا قد لا ترى الدول الأكثر ترجيحًا لمساعدة لبنان مُبَرِّرًا كافيًا للتدخُّل وتقديم المساعدات.
الواقع أنَّ”حزب الله” يجدُ نفسه في وَضعٍ حَرِجٍ جدًا. لذا، إذا لم يُعِد بناءَ واختراعَ نفسه كحزبٍ مدني من دون سلاح، فإنه سيبقى تحت رحمة أولئك الذين انتقدهم سابقًا بتهوّر.
- مايكل يونغ هو مُحرّرٌ كبير في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيثُ يرأس تحرير مدوّنة “ديوان” التابعة للمركز. وهو كاتب رأي في الشؤون اللبنانية في صحيفة ذا ناشيونال، ومؤلف كتاب “أشباح ساحة الشهداء: رواية شاهد عيان عن كفاح لبنان في الحياة” (دار سايمون وشوستر، 2010)، الذي اختارته صحيفة وول ستريت جورنال كواحد من الكتب العشرة البارزة لعام 2010. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @BeirutCalling
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.