من ناصر إلى… نصر الله؟!
عرفان نظام الدين*
قد تكونُ إسرائيل حقّقت مكاسبَ في حربها الوحشية على غزة وجنوب لبنان لكنها ستدفعُ عاجلًا أو آجلًا أثمانًا باهظة على جرائمها التي نسفت القوانين والمعاهدات وأصول المحاكمات الجنائية الدولية. وفي ظُلمِ العدوِّ الإسرائيلي وظلامِ الغربِ المُتآمرِ أو الساكتِ عن الحقِّ لا بُدَّ من تسجيلِ نقطتَي ضوءٍ خلال الأيام القليلة الماضية:
• الأولى سقوطُ المؤامرة الرامية لإثارةِ فتنٍ طائفيةٍ ومَذهبيةٍ بينَ المُسلمين والمسيحيين وبين السوريين واللبنانيين، إذ تجلّى حرصُ الجميع على الوحدةِ والتآزُرِ والتضامُنِ وفَتحِ الأبوابِ والقلوبِ في لبنان وسوريا لاستقبالِ النازحين من جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت.
• النقطة الثانية تتعلّقُ ببدايةِ تَحَوُّلٍ في تَعاطُفِ العرب مع إخوانهم اللبنانيين بعد فترةِ صمتٍ ولا مُبالاةٍ مع زيادةِ أصواتِ الاستنكارِ العالمي لجرائم إسرائيل.
في ظلِّ هذه المؤشّراتِ الإيجابية تتزايدُ خطورةُ الاحداثِ مع بداياتِ الغزو البرّي لجنوبِ لبنان والمواجهات العنيفة التي قد تقلُبُ المُعادَلات بعد نسفِ قواعد الاشتباك. ونفّذت إيران ضربتها، ولو جاءت متاخّرة، لتقلب المُعادلات وتزيد من حدّة المخاوف من نشوبِ حربٍ واسعةٍ لا يعرفُ أحدٌ كيف تنتهي.
وهنا يبرزُ التساؤل المُتفجّر: ماذا بعد اغتيال الأمين العام ل”حزب الله”، السيد حسن نصر الله، والأصح ماذا بعد بعد الاغتيال لأنَّ المرحلة الحالية ستكونُ ضبابيةً ومليئةً بالمُفاجآت داخل قيادة الحزب وقدرتها على السيطرة والمواجهة، وفي الجانبِ الآخر لا بُدَّ من تحديدِ شكلِ مُمارساتِ العدو واستمرارِ جرائم الاغتيالات والتدمير مع بداياتِ تحرك المقاومة المسلحة للتخطيط للإمعان في الغزو وإقامة المنطقة العازلة، ما يعني استمرار الاحتلال لفترة طويلة.
والمخاوفُ من اتساعِ رقعةِ الحرب قائمةٌ لأنَّ بنيامين نتنياهو استغلَّ شللَ الإدارة الأميركية قبل شهر من الانتخابات الرئاسية ليُنفِّذَ مؤامرةَ القضمِ والضمِّ والترهيب. في المقابل، هناكَ عجزٌ عربيٌّ مُعيبٌ وضُعفٌ أوروبيٌّ مُتزايد وإلهاء روسيا بحربها مع أوكرانيا. أما إيران فمسؤوليتها أكبر في مَنعِ إصابةِ “حزب الله” بانتكاسةٍ، فهي أعلنت على لسانِ كبارِ مسؤوليها في خضمِّ المعركة أنَّ الظروفَ لا تَسمَحُ بخَوضِ حربٍ مع إسرائيل، ثم أعلنت بعدَ الاغتيال أنها لن تُشاركَ في الحرب، فيما جاء ردّها الموعود على انتهاك سيادتها محدودًا لكنه يُشكّلُ عاملَ ضغطٍ على إسرائيل وإنذارًا للولايات المتحدة فيما تترَدّدُ معلومات عن اتصالاتٍ مع “الشيطان الأكبر” بشأنِ الاتفاقِ النووي الإيراني.
وتُعيدُنا هذه المعطيات إلى حرب الخامس من حزيران (يونيو)١٩٦٧ التي تعرّضَ فيها الجيش المصري للهزيمة المؤسفة لعلّنا نستخلص منها العِبَر مع الأمل بأن يتمَّ إصلاحُ الأمور، وإلحاقُ الهزيمة بالجيش ألغازي.
وأُعدّدُ هنا مواقع التشابه بين الأمس واليوم :
• وقعت الحربُ بعد سنواتٍ من الخلافات بين مصر ودول عربية عدة بينها السعودية ودول خليجية، وتمَّ توريطُ مصر بالإنخراط في الحرب اليمنية بين القوات الجمهورية المدعومة من مصر والقوات الملكية المدعومة من السعودية، وقيلَ أنَّ النتائجَ أسهمت في ما سُمّيَ بالنكسة.
• شهدت مصر أزمةً اقتصاديةً، وعاشت أعوامًا في ظلِّ حُكمِ بوليسي واتُّهِمَت بالمشاركة في أحداثٍ وصراعات عربية بينها ثورات واضطرابات واغتيالات لإعلاميين وسياسيين على رأسهم الشهيد كامل مروة صاحب جريدة “الحياة” اللبنانية. كان هناك يومها معسكر الشرق ضد الغرب أيام الحرب الباردة، وكان الاعتمادُ كلّيًا على الاتحاد السوفياتي الذي نفضَ يديه ولم يتدخّل لقلبِ المعادلة.
• لم يؤخذ في الاعتبار توازُن القوى والحذر من عنصر المفاجأة والتفوُّق في المجال الإلكتروني (كما جرى في معارك الجنوب اللبناني. وهذه هي بعض أوجه التشابه لا سيما بالنسبة إلى التدخل السياسي والعسكري العلني في سوريا ولبنان واليمن ودول الخليج، والاعتماد على جهة واحدة للدعم مقابل تقديم خدمات وانحياز لها وتحقيق مصالحها).
• وأكتفي هنا بهذا الوصف لأسباب ما جرى، مع الأمل بأن يتمَّ أخذُ العبر وتقبُّل الرأي بنظرةِ الحريصِ على العرب وقضاياهم، والتضامُن لردِّ الصاعِ صاعَين للعدو الصهيوني. ويبقى التساؤل عن الغد ومخاطر اندلاع الحرب الواسعة قائمًا من دون توفير القدرة على تحويل النزهة التي ارادها الوحش الفلتان إلى جحيم يحرق كل من شارك في ذبح الأطفال ومن سفك دماء الأبرياء في غزة ولبنان. وكل شيطان ساكت عن الحق ولم يردع الباطل.
- عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، والمشرف العام على المحطة السعودية الفضائية “أم بي سي”.