الخيارُ الأقل سوءًا للبنان

تُشَكِّلُ الجهودُ الديبلوماسية الأميركية أهميةً بالغة لوقف العنف المتصاعد في لبنان والحدّ من خطر الصراع المسلح بين الولايات المتحدة وإيران.

آموس هوكستين مع الرئيس نبيه بري: الإثنان ينتظران الرد الإسرائيلي على خطة الأول.

ستيفن سايمون وجيفري فيلتمان*

الشرقُ الأوسط هو المكانُ الذي تموتُ فيه المبادرات الذكية في مجال السياسة الخارجية. كانت هذه هي الحال، على الأقل، منذ مؤتمر القاهرة في العام 1921، حيث وَضعَ وزير الحرب البريطاني ونستون تشرشل –الذي كان لا بُدَّ من تذكيره مرارًا وتكرارًا بمَن هو شيعي ومَن هو سنّي، وما هو الفرق بينهما– خطةً في غضون عشرة أيام لضمانِ المصالح البريطانية في المنطقة على المدى الطويل. ومن بين أمور أخرى، أنشأ دولةَ العراق، لتقليلِ تكاليف احتلال المنطقة مع حمايةِ الوصول البريطاني إلى الهند؛ وتبنّى الحكم البريطاني الانتدابي على فلسطين، لتأمين الجناح الأيمن لمصر وقناة السويس؛ وخَنَقَ استقلال سوريا ولبنان بتسليم البلدين إلى الفرنسيين، في مقابل قبول فرنسا بسيطرة بريطانيا على العراق وفلسطين. لكن بدلًا من توفير المال والحفاظ على النفوذ البريطاني، أشعلت هذه التحرُّكات في نهاية المطاف الصراعَ في مختلف أنحاء المنطقة وأدّت إلى نهاية وزوال السلطة البريطانية في الشرق الأوسط.

الحقيقة هي أنه باستثناء اتفاقيات كامب ديفيد في العام 1978 بين إسرائيل ومصر ومعاهدة السلام في العام 1994 بين إسرائيل والأردن، والتي عملت الولايات المتحدة من خلالها على تعزيز السلام الدائم بين البلدان الثلاثة، فليس من السهل تحديد أو إيجاد مبادرة سياسية غربية ناجحة في الشرق الأوسط. إن قائمةَ الإخفاقات طويلة بالفعل.

على الرُغم من هذا السجل الكئيب، فإنَّ هناكَ أزماتٍ لا تزالُ تتطلّبُ استجابةً سياسية من جانب الولايات المتحدة. والصراعُ المُتصاعِد في لبنان، الذي يضع ميليشيا “حزب الله” الشيعية المدعومة من إيران في مواجهة إسرائيل، هو أحد هذه الأزمات. وكما هي الحال عادةً، فإنَّ الولايات المتحدة، نظرًا لضرورتها التي تصوَّرتها لنفسها، فضلًا عن نفوذها لدى الأطراف المتحاربة الرئيسة، والناخبين الأميركيين الراغبين، والقدرات العسكرية الهائلة، هي الجهة الفاعلة الوحيدة القادرة على صياغةِ استجابةٍ من شأنها أن تمنع المزيد من التصعيد والمعاناة في لبنان.

كانت هناك معاناةٌ مأسوية كبيرة. فقد أودت الحرب الأهلية بين العامين 1976 و1989 بحياة ما يقرب من مئة ألف لبناني، وأدّت إلى تعزيز هيمنة “حزب الله” داخل الدولة، وبالتالي ضمنت بقاء لبنان متورِّطًا في الصراع العربي-الإسرائيلي الأوسع نطاقًا. في العام 2000، وبعد 18 عامًا من الوجود المضطرب في جنوب لبنان، سحبت إسرائيل قواتها إلى الخط الأزرق، وهو خطٌّ حدودي مؤقت رسمته الأمم المتحدة لفصل لبنان عن إسرائيل ومرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. وفي العام 2006، أنهى قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 حربًا قصيرة بين إسرائيل و”حزب الله”، ودعا إلى انسحاب مقاتلي “حزب الله” إلى الجانب الشمالي من نهر الليطاني، الذي يمتد من الشرق إلى الغرب على بُعدِ حوالي 15 ميلًا إلى الشمال من الخط الأزرق. وكان من المفترض أن تملأ قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، وهي جُزءٌ من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة والتي كانت في لبنان منذ العام 1978، المنطقة الواقعة بينهما، إلى جانب 20 ألف جندي من القوات المسلحة اللبنانية. لكن بسبب عجز الجيش اللبناني، وانعدام ثقة إسرائيل في ال”يونيفيل”، وغياب بند الإنفاذ، ونفوذ “حزب الله” على عملية صنع القرار في بيروت، لم يتم تنفيذ القرار 1701 بالكامل وكما يجب.

في الآونة الأخيرة، حاولت الحكومة الفرنسية التوسُّطَ في وقف إطلاق النار. لكن الرئيس إيمانويل ماكرون بدا وكأنه يميلُ نحو “حزب الله” من خلال اتهام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ”زرع الهمجية”، الأمر الذي قَوَّضَ على الفور نفوذ ماكرون المحدود أصلًا على أحد جانبي الخط الأزرق. في الوقت نفسه، لم يبذل شركاء الأمن الإقليميون للولايات المتحدة، وخصوصًا المملكة العربية السعودية، أيَّ جهدٍ للتدخُّل في الأزمة الحالية في لبنان. ومرةً ​​أخرى، وقع على عاتق واشنطن وضع خطة.

هناكَ جوانب سلبية لتدخُّل واشنطن. فقد يجرُّ الولايات المتحدة إلى صراعٍ مباشر مع “حزب الله” أو رعاته الإيرانيين، وهو ثمنٌ باهظ للمكاسب المُحتملة التي من غير المرجح أن تخدمَ المصالح الاستراتيجية الأميركية الأوسع، والتي تشمل معظمها أماكن بعيدة من الشرق الأوسط. مع ذلك، فإنَّ عدم التدخّل ليس خيارًا واقعيًا، ويرجع ذلك جُزئيًا إلى أنَّ التوصُّلَ إلى وقف إطلاقِ النار بين إسرائيل و”حزب الله” بمفردهما أمرٌ غير مُحتَمَل، وهو قصورٌ من شأنه أن يزيد من خطر المزيد من التصعيد. وعلى هذا فإن الولايات المتحدة تحاول اليوم تأمين، على أقل تقدير، وقف إطلاق النار بين “حزب الله” وإسرائيل. كانت العقبات الرئيسة تتمثّل في إصرار “حزب الله” على أنَّ أيَّ وقفٍ لإطلاق النار مع إسرائيل في لبنان يعتمد على وقف إطلاق النار الإسرائيلي في غزة، وعدم اهتمام إسرائيل الواضح بوقف إطلاق النار على أيٍّ من الجبهتين. مع ذلك، تعتقد إدارة بايدن أنَّ “حزب الله” مُستعدٌّ الآن للمضي قدمًا في وقف إطلاق النار في أعقاب هجوم إسرائيلي مكثف على البنية التحتية للجماعة وقيادتها، بما في ذلك اغتيال زعيمها حسن نصر الله والعديد من كبار نوابه وقادته.

في محاولةٍ لحلِّ اللغز في لبنان، قد تتبنّى الإدارة الأميركية أحد ثلاثة أساليب مُتداخلة، وكلها غير كاملة أو مثالية. الأوّل يتلخّص في دفع القيادة السياسية في لبنان إلى مطالبة الأمم المتحدة بتنفيذ القرار 1701 بالكامل من خلال مساعدة القوات المسلحة اللبنانية على الانتشار جنوبًا، وزيادة حجم قوات ال”يونيفيل”، وإجبار “حزب الله” والقوات الإسرائيلية على الانسحاب من الجنوب، ومنع إعادة إمداد “حزب الله” من قِبَل إيران. والثاني يتلخّص في الدفع نحو إصدار نسخة مُوسَّعة من القرار تُلزمُ “حزب الله”، من بين أمور أخرى، بالانسحاب إلى مسافة أبعد مما ينص عليه القرار 1701، وإلزام الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية بالبدء في محادثات سلام.

لكن من غير المرجح أن ينجح أيٌّ من هذين النهجَين. الواقع أن الفرصة الأفضل تتمثّل في خطةٍ أقل طموحًا: اتفاقٌ مؤقت يتمُّ التوصّلُ إليه مباشرة بين إسرائيل و”حزب الله”، ويُلزمُ الطرفين بإنهاء الأعمال العدائية، لكنه يتطلب من “حزب الله” الانسحاب إلى مسافةٍ أكثر تواضُعًا ــ على سبيل المثال، عشرة أميال من الحدود، بعيدًا من مدى الأسلحة التي استخدمتها الجماعة لمهاجمة البنية الأساسية العسكرية والمدنية على الجانب الإسرائيلي من الخط الأزرق. إن جدوى مثل هذا الاتفاق واستمراريته سوف يعتمدان على عدد من الترتيبات المؤقتة لتلبية مخاوف كل طرف. والهدف من ذلك هو إنهاء القتال في أقرب وقت ممكن، ولكن مثل هذا الاتفاق، إذا تمَّ تصميمه بعناية، من شأنه أيضًا أن يُمَهّدَ الطريق لتنفيذ القرار 1701 في نهاية المطاف.

مع أصدقاءٍ مثل هؤلاء

تقود الولايات المتحدة إدارة “بطة-عرجاء” ضعيفة؛ وقد تؤدي الانتخابات المقبلة إلى تغييرٍ شامل في الحكومة قد يؤدي إلى نهجٍ أميركي مختلف للأزمة. إنَّ القولَ بأنَّ الظروفَ للتدخّل الديبلوماسي الناجح في لبنان قاتمة سيكون أقل من الحقيقة بشكلٍ خطير. وكما قال المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان، آموس هوكستين، فإن الوضعَ “خارج عن السيطرة”.

كانت إحدى العقبات الرئيسة التي واجهتها الولايات المتحدة طوال هذا الصراع هي أنَّ أقرب حليف إقليمي لها، إسرائيل، رفضَ مرارًا وتكرارًا (مع بعض الاستثناءات البارزة) طلباتها بالحد من الخسائر بين المدنيين، وتسهيل المساعدات الإنسانية، والدفع نحو صفقة الرهائن. نصحت إدارة بايدن الإسرائيليين باستمرار بممارسةِ ضبط النفس مع طمأنتهم بأنَّ أيَّ مخاطر للقيام بذلك سيتم تخفيفها من خلال المساعدة الأميركية. في عهد نتنياهو، قبلت الحكومة الإسرائيلية المساعدة لكنها تصرّفت من دون تحفظ، فنفّذت هجومًا شرسًا على غزة أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وشنّت حملةً جريئة من الاغتيالات لكبار قادة “حزب الله” و”حماس”، ليس فقط في غزة ولبنان ولكن حتى في إيران. وتتمتع هذه الخطوات بدعمٍ قوي من غالبية كبيرة من المواطنين الإسرائيليين، التي مازالت مصدومة من الهجوم الإرهابي الوحشي الذي شنته “حماس” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والذي أعقبه في اليوم التالي ضربات صاروخية من “حزب الله” على شمال إسرائيل.

لكنَّ إسرائيل بدأت عمليتها للتو. فهي تريد تدمير البنية الأساسية ل”حزب الله” بين نهر الليطاني والخط الأزرق، بما في ذلك الأنفاق والمستودعات والقواعد ومواقع إطلاق الصواريخ، وكلُّ ذلك في حين تدفع مقاتلي “حزب الله” إلى الشمال. في الوقت نفسه، ضربت القوات الجوية الإسرائيلية عشرات الأهداف في جميع أنحاء لبنان، بما فيها فروع البنوك التي تتعامل مع أموال “حزب الله”. والهدف هو شلُّ “حزب الله” وبالتالي حرمان إيران من القدرة على الضغط على إسرائيل أو ردع الهجوم الإسرائيلي على الأصول النووية الإيرانية أو أهداف القيادة. وتصرُّ إسرائيل على أنها لا ترغب في إعادة احتلال جنوب لبنان وتؤكد أنَّ القوات الإسرائيلية تشنُّ هجمات من الأراضي الإسرائيلية وتعود إليها بعد كل مهمة.

لقد تجاهلت الولايات المتحدة وغضّت الطرف في العقود الأخيرة عن وضع “حزب الله” القوي في لبنان؛ مُعتبرةً أنَّ تحدّي امتيازاته  لا طائل من ورائه ومزعزعٌ للاستقرار. لكنَّ العديدَ من المعلقين الأميركيين، وبعض المسؤولين في إدارة بايدن، رحّبوا بهدوء بتدمير سلسلة قيادة “حزب الله” وإصابة الآلاف من مقاتليه عندما فجّرت إسرائيل متفجرات زرعتها سرًّا في أجهزة النداء وأجهزة الراديو الخاصة بالجماعة. لكن الولايات المتحدة تحاول الآن الحدّ من الأضرار والتركيز على وقف إطلاق النار الذي قد يمنع التصعيد الذي قد يزيد من خطر التدخّل الإيراني المباشر. ويتلخّص هدف “حزب الله” في الحفاظ على قدرته العسكرية، وخصوصًا ما تبقّى من مخزوناته من الصواريخ والقذائف ــالتي تزعم إسرائيل، على نحو غير معقول إلى حد ما، أنها خفّضتها إلى النصف ــ وقدرته على الهيمنة على النظام السياسي في لبنان من خلال التهديد باستخدام القوة.

المزيد مع أقل

إنَّ التوصُّلَ إلى اتفاقٍ ناجحٍ لوقف إطلاق النار يتطلّبُ أن يأخذَ في الاعتبار المصالح المتنافسة لكلٍّ من “حزب الله” وإسرائيل. وفي الوقت الحالي، تدرس واشنطن ثلاثة بدائل. يتلخّص البديل الأول في تنفيذ القرار 1701، الذي يدعو إلى انسحاب “حزب الله” والقوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، واستبداله بوجود متزايد لكلٍّ من جنود اليونيفيل والقوات البرية للجيش اللبناني. ويحظر القرار أيضًا على الدول الخارجية تسليح أي جماعة غير حكومية في لبنان، في إشارةٍ واضحة إلى رعاية إيران ل”حزب الله”.

إنَّ هذا المسار يواجه عددًا من العقبات الرئيسة. من ناحية، نجحَ كلٌّ من “حزب الله” وإسرائيل في إعاقة تنفيذ القرار 1701 لمدة ثمانية عشر عامًا. كما أدى الوجود القوي ل”حزب الله” داخل الحكومة اللبنانية إلى الحدّ من الموارد المُتاحة للجيش اللبناني ومنع نشر قواته على نطاق واسع في الجنوب. وتؤكد إسرائيل أنها لن تنسحبَ من لبنان حتى يصبح الجيش اللبناني قادرًا على الحلول محل “حزب الله” في الجنوب، وحتى في هذه الحالة فإنَّ قواتها سوف تعود إلى الأراضي اللبنانية لغرضٍ غامضٍ يتمثل في “التنفيذ النشط”. كما تطالب إسرائيل بالحفاظ على حرية الوصول إلى المجال الجوي اللبناني حتى تتمكن من مواصلة تنفيذ الغارات الجوية، بما في ذلك في بيروت، لإضعاف “حزب الله” بشكل أكبر. علاوةً على ذلك، لم تنظر إسرائيل قط إلى قوات ال”يونيفيل”، التي لديها حاليًا 10 آلاف جندي في جنوب لبنان، كجهةٍ مُحايدة، لأنها لم تمنع تعدّيات “حزب الله” على الجنوب وتميل إلى الوقوف إلى جانب “حزب الله” في النزاعات مع إسرائيل.

إنَّ أيَّ محاولةٍ جديدة لتطبيق القرار 1701 سوف تتطلّب في جوهرها تحرُّكًا من جانب حكومة لبنانية غير قائمة. وسوف يتعيَّن على رؤساء الأحزاب اللبنانية الرئيسة أن يحشدوا قواهم لاختيارِ رئيسٍ للجمهورية، وهو ما لم يتمكّنوا من القيام به منذ عامين؛ وسوف يتعيّن على هذا الرئيس أن يُعيّنَ رئيسًا لمجلس الوزراء لا بُدَّ وأن يكون مقبولًا من “حزب الله” بالقدر الكافي لتجنُّب عرقلته من قِبَل الجماعة، ومستقلًّا بالقدر الكافي لكسب ثقة الأحزاب السياسية اللبنانية الأخرى، فضلًا عن الولايات المتحدة والأمم المتحدة. ولا تشير الأدلة إلى أنَّ السياسة اللبنانية على استعدادِ لتحقيقِ اختراقٍ من هذا النوع.

مع ذلك، كشف هوكستين، المبعوث الأميركي، أخيرًا عن خطّةٍ أكثر طموحًا. فبالإضافة إلى الخطواتِ المنصوصِ عليها في القرار 1701، يدعو اقتراحُ هوكستين “حزب الله” إلى الانسحابِ إلى ما هو أبعد من نهر الليطاني. كما يتصوّرُ الاقتراح دخول لبنان وإسرائيل في محادثات سلام مباشرة. إنَّ هذه الخطة تُذكّرنا بخطةٍ أخرى توسّطت فيها الولايات المتحدة في العام 1983، والمعروفة باسم اتفاق 17 أيار (مايو)، والتي أجبرت لبنان المُمزَّق، بعد ثماني سنوات من الحرب الأهلية وتحت الاحتلال الإسرائيلي والسوري، على الدخول في معاهدةٍ مع إسرائيل. وقد نص الاتفاق على انسحابٍ إسرائيلي وسوري واتفاقية سلام إسرائيلية-لبنانية، ولكن لم يتم تنفيذه قط، بسبب معارضة قوية من سوريا التي أكدت أنها لن تتسامح مع التحدّي الإسرائيلي لنفوذها في لبنان. ومن المؤكد أن خطة هوكستين من شأنها أن تؤدي إلى نتائج مماثلة: فقد حلت إيران محل سوريا، التي سوف تتعرّض مصالحها الاستراتيجية والإيديولوجية في لبنان للخطر على نحوٍ مماثل، الأمر الذي من شأنه أن يغري طهران بحمايتها من خلال تصعيد الصراع. وربما يكون تنفيذ القرار 1701 هدفًا مستحيلًا؛ وسوف يؤدي السعي إلى الحصول على نسخة معدلة منه إلى زيادة المخاطر وزيادة خطر العنف.

إنَّ أفضلَ طريق للمضي قدمًا، على الأقل في الوقت الراهن، هو الأقل طموحًا: اتفاقٌ غير رسمي بين “حزب الله” وإسرائيل من شأنه أن يؤسّسَ لوقف إطلاق نار فوري ويتطلّب انسحابًا أكثر تواضُعًا لقوات “حزب الله”. وسوف يكون هذا مُخَطَّطًا ضعيفًا وهشًا، ولكن الاتفاقات الجانبية من شأنها أن تساعده على الصمود من خلال تخفيف مخاوف كل طرف. على سبيل المثال، تعتقد إسرائيل أنَّ “حزب الله” سوف يُعيدُ إدخال الأسلحة بسرعة إلى جنوب لبنان، كما فعل بعد العام 2006؛ ولمنع هذا، يمكن للقوات المسلحة اللبنانية أن تفحص كل السكان العائدين إلى المنطقة. ويمكن لمجموعة من الدول التي يتفق عليها “حزب الله” وإسرائيل أن تنشئ لجنة إشراف مستقلة تتألف من خبراء لتقييم عمليات ال”يونيفيل”. ويمكن للهيئة نفسها أن تجري تحقيقات مفاجئة في تحركات “حزب الله” أو إسرائيل المزعومة وعمليات تفتيش لقوات الجانبين عندما يتَّهم كلٌّ منهما الآخر بانتهاك الاتفاق. ويمكن للدول التي تمتلك قدرات المراقبة الجوية ــ على سبيل المثال، بعض أعضاء حلف شمال الأطلسي أو الهند أو اليابان أو كوريا الجنوبية ــ أن تجري مهام مراقبة على ارتفاعات عالية فوق جنوب لبنان، وهو ما قد يساعد على الفصل في المخالفات وتوفير الإنذارات المبكرة بالمشاكل. وأخيرًا، قد يعمل القادة والديبلوماسيون الغربيون على توسيع الشريحة الضيقة من المسؤولين اللبنانيين الذين يتعاملون معهم حاليًا. وقد أدت هذه الممارسة إلى سلبية بين أعضاء النخبة السياسية في لبنان، الأمر الذي أدى إلى تأخير انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة.

لكي تنجح الخطة، لا بُدَّ أن تحدَّ إسرائيل بشدة من انتهاكاتها للمجال الجوي اللبناني، وهو ما يستنكره كل اللبنانيين. (لن تضع الخطة حدًّا للضربات الجوية الإسرائيلية على الجهود التي تبذلها إيران لإعادة إمداد ترسانات “حزب الله”). ومن المؤكد أن وقف إطلاق النار المؤقت الذي يفتقر إلى سلطة الأمم المتحدة سوف يكون هشًّا بطبيعته. لكن حتى لو لم يكن بوسعه أن يعمل على استقرار لبنان على النحو الكامل كما كان ليفعل القرار 1701 إذا تم تنفيذه على نحوٍ لائق، فإنّ وقف إطلاق النار الأقل رسمية ــوأقل طموحًاــ الآن من شأنه أن يمهّد الطريق لتنفيذ القرار بالكامل في وقت لاحق.

إنَّ الجهودَ الديبلوماسية الأميركية تُشَكّلُ أهمية بالغة لوقف العنف المتصاعد في لبنان والحدّ من خطر الصراع المسلح بين الولايات المتحدة وإيران. وللحصول على ما تريده ــوما تحتاج إليه المنطقةــ يتعيّن على واشنطن أن تُفكّرَ على نطاق أصغر، فتصوغ اتفاقًا يُعوّضُ ما تفتقرُ إليه من طموحات بعناصر مُصَمَّمة لتهدئة أشد المخاوف إلحاحًا لدى كل جانب. إنَّ إسرائيل هي المسيطرة الآن، وسوف ترغب في الضغط على ميزتها في السعي إلى “النصر الكامل”. أما “حزب الله” فهو ضعيف، ولكن لتجنُّب ظهور الهزيمة، فإنه سوف يصمد من أجل التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار يؤدي إلى انسحاب إسرائيل من لبنان ووقف الغارات الجوية. وحتى في حالة التوصّل إلى ترتيبات مؤقتة، فإنَّ هذه ليست الشروط الأكثر إيجابية. لكن فرنسا والولايات المتحدة توسطتا في التوصُّل إلى وقفٍ لإطلاق النار لمدة 21 يومًا في أيلول (سبتمبر)، لكن إسرائيل تراجعت على الفور تقريبًا عن موافقتها الأولية. وبعد أيام، قتلت غارة جوية إسرائيلية في بيروت السيد حسن نصر الله. وعند هذه النقطة، أصبح من المستحيل تجديد الجهود. والآن حان الوقت لمحاولةٍ أخرى.

  • ستيفن سايمون هو زميل متميز وأستاذ زائر في كلية دارتموث. خدم في مجلس الأمن القومي في إدارتي بيل كلينتون وباراك أوباما.
  • جيفري فيلتمان هو زميل زائر في مؤسسة بروكينغز وزميل أول في مؤسسة الأمم المتحدة. كان سابقًا مساعدًا لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى وسفيرًا للولايات المتحدة في لبنان.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورِن أفِّيرز” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى