العربُ بَينَ السَيِّئِ والأسوَإِ
عرفان نظام الدين*
عجيبٌ أمرُ العرب، فهم يقعونَ في الخطَإِ نفسه ويدفعون ثمنه من كرامتهم وحقوقهم وأراضيهم ومصالحهم. ومع مرور الأيام، يتناسون ما جرى ويُسامِحونَ مَن ضَحكَ عليهم ويفتحونَ صفحةً جديدةً بيضاء بعد أن يمسحوا كل “إضبارات” الإدّعاء وبعد أن يقطعوا أصابع الإتِّهام.
اليوم، ونحنُ نُتابعُ بقرفٍ بالغ مُجريات الانتخابات الرئاسية الأميركية، نشهدُ جدلًا حولَ مَن هو الأفضل لنا، مع شَرحٍ تبريري للخيار بعدما ذبحتنا جرائم المرشّحين وعداء الحزبَين الديموقراطي والجمهوري على حدٍّ سواء عبر التاريخ القديم والحديث. إذ لا يجتمعُ عربيّان إلّا وثالثهما شيطان السؤال المُعيب: أنت مع دونالد ترامب أم كامالا هاريس؟ ويتحوّلُ الأمرُ إلى صراخٍ ومُشادّات، وكأنَّ المُرَشَّحَين من سلالة القديسين والأولياء الصالحين الذين أفنوا حياتهم في خدمة العرب ونصرة قضيّتهم الفلسطينية ومحاربة الصهيونية واستنكار الاحتلال المُتمادي.
وأكثر ما استفزّني هو جّرُّ العرب إلى مؤتمرات صحافية إلى جانب ترامب يُعلنون مُبايعته وليًّا لأمرنا، أو تأييد كامالا وكأنّها نصيرةٌ للحرّيات والحق العربي. وكم كانَ مُعيبًا مشهد مجموعة قالوا إنهم يُمثلون المسلمين العرب الأميركيين ليُعلنوا مبايعتهم ترامب وتقديم الولاء والطاعة لمَن باعَ القدس العربية والجولان والضفة الغربية للمُغتَصِب الصهيوني، مُناصرًا حرب إبادة أهلنا في غزة وجنوب لبنان، بل أعلن وهو يحمل خريطة أنَّ إسرائيل صغيرة يجب أن تتوسّع.
أمّا مَن زعموا بأنهم يُمثّلون المسيحيين العرب، فحضروا لتأكيد الولاء لترامب الذي أيّدَ جرائم إسرائيل مثله مثل منافسته السمراء.
باختصارٍ شديد، لا يحتاجُ أحدٌ إلى الإثبات بأنَّ العربَ والمسلمين سيخرجون خاسرين في الحالتَين، وسلّتهم بلا عنب، أي أنَّ عليهم الاختيار بين السيِّئِ والأسوَإِ، وكما حنّا كما حنَين وشهاب الدين… من أخيه. ولا عزاء للعرب والمسلمين، والرحمة لشهداء غزة ولبنان.
- عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي عربي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية والمشرف على المحطة الفضائية السعودية “أم بي سي”.