إستهدافُ أصولِ الطاقةِ الإقليمية، إذا حصل، سيؤدّي إلى مستوياتٍ غير مسبوقة من الضررِ لاقتصاداتِ المنطقة وخارجها
ينبغي التعامُلُ مع استخدام الضربات على أصول الطاقة كوسيلةٍ لممارسة شكلٍ من أشكالِ النفوذ في هذا الصراع بحذرٍ شديد؛ فقد تؤدي المكاسب الاستراتيجية قصيرة الأجل على ما يبدو إلى مستوياتٍ غير مسبوقة من الضرر لاقتصادات المنطقة وخارجها.

كولبي كونلي*
لأكثر من عام، بدا الصراع الإقليمي الجاري، الذي اندلعَ كحربٍ بين إسرائيل “وحماس”، وكأنه يتناقضُ مع الصيغةِ القديمة التي طالما اعتُبِرَت واحدة من اليقينيات القليلة في أسواق النفط العالمية: وهي أنَّ “حربًا + الشرق الأوسط= أسعار نفط مرتفعة”.
وفي حين أوقع الصراعُ خسائر لا تُحصى في الأرواح البشرية وأثّرَ سلبًا في اقتصادات جميع الأطراف المشاركة، فقد نجا قطاعُ الطاقة في المنطقة إلى حدٍّ كبير. كانت هناك حوادثٌ معزولة استهدفت ظاهريًا إنتاج الغاز الطبيعي الإسرائيلي، لكنَّ أطرافَ هذا الصراع أثبتت حتى الآن عدم اهتمامها أو عدم قدرتها على شنِّ هجماتٍ كبرى ناجحة ضد أيٍّ من منشآت الطاقة تلك. إنَّ تعطيلَ حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر من قبل الحوثيين المدعومين من إيران هو في الواقع مشكلةٌ مستمرّة بلا حلٍّ واضح، لكنها لا تُشكّلُ تهديدًا كبيرًا لتوافر إمدادات الطاقة من المنطقة، وأصبحت إلى حدٍّ كبير حقيقةً من حقائق الحياة التي أصبحت السوق الآن تضعها في الحسبان.
لكنَّ احتمالاتَ أن يبدأ الصراع في إحداثِ تأثيرٍ مُباشِرٍ أكبر في الأسواق بسبب المخاطر الناشئة بسرعة على قطاع الطاقة الإقليمي قد تبلورت في الأسبوع الفائت. أخذت السوق، التي بدت مُحَصَّنة إلى حدٍّ كبير ضد الصراع، الاقتراحات الإسرائيلية بأن يُصبحَ قطاع النفط الإيراني هدفًا للانتقام، على محملِ الجدّ، حيث استجابت أسعار النفط القياسية في شكلِ زيادةٍ بنحو 10 دولارات للبرميل في غضون أسبوع واحد. وعلى نحوٍ مُماثل، هددت إيران باستهدافِ إنتاج الطاقة الإسرائيلي، كما اقترحَ البعضُ أنَّ طهران أو وكلاءها قد يضربون منشآت الطاقة في دول الخليج العربي. إنَّ مجرّدَ احتمالِ حدوثِ هذه النتيجة يُثيرُ شبحَ دورةٍ من الانتقام التي قد تُلحقُ أضرارًا لا تُوصَف بإنتاج الطاقة الإقليمي إذا خرجت عن نطاقِ السيطرة.
الامتداد إلى الخليج
تمَّ تقديمُ إمكانية استهداف إسرائيل لقطاع التكرير في إيران، الذي يبلغ إنتاجه 2.5 مليوني برميل يوميًا، كخيارٍ من شأنه أن يكونَ له تأثيرٌ أكثر محدودية على الأسواق العالمية، حيث يخدم القطاع في المقام الأول الطلب المحلي. الواقع أنَّ المنطقَ المُفتَرَض وراء هذا المسار من العمل يتلخّص في توفيرِ بديلٍ من الهجوم المباشر على إنتاج النفط الإيراني (الذي تحتاجه مصافيها لإنتاج الوقود وغيره من المنتجات) أو محطات التصدير. ورُغم أن إتلاف البنية الأساسية للتصدير أو تدميرها من شأنه أن يكون بلا أدنى شك الطريقة الأكثر مباشرة للحد من عائدات النفط الإيرانية، فإنه من المستحيل أيضًا تجنُّب شكلٍ من أشكال ارتفاع الأسعار اللاحق. ولا شك أنَّ واشنطن حريصةٌ على تجنُّب حدوث قفزة كبيرة في أسعار النفط نتيجةً لفقدان الإمدادات الإيرانية، وخصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. فقد استوردت الصين، المشتري الحقيقي الوحيد حاليًا لصادرات النفط الإيرانية الخاضعة لعقوبات شديدة، نحو 1.4 مليون برميل يوميًا من إيران في أيلول (سبتمبر). ومن شأن حرمان المشترين الصينيين من هذا العرض أن يُجبرَ بكين على البحث عن براميل إضافية من أماكن أخرى، ولو أنَّ هذا من غير المرجح أن يكونَ له تأثيرٌ كبير على السوق التي تتمتّعُ حاليًا بإمداداتٍ جيدة.
في حين أنَّ هذا التطوّرَ في حدِّ ذاته لن يكونَ كارثيًا بسبب العرض الوفير نسبيًا والطلب الإجمالي الأضعف في العام 2024، فإنَّ أيَّ تأثيرٍ لاحق على الإنتاج أو الشحن في منطقة الخليج هو سؤالٌ آخر تمامًا. يُمكن لمجموعة دول “أوبك +” بسهولة تعويض الإمدادات الإيرانية المفقودة بفضل 5 إلى 6 ملايين برميل يوميًا من الطاقة الإنتاجية الفائضة التي تمتلكها حاليًا نتيجةً لتخفيضات الإنتاج العميقة المستمرة. ومع ذلك، إذا تطوّرت الأحداث بطريقةٍ تجعلُ الوصول إلى هذه الطاقة صعبًا أو مستحيلًا، أي أن تقوم إيران أو وكلاؤها بتنفيذ ضربة انتقامية على قطاع الطاقة في الخليج، فإنَّ احتمال حدوث صدمة كبيرة في العرض سيصبح نتيجةً محسومةً تقريبًا، وستتردد آثارها عبر الأسواق العالمية.
حوالي 30٪ من أحجام النفط الخام العالمية و20٪ من المنتجات المكررة (السوائل مثل البنزين والديزل) تُبحرُ من الخليج. قبل أن تعبر الناقلات المُحَمَّلة بالكامل والتي تحمل هذه الأحجام مضيق هرمز، والذي غالبًا ما يُروَّج له باعتباره نقطة اختناق محتملة لتجارة الطاقة في حالة نشوب صراع، تتولى هذه السفن شحن البضائع من محطات التصدير في جميع أنحاء المنطقة. وقد تشكل هذه المرافق نفسها عنق زجاجة لتدفق الإمدادات من الخليج. فقد صدَّرت محطات التصدير مثل الجعيمة أو رأس تنورة في المملكة العربية السعودية وجزيرة داس أو جزيرة زركوه في إمارة أبو ظبي مجتمعة 6.2 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام والمكثفات في أيلول (سبتمبر)، مما يسلط الضوء على أحجام التصدير الرئيسة المشتركة بين هذه المرافق القليلة الرئيسة فقط. وفي حين يمكن تصدير النفط من الخليج عبر طرق أخرى غير المضيق، مثل خط أنابيب الشرق والغرب في المملكة العربية السعودية أو خط أنابيب أدنوك الذي يمتد من أبو ظبي إلى الفجيرة، فإنَّ البنية الأساسية التي تجعل هذه الطرق البديلة خيارًا معقولًا ليست أقل عرضة للصراع، بالإضافة إلى حقيقة أن قدرتها الإجمالية أقل بكثير من قدرة المنشآت الرائدة. في حالة السعودية، يربط خط أنابيب الشرق-الغرب، الذي يمكنه ضخّ خمسة ملايين برميل يوميًا، الإنتاج بمحطات على البحر الأحمر، الأمر الذي يتطلب بالإضافة إلى خنق صادراتها أن تواجه الشحنات السعودية حالة عدم الاستقرار المستمرة حول باب المندب، نظرًا لأن حوالي 70% من إجمالي صادراتها من النفط الخام والمكثفات تتجه إلى الأسواق الآسيوية.
التأثير الإسرائيلي
على الرُغم من أنَّ إنتاجَ إسرائيل من الغاز الطبيعي ليس مُتكامِلًا بشكلٍ جيد مع أسواق الغاز الطبيعي المسال العالمية، إلّا أنه يُصدّرُ كمياتٍ كبيرة عبر خطوط الأنابيب إلى كلٍّ من مصر والأردن، ما يجعل التهديد بهجومٍ كبير على الإنتاج مُهمًا لحياة مستهلكي الطاقة في كلٍّ من هذين البلدين. يجب التعامل مع التهديدات الإيرانية بالانتقام من قطاع الطاقة الإسرائيلي، إذا هاجمت إسرائيل الأصول الإيرانية، بأقصى قدر من الجدية. لقد صدّرَ حقلُ ليفياثان، أكبر حقل إنتاج في إسرائيل، ما يقرب من 90٪ من إجمالي إنتاجه إلى مصر والأردن في النصف الأول من العام 2024.
في حالتها الحالية، فإنَّ مصر في وَضعٍ ضعيف بشكلٍ فريد. خلال إغلاق حقل غاز إسرائيلي واحد لمدة شهر في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، في بداية الصراع، اضطرت القاهرة إلى فرض انقطاعاتٍ للتيار الكهربائي لإدارة النقص في واردات الغاز الإسرائيلي، والتي تعتمد عليها بشكل كبير لتوليد الطاقة. مع استمرار نمو الطلب السريع في تجاوز قدرتها على زيادة الإنتاج المحلي، فلن يكونَ لدى مصر سوى بدائل قليلة أخرى غير اللجوء إلى واردات الغاز الطبيعي المسال إذا فقدت الوصول إلى أحجام خطوط الأنابيب من إسرائيل. وعلاوةً على ذلك، فإن الحاجة إلى استيراد هذه الكميات قد تؤدي إلى تضييق أسواق الغاز الطبيعي المسال، ما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة واردات الطاقة للأسواق الأوروبية وكذلك لمصر في وقت لا تستطيع فيه تحمّل تكاليفها.
الخلاصة
في حين يبدو أنَّ الهجومَ على قطاع التكرير في إيران مُعَدَّلٌ بقصدِ تجنُّب صدمةِ العرض الأوسع في الأسواق العالمية، فإنَّ ضمانات مثل هذه النتيجة ضئيلة أو معدومة، وهي نتيجةٌ تبدو أقل احتمالية مع مرور الوقت. في الواقع، إذا دخل هذا الصراع مرحلةً يصبح فيها الاستهداف المباشر لأصول الطاقة هو القاعدة، فلن يهمَّ أين بدأ، حيث أنَّ المشهد الإقليمي بأكمله تقريبًا من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى الخليج مليء بما يمكن تفسيره على أنه أهدافٌ عالية القيمة. إنَّ دورة التصعيد المستمرة في هذا الاتجاه تمثّل تهديدًا خطيرًا للأسواق العالمية التي تتعافى أخيرًا فقط من التقلبات الجيوسياسية لعام 2022 ومن شأنها أن تهدد إمدادات الطاقة اليومية وسبل عيش الملايين في المنطقة نفسها. ستخسر الدول المنتجة، التي تعتمد على عائدات التصدير لتمويل الميزانيات الوطنية أو تنويع اقتصاداتها لعصر ما بعد النفط، مليارات الدولارات من الإيرادات في هذه العملية وتواجه انتكاسات لا حصر لها في الاستعداد للتحول في مجال الطاقة.
لقد كانت القدرات الإسرائيلية معروضة بالكامل طوال الصراع، ولا ينبغي أن تترك مجالًا للشك في قدرتها على استهداف أهداف الطاقة كما تراه مناسبًا. كما إنَّ يد إيران التي لا يمكن إنكارها في هجوم العام 2019 على منشآت معالجة أرامكو السعودية في بقيق يجب أن تؤكد على نحوٍ مماثل قدرتها على استهداف منشآت مماثلة بدقة ملحوظة. ونتيجةً لهذا، ينبغي التعامل مع استخدام الضربات على أصول الطاقة كوسيلةٍ لممارسة شكل من أشكال النفوذ في هذا الصراع بحذرٍ شديد؛ فقد تؤدي المكاسب الاستراتيجية قصيرة الأجل على ما يبدو إلى مستويات غير مسبوقة من الضرر لاقتصادات المنطقة وخارجها.
- كولبي كونلي هو مدير برنامج الاقتصاد والطاقة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. وهو أيضًا محلل أول في مؤسسة “إنيرجي إنتليجنس”، حيث يعمل مع ممارسات البحث والاستشارات في الشركة.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.