عبّاس في قمّة العرب: البحث عن دحلان!

محمّد قوّاص*

فاجأ الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، القمّة العربية في القاهرة، الثلاثاء الفائت، بإعلانه قرارَين يتعلّقان بالبيت الفلسطيني. الأوّل، “إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة “فتح”، واتِّخاذ الإجراءات التنظيمية الواجبة لذلك”. الثاني، “استحداث منصب وتعيين نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين واتِّخاذ الإجراءات القانونية من أجل ذلك”. أما تبريرُ القرارَين فهو في إطارِ العمل على “إعادةِ هيكلةِ الأُطُرِ القيادية للدولة، وضَخِّ دماءٍ جديدة في المنظمة وحركة “فتح” وأجهزة الدولة، وعَقدِ المجلس المركزي الفلسطيني خلال الفترة القريبة المقبلة”.
بدا أنَّ الإعلانَ عن ترتيباتٍ داخل البيت الفلسطيني أمام المجموعة العربية يهدفُ إلى إطلاقِ إشاراتٍ باتجاهِ العواصم المعنيّة تردّ ضغوطها التي لم تتوقف خلال السنوات الأخيرة، لا سيما منذ انفجار “طوفان الأقصى”، لرأب الصدع الداخلي الفلسطيني. ولسان حال العواصم ما برحَ يقول إنه إذا ما تعذّرَ الصلحُ بين “فتح” و”حماس”، فما الذي ينتظره لإنجازه داخل “فتح” نفسها. لكن الحدث بدا مُفاجِئًا للمقرَّبين من عباس أكثر من خصومه.
في القاهرة، على هامش القمّة، سُئلَ أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حسين الشيخ: هل سيكون لمحمد دحلان دورٌ في مستقبل الحكم في الضفة وغزة؟ فأجاب إنَّ “الحديثَ عن وحدة “فتح” الداخلية هو مدارَ نقاشٍ داخلي في الحركة. الأخ أبو مازن من أكثر المُشجِّعين والمؤيّدين لإعادة وحدة الحركة بصفتها العمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهناكَ جهدٌ كبيرٌ بهذا الاتجاه وفقًا للأصول التنظيمية”. ولم يبدُ من كلامه أنه على علمٍ بما سيُعلنه أبو مازن.
قصّةُ المَفصولين من حركة “فتح” مُتشَعِّبة وقديمة. لكن بمجرّدِ حديثِ عبّاس عن عفوٍ عن المفصولين، فإنَّ عينَ المُراقِبِ تَفهَمُ حصريًا أنَّ القَصدَ، كلّ القصد، هو المصالحة مع محمد دحلان. أُخرِجَ الرجلُ من الحركة ومن منصبه، كعضوٍ في لجنتها المركزية، بدوافع سياسية مُرتبطة بمزاج الرئيس من دونِ أن يتمكّنَ هذا المزاج من فَرضِ مسوغاتٍ قانونية ضد اتهامات ظلّت مزعومة. وبدا أنَّ أمرَ المصالحة أيضًا لا يحتاجُ إلّا إلى قرارٍ سياسي يصدرُ عن مزاجٍ مُستجِدّ.
يستغربُ بعضُ المراقبين الإعلان عن الأمر في محفلِ العرب الكبير بدل إعلانه وترتيبه وإنجازه داخل البيت الفتحاوي الكبير. يتحدّثُ فتحاويون عن أنَّ جهودًا بُذِلَت في الأشهر الأخيرة، وكان صدرَ قرارٌ عن المجلس الثوري تشكّلت بموجبه لجنةٌ لتوحيد الحركة. تتحدّثُ معلومات القاهرة حديثًا عن اجتماعٍ عُقِدَ بين ياسر عباس، نجل الرئيس الفلسطيني، مع القيادي الفلسطيني، سمير مشهراوي، المقرّب من دحلان في ما بدا أنه سعيٌ لتلطيف الأجواء. قيل إنَّ مشهرواي رفضَ العودة إلى “فتح” بشروطٍ قديمة، من دون أن يخرجَ اللقاءُ بخلاصةٍ نهائية.
إعلانُ العفو قد يعني استمرارَ اتهام المفصولين بجُرمٍ لم يرتكبوه. وإعلانُ العفو لا يحملُ في ثناياه اعتذارًا أو مراجعة عن قرارِ الفصل بما يتطلّب إعادة الاعتبار كاملًا لمَن تَواكَبَ قرار فصلهم بحملاتِ تشويهٍ نالت بشكلٍ مُوجِعٍ من سمعتهم. وإذا ما كانت كارثة غزّة تفرضُ تجاوزًا لأوجاع الانقسام، فإنَّ مفهومَ المصالحة يفرضُ قواعدَ واضحة شفّافة مباشرة لترتيب البيت الفتحاوي لحاجة فلسطين إلى ذلك، وليس فقط استجابةً لتمنيات من خارج هذا البيت.
والبحثُ عن دحلان بدا أكثر إلحاحًا منذ اندلاع حرب غزّة. تقاطعت وسائلُ إعلامٍ دولية وعربية على طَرقِ بابِ الرجل والاطّلاعِ على رؤاه لـ”اليوم التالي” لتلك الحرب. هو ابنُ قطاع غزّة ويعرفُ حاراتها، بالمعنى السياسي للكلمة، ويمتلكُ شعبيةً في صفوف “فتح” ويتمتّع بعلاقات ثقّة مع حركتَي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”. قالت المعلومات إنه التقى قبل أيام في منزل مشهراوي في القاهرة بوفدٍ من “حماس” بقيادة خليل الحيّة، وإنه تحدث معهم بصراحة عن ضرورةِ تمريرِ لجنة إدارة غزة والاستعداد للتحوُّل إلى حزبٍ سياسي. وللحدث أهمّية في وقتٍ تتقاطع فيه الخطة المصرية، التي باتت عربية، بشأن غزّة مع مزاجٍ دولي حول إشكالية وجود “حماس” في ترتيباتِ أيِّ حلّ.
سبقَ لدحلان أن أعلنَ عدم رغبته في تَقلُّدِ أيِّ منصبٍ سياسي واستعداده الدائم لـ”المساعدة”. تدخّلَ للدفع بالمساعدات إلى القطاع وعمل على تسهيلِ أيِّ توافقات قد تؤدّي إلى نهايةٍ للمأساة هناك. يؤكّدُ المقرَّبون منه هذا الزهد. لكنَّ الزهدَ أيضًا هو فعلُ سياسةٍ بانتظارِ نضوجِ عوامل تجعل منه رجل المرحلة. في الهمس أنَّ في رام الله مَن لا يرتاحُ إلى تولّي إدارة غزة مجموعة تكنوقراط تُعلِّقُ نظريًا وصايةَ السلطة وقيادتها على القطاع، ما يعني أنَّ العبورَ إلى القطاع يحتاج دحلان. وفي الهمس أيضًا أنَّ المصالحة مع دحلان باتت حاجة تتجاوز أجندة “المقاطعة” في رام الله، وتندرج داخل حسابات فلسطين بضفّتها وقطاعها.

  • محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @mohamadkawas
  • يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) تَوازِيًا مع صُدورِه في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى