حربُ إسرائيل على غزة ولبنان تزيدُ الخلافاتَ وتُوَسِّعُ الإنقساماتَ في الاتحاد الأوروبي

في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، اقترح الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية جوزيب بوريل قضيةً لصالح دولةٍ فلسطينية مستقلة، لكنه اعترف بأنه لا يزال هناك عدم إجماع في الاتحاد بشأن هذه القضية. وقال: “على الرغم من أننا جميعًا نتفق على أنه لا يوجد حلٌّ آخر ممكن، إلّا أننا لا نتفق على كيفية ومتى ننفذ هذا الحل الوحيد”.

إيمانويل ماكرون: ينبغي وقف بيع الأسلحة إلى إسرائيل لوقف الحرب في غزة ولبنان.

أنشال فوهرا*

بعد أكثر من عام على الحرب بين إسرائيل و”حماس” في غزة، تركت الانقسامات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بروكسل على الهامش إلى حدٍّ كبير في الجهود المبذولة لإنهاء القتال. والآن، مع استعداد المفوضية الأوروبية للانتقال إلى إدارةٍ جديدة وقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية المهمة، قد يجد الاتحاد الأوروبي صعوبةً أكبر في التأثير على الجهود المبذولة لإنهاء الصراع، الذي امتد الآن إلى جنوب لبنان وقد ينتهي بمواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران.

في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، عندما نفذت “حماس” هجومًا قاتلًا في جنوب إسرائيل واختطفت أكثر من 200 رهينة، سارع الاتحاد الأوروبي إلى التعبير عن تضامنه مع إسرائيل. وأضاءت بروكسل بسرعة جدار مقر الاتحاد الأوروبي بصورةٍ لعلم إسرائيل، وسافرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى الدولة الحزينة لتقديم التعازي شخصيًا نيابة عن الكتلة.

أدانت قيادة الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء حركة “حماس” وطالبت بالإفراج الفوري عن الرهائن، وحتى عندما بدأ الجيش الإسرائيلي في قصف غزة بضراوة، مما أسفر عن سقوط أعداد هائلة من الضحايا المدنيين، عارضت غالبية دول الاتحاد الأوروبي وقف إطلاق النار. وفي الخامس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر)، عندما صوَّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرارٍ يدعو إلى وقف إطلاق النار، صوّتت ثماني دولٍ فقط لصالح القرار، بينما عارضته أربعُ دول وامتنعت خمس عشرة دولة عن التصويت، في ما اعتُبِرَ دعمًا ضمنيًا للحكومة الإسرائيلية.

كان الدعمُ الواسع النطاق يرجعُ جُزئيًا إلى الأمل في أن تنجح الضغوط العسكرية في إجبار “حماس” على إطلاقِ سراح الرهائن الذين تحتجزهم. ولكن كثيرين كانوا يخشون أيضًا أن تُفسَّرَ مُعارضةُ الحملة العسكرية الإسرائيلية على أنها تشكيكٌ في حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهو ما يُشكّلُ نظرةً سيئة نظرًا للدرجة التي تتأثر بها سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل بإرث المحرقة (الهولوكوست) والظلم التاريخي الذي ارتُكِبَ ضد الشعب اليهودي في أوروبا.

ومع مرور الأشهر، ارتفعت حصيلة القتلى في غزة بشكل كبير، حيث أفادت التقارير الآن بمقتل أكثر من 40 ألف شخص، وسط مزاعم بارتكاب جرائم حرب وقضية مرفوعة أمام محكمة العدل الدولية تتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية. ومع تغيُّرِ الظروف، أصبح من غير الممكن للاتحاد الأوروبي أن يستمرَّ في المستوى نفسه من الدعم.

في كانون الأول (ديسمبر)، عندما صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرةً أخرى على قرار وقف إطلاق النار، صوّتت 17 دولة عضو لصالح القرار، بينما صوتت دولتان فقط ضده وامتنعت ثماني دول عن التصويت. وبحلول حزيران (يونيو)، أيّدَ الاتحاد الأوروبي بالإجماع اقتراح الرئيس الأميركي جو بايدن الجديد لوقف إطلاق النار.

ورُغمَ الاتفاق الآن على الحاجة إلى وقفٍ لإطلاق النار، فإنَّ القيادة العليا للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء كانت لديهما أيضًا اختلافات في الرأي حول جوانب أخرى مختلفة من الصراع، مهما كانت دقيقة.

لقد برزت الانقسامات على الفور. فعندما زارت فون دير لاين، المحافظة الألمانية، إسرائيل بعد أيام من هجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، اتُّهِمت بالتحيُّزِ غير المقبول. وفي الوقت نفسه، أعرب مفوّض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الاشتراكي الإسباني، عن معارضته للحملة العسكرية الإسرائيلية ودفع بنشاطٍ نحو حلِّ الدولتين.

في كانون الثاني (يناير)، عقد بوريل مؤتمرًا لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي وممثلين إسرائيليين وفلسطينيين في محاولةٍ لتحريكِ المناقشات الراكدة منذ فترة طويلة حول حلِّ الدولتين. ولكن قبل ساعات من بدء الاجتماع، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فكرة الدولة الفلسطينية باعتبارها “تهديدًا وجوديًا” لإسرائيل، بينما تعهّدَ بمنع إنشاء دولة فلسطينية طالما كان رئيسًا للوزراء.

في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، قدّمَ بوريل مرة أخرى قضيةً لصالح دولة فلسطينية مستقلة، لكنه اعترف بأنه لا يزال هناك عدم إجماع في الاتحاد بشأن هذه القضية. وقال: “على الرُغم من أننا جميعًا نتّفق على أنه لا يوجد حلٌّ آخر مُمكن، إلّا أننا لا نتفق على كيفية ومتى نُنفّذُ هذا الحلّ الوحيد”.

في حين يؤيد الاتحاد الأوروبي رسميًا حلّ الدولتين للصراع، يقول بعض الدول الأعضاء إنه لا يعتقد أنَّ الوقتَ الحالي هو الوقت المناسب لمتابعة هذا الحل. وقالت مصادر في الاتحاد الأوروبي إنَّ الحكومات اليمينية في النمسا والمجر تُردّدُ إلى حدٍّ كبير الإجماع الحالي عبر الطيف السياسي والقيادة العسكرية والمجتمع في إسرائيل بأنَّ الموافقة على دولةٍ فلسطينية في أعقاب السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من شأنها أن تُكافئ “حماس” وتُشجّع الإرهاب.

ربما تأتي العلامة الرمزية الأكثر أهمّيةً للتحوّلات في الرأي الأوروبي بشأن الحرب من ألمانيا. تاريخيًا، كانت ألمانيا من بين أكثر المؤيدين لإسرائيل صخبًا بسبب إرثها من حقبة الحرب العالمية الثانية، ودعمت في البداية العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة وأكدت لإسرائيل أخيرًا أنها ستستمر في إمدادها بالأسلحة. حتى أن برلين فرضت قيودًا على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين. ومع ذلك، يبدو أنها تبنّت في الأشهر الأخيرة موقفًا أقل حدة وأكثر دقّة.

في أيلول (سبتمبر)، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إنَّ النهجَ العسكري وحده لا يمكن أن يُقدّمَ حلًّا للصراع، بينما دعت في الوقت نفسه الحكومة الإسرائيلية إلى وقف عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.

وقالت في إشارة إلى الهجمات في الضفة الغربية: “يجب محاسبة أيّ شخص يهاجم الناس أو يطردهم من منازلهم أو حتى يقتلهم ومعاقبته بشدة”. وأضافت: “من وجهة نظري، يمكن للحكومة الإسرائيلية استعادة الثقة الدولية المفقودة من خلال وقف مشاريع الاستيطان الحالية كخطوة أولى”.

كما يختلفُ الاتحادُ الأوروبي حول كيفية التعامل مع مزاعم المعايير المزدوجة عندما يتعلّق الأمر بالقانون الدولي، على خلفيةِ الغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا، والذي عارضه الاتحاد الأوروبي بشدة. وفي حين يصرُّ البعضُ على الدفاع الكامل عن القانون الدولي، حتى على حساب إحراجِ شريكٍ دولي رئيس، شعر آخرون بعدم الارتياح عندما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكّرات اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب إلى جانب مذكرات اعتقال بحق زعيم “حماس” يحيى السنوار والعديد من قادة المجموعة الفلسطينية الآخرين في أيار (مايو).

نشرت وزيرة الخارجية البلجيكية حاجة لحبيب على موقع (X) أنَّ “الجرائم المُرتَكَبة في غزة يجب مُقاضاتها على أعلى مستوى، بغضِّ النظر عن مُرتكبيها”، في إشارةٍ إلى مذكرات الاعتقال. وعلى النقيضِ من ذلك، أصدرت الحكومة الألمانية بيانًا زعمت فيه أن “التطبيق المُتزامن لمذكرات الاعتقال ضد قادة “حماس” من ناحية والمسؤولين الإسرائيليين من ناحية أخرى خلق انطباعًا غير دقيق بأنّهم مُتساوون”.

ويرعم البعض الآن أنَّ الاتحاد الأوروبي يجب أن يفرض تكاليف وعقوبات على إسرائيل إذا لم تتوقف عن قصف غزة ولبنان.

إيفين إنسير، العضو السويدي في البرلمان الأوروبي في لجنة الشؤون الخارجية لمجموعة الاشتراكيين والديموقراطيين، تُطالب بأن يستخدم الاتحاد الأوروبي نفوذه الاقتصادي على إسرائيل للضغط عليها لتغيير مسارها. وقالت: “ما يمكننا فعله بشكلٍ ملموس هو تجميد اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل حتى تبدأ الدولة العبرية احترامَ القانون الدولي”. كما دعت إنسير إلى فرض حظرٍ على الأسلحة، وهي الفكرة التي رددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الأسبوع الفائت، عندما بدأت إسرائيل عملياتها البرية ضد “حزب الله” في جنوب لبنان. وقال ماكرون لإذاعة فرانس إنتر: “الأولوية هي أن نعودَ إلى الحلِّ السياسي، وأن نتوقف عن تسليم الأسلحة للقتال في غزة”. كما حذر من التصعيد في لبنان، الذي أعلن أنه “لا يمكن أن يصبح غزة جديدة”. ومن المرجح أن تظلَّ الانقسامات بين الدول الأعضاء قائمة، خصوصًا إذا استمرّت إسرائيل في قصف غزة –العمليات التي تزايدت شدتها هناك هذا الأسبوع بعد أن تراجعت على مدى الأشهر القليلة الماضية – وتوسيع غزوها للبنان. ولكن من المرجح أن تخف حدة التوبيخ المتكرر الصادر عن مكتب بوريل مع اقتراب نهاية ولايته، حيث من المتوقع أن تستثمر خليفته -رئيسة الوزراء الإستونية السابقة كايا كالاس، التي ستتولى منصبها في كانون الأول (ديسمبر)- غالبية طاقاتها في أوكرانيا بدلًا من الشرق الأوسط.

تُركّزُ رسالة كالاس لفترة ولايتها الممتدة لخمس سنوات على “اليوم التالي” في غزة، لكن لا يزال من غير الواضح ما يعنيه ذلك وكيف ستتعامل مع الصراع، وخصوصًا إذا امتدَّ إلى المنطقة الأوسع. سيكون هناك أيضًا المزيد من الضغوط عليها لمتابعة سياسة مستقلّة للاتحاد الأوروبي إذا فاز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.

تقليديًا، يأخذ الاتحاد الأوروبي إشاراته من الولايات المتحدة بشأن قضايا السياسة الخارجية الرئيسة، لكن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تزيد من تعميق انقسامات الاتحاد الأوروبي بشأن هذه القضية، نظرًا لسجلّه أحادي الجانب في فترة ولايته الأولى بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

تدعو إنسير، عضو البرلمان الأوروبي السويدي، الاتحاد الأوروبي إلى “التوقُّف عن الاستعانة بمصادر خارجية للسياسة الخارجية من الولايات المتحدة” وكأن بروكسل “الشقيقة الأصغر” لواشنطن.

ومع ذلك، فإن هذا هو المسار الذي قد يفضله الاتحاد الأوروبي بالضبط، خصوصًا إذا أعطى الأولوية لتحدياته الأمنية الخاصة في مواجهة التهديد الروسي الوشيك والمخاوف من أن ترامب قد يسحب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي.

إعترفَ مسؤولٌ في إحدى جماعات الضغط الإسرائيلية في بروكسل بأنَّ الدعمَ هناك لإسرائيل ليس بالقوة نفسها التي كان عليها قبل عام، لكنه أضاف أنه لم تكن هناك أي تداعيات عملية للانتقادات أيضًا. في حدث استمر يومًا كاملًا في بروكسل الشهر الماضي، ركّزَ ممثل الحكومة الإسرائيلية والعديد من الجنرالات السابقين على محور روسيا وإيران، ووصفوه بأنه قاسمٌ مشترك يربط الحرب في أوكرانيا بالحرب الأوسع التي تلوح في الأفق الآن في الشرق الأوسط. وهم يأملون أن يتردّدَ صدى ذلك لدى كالاس وبقية الاتحاد الأوروبي للمضي قدمًا.

  • أنشال فوهرا هي محللة سياسية مقيمة في بروكسل وكاتبة عمود في مجلة ا”فورِن بوليسي” الأميركية ومعلقة في “بوليتيكو أوروبا”. تكتب عن الشؤون الجارية في الهند والشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي وتدرس حاليًا التحوُّل الأخضر.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى