حَظرُ طالبان للمُخَدِّرات الأفغانية لم يُبطِئ تجارةَ الهيرويين في أوروبا
تُشيرُ الأدلّة المُتاحة إلى أنَّ أوروبا ليست على وَشَكِ حدوث نقصٍ كبير في الهيرويين، ما يعني أن الحكومات يجب أن تستمر في معالجة هذا التهديد القديم إلى جانب التهديدات الأحدث، مثل المواد الأفيونية الاصطناعية.
فيليب بيري و ديفيد مانسفيلد*
في نيسان (أبريل) 2022، بعد أقلِّ من عامٍ على تولّيها السلطة في كابول، أعلنت حركة طالبان أنها ستُحَظِّرُ زراعةَ وإنتاجَ وتهريب وتجارة واستهلاك جميع المخدرات في أفغانستان. في ذلك الوقت، كان كثيرون من المراقبين مُتَشَكِّكين في صُدقِ المجموعة، بسبب الإيرادات التي كانت تجنيها منذ فترة طويلة من صناعة المخدرات، وقدرتها على فَرضِ الحظر.
مع ذلك، بعد عامين، تُشيرُ أدلّةٌ جديدة إلى أنَّ حَظرَ طالبان للمُخدّرات أبقى زراعة الخشخاش (الذي يُستخرج منه الأفيون) عند مستوياتٍ مُنخَفِضة تاريخيًا للعام الثاني على التوالي. نتيجةً لذلك، أثارَ العديدُ من الخبراءِ مخاوفَ مَشروعةً من أنَّ النقصَ الناتج عن الهيرويين في أوروبا قد يؤدّي إلى تدفُّقِ المواد الأفيونية الاصطناعية شديدة القوة لسدِّ الفجوة. في الولايات المتحدة وكندا، تسبّبت هذه المواد الأفيونية الاصطناعية في أخطر أزمة مخدرات في تاريخ أميركا الشمالية.
لكن حتى الآن لم يحدث انخفاضٌ مُماثِلٌ في توافر الهيرويين الأفغاني في الشوارع الأوروبية، وقد يستغرقُ الأمرُ بعضَ الوقت قبل أن يحدث ذلك. لكن، إلى جانب مراقبة إمدادات الهيرويين الأفغاني عن كثب، تعمل الحكومات الأوروبية بجدية لمكافحة المواد الأفيونية الاصطناعية التي تظهر بالفعل في إمدادات المخدرات غير المشروعة.
على مدى عقود، كانت أفغانستان أكبرَ مُنتِجٍ للأفيون في العالم ومُصَدِّرًا لكُلِّ الهيرويين في أوروبا تقريبًا. مع ذلك، بعد أن فرضت حركة طالبان حظرًا على جميع المُخدّرات في نيسان (أبريل) 2022، انخفضت زراعة الخشخاش من 219,744 هكتارًا في العام 2022 إلى 31,088 هكتارًا في العام 2023، وهو انخفاضٌ بنسبة 86 في المئة. واعتبارًا من تموز (يوليو) 2024، تُظهِرُ خرائط المحاصيل لـ14 مقاطعة أفغانية مسؤولة عن 92 في المئة من زراعة الخشخاش في البلاد في العام 2022 أنَّ الزراعة انخفضت إلى أقل من 4,000 هكتار هذا العام، مُقارنةً بحوالي 16,000 هكتار في العام 2023 وحوالي 202,000 هكتار في العام 2022.
مع ذلك، فإنَّ ما هو أقل وضوحًا هو كيف سيؤثّرُ هذا الانخفاض في زراعة الخشخاش على إمدادات الهيرويين إلى الأسواق الاستهلاكية الأوروبية في المدى الطويل. في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، انخفض نقاء الهيرويين، وارتفع سعر الجملة من 12,000 جنيه إسترليني للكيلوغرام، أو ما يقرب من 15,000 دولار، قبل جائحة كوفيد-19 إلى ما يقرب من 26,000 جنيه إسترليني، أو 33,000 دولار، اليوم. وعلى الرُغم من هذه التقلُّبات، أفادت وكالة مكافحة الجريمة الوطنية في المملكة المتحدة أنه لا تزال هناك “احتياطات كبيرة” من الهيرويين في البلاد.
في الوقت نفسه، على طول طريق البلقان الذي يعمل كممرِّ عبورٍ رئيس من أفغانستان إلى أوروبا، تُواصِلُ البلدان اعتراض كميات كبيرة من الهيرويين. على سبيل المثال، في نيسان (أبريل) 2024، صادرت السلطات البلغارية ما يزيد قليلًا عن 400 كيلوغرام، بقيمة تقديرية تبلغ 8.5 ملايين يورو، أو 9.3 ملايين دولار. وقد دفعت هذه العوامل وكالة مكافحة المخدرات التابعة للاتحاد الأوروبي إلى استنتاجٍ حَذِر مفاده أنه “حتى الآن، لم تكن هناك إشارات قوية إلى انقطاع تدفقات الهيرويين نحو الاتحاد الأوروبي”.
إنَّ كلَّ هذا يتناقضُ بشكلٍ حاد مع المرة الأولى التي فرضت فيها حركة طالبان حظرًا على الخشخاش في العامين 2000 و2001، عندما شهدت المملكة المتحدة انخفاضًا في توافر الهيرويين بعد 12 شهرًا من انتهاء حصاد الخشخاش.
إذن، ما الذي يُفسّرُ هذا التناقُض الواضح بين انخفاضِ زراعةِ الأفيون بشكلٍ كبير في أفغانستان وتدفُّقِ الهيرويين إلى أوروبا من دون انقطاع إلى حدٍّ كبير؟ تكمُنُ الإجابة جُزئيًا في السياقات المختلفة للحظر الأول الذي فرضته حركة طالبان على المخدرات والحظر الذي فرضته قبل عامين.
في العام 2000، أعلنت حركة طالبان حظرها بعد ثلاثة أشهر من حصاد محاصيل الخشخاش، عندما كانت أسعار الأفيون منخفضة. ونتيجةً لهذا، اضطرَّ المزارعون إلى بيع المزيد من محصول الخشخاش لتغطية نفقاتهم المنزلية، بدلًا من تخزين بعض الأفيون كشكلٍ من أشكال الادّخار. علاوة على ذلك، كانت صناعة الأفيون الأفغانية أصغر كثيرًا قبل عقدين، عندما كانت زراعة الخشخاش نادرًا ما تشغل أكثر من 70 ألف هكتار من الأراضي.
وبالمقارنة، لم يدخل الحظر الأخير الذي أُعلِنَ عنه في نيسان (أبريل) 2022 حَيِّز التنفيذ إلّا في وقتٍ لاحق من ذلك العام. ونتيجةً لهذا، تمكَّنَ المزارعون من حصاد الخشخاش ثم تخزين الأفيون المستخرج منه في وقت ارتفعت الأسعار تحسُّبًا للحظر. وعلاوة على ذلك، تضاعفت مساحة الأراضي المُخصَّصة لزراعة الخشخاش ثلاث مرات تقريبًا على مدى العقد الماضي، لتتجاوز بانتظام 200 ألف هكتار.
لكن السبب الرئيس وراء عدم تعرُّض أوروبا لنقصٍ في الهيرويين حتى الآن هو أنَّ كمياتٍ هائلة من الأفيون لا تزال مُخزَّنة حاليًا داخل أفغانستان. وقد كشفت الأبحاث الرائدة باستخدام صور الأقمار الإصطناعية عالية الدقة أنَّ المزارعين في الأراضي الصحراوية السابقة في جنوب غرب أفغانستان –وهي المنطقة المسؤولة عن إنتاج 40 في المئة من الأفيون في البلاد– ربما قاموا بتخزين ما يقرب من 16,500 طن من الأفيون قبل العام 2022. هذا بالإضافة إلى ما يقرب من 1,700 طن دخلت السوق من حصاد الخشخاش في العام 2023، وهي كمية من الأفيون يمكن أن تنتج ما يقرب من 1000 طن من الهيرويين. ولوضع هذا في سياقه، يبلغ معدل استهلاك الهيرويين السنوي المشترك في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حوالي 160 طنًا. وهناك أيضًا القليل من الأدلة التي تشير إلى أنَّ طالبان تفرضُ حظرًا على تجارة المواد الأفيونية والاتجار بها، على الرُغم من ادعاءاتها بخلافِ ذلك. لا تزال المواد الأفيونية تُباعُ داخل البلاد، ولا تزال الدول المجاورة لأفغانستان تُصادرُ كميات كبيرة من المخدّرات على حدودها.
هناك مؤشّرٌ آخر إلى وفرةِ المعروض من الأفيون داخل البلاد وهو أنَّ الأسعارَ استمرّت في الانخفاض هذا العام، من أكثر من 1000 دولار للكيلوغرام عند ذروتها في كانون الأول (ديسمبر) 2023 إلى حوالي 580 دولارًا للكيلوغرام اليوم. إنَّ المخزونات، واستمرار الزراعة – وخصوصًا في مقاطعة بدخشان الشمالية الشرقية، حيث فشلت جهود طالبان لمكافحة المخدرات إلى حد كبير- والتقارير عن زيادة الزراعة في باكستان، هي التفسيرات الأكثر ترجيحًا لهذا الاتجاه النزولي.
هناك سيناريوان مُحتَمَلان على الأقل قد يتكشفان خلال السنوات القليلة المقبلة، وكلاهُما سيُحدّدُ ما إذا كانت الإمدادات الأوروبية من الهيرويين الأفغاني ستَنفُد. السيناريو الأول هو أنَّ تُواصِلَ طالبان حظرها على الخشخاش، في حين تعمل تدريجًا على فرضِ قيودٍ صارمة على تجارة المواد الأفيونية، ما يؤدي إلى تناقص المخزونات. وقد يؤدي هذا إلى تقليص إمدادات الهيرويين إلى أوروبا إلى حدِّ كبير، على الرُغمِ من أنه من المُهم أن نُلاحظَ أنَّ تجار المخدّرات يعطون الأولوية لتزويد أسواق المخدّرات الأوروبية بسبب الأسعار العالية.
السيناريو الثاني والأكثر ترجيحًا هو أن تجد طالبان صعوبةً أكبر في منع زراعة الخشخاش في السنوات المقبلة. وفي حين ازدهر كبار ملّاك الأراضي نتيجةً للحظر بفضل كميات الأفيون الكبيرة التي قاموا بتخزينها وارتفاع الأسعار، واجه المزارعون الذين لا يملكون أرضًا عواقب اقتصادية وخيمة. وإذا استمرَّ الحظر، فسوف يزيد من احتمالات عدم الامتثال وزيادة عدم الاستقرار السياسي.
علاوةً على ذلك، وكما أشرنا أعلاه، فشلت طالبان في تنفيذ الحظر بشكلٍ فعّال في بدخشان، حيث لا تزال هذه المقاطعة مسؤولة عن كمية كبيرة من الأفيون على مدى العامين الماضيين. وقد يدفع هذا الأمر مقاطعات أخرى إلى العودة قريبًا إلى زراعة الخشخاش. وفي الأمد البعيد، إذا لم تتمكّن طالبان من تحويل المزارعين إلى أشكال أخرى من الدخل بشكلٍ مُستدام، فسوف ينهارُ الحظر.
في كل الأحوال، يبدو من المرجح أن تستمرَّ سوق المخدرات الأوروبية في التطور، بما في ذلك إمكانية زيادة انتشار المواد الأفيونية الاصطناعية. واستجابةً لذلك، تعطي الحكومات الأوروبية بالفعل الأولوية لمعالجة كلٍّ من العرض والطلب على المواد الأفيونية الاصطناعية. في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، يتضمن ذلك إنشاء فريق عمل مشترك بين الحكومات والتعلم من الشركاء الدوليين، مثل الولايات المتحدة وكندا، لتقديم استجابة في الوقت المناسب ومبنية على الأدلة للمخاطر التي تشكّلها المواد الأفيونية الاصطناعية.
مع ذلك، تشير الأدلة المتاحة إلى أنَّ أوروبا ليست على وشك حدوث نقص كبير في الهيرويين، ما يعني أن الحكومات يجب أن تستمر في معالجة هذا التهديد القديم إلى جانب التهديدات الأحدث، مثل المواد الأفيونية الاصطناعية.
- فيليب بيري هو زميل باحث زائر في كينغز كوليدج لندن، متخصص في سياسة المخدرات الدولية. كان سابقًا مسؤولًا عن مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية البريطانية. وهو مؤلف كتاب “الحرب على المخدرات والعلاقات الأنغلو-أميركية: الدروس المستفادة من أفغانستان، 2001-2011”.
- ديفيد مانسفيلد هو مستشار يجري أبحاثًا حول الاقتصادات غير المشروعة في أفغانستان منذ العام 1997، وهو زميل باحث أول في مرصد سياسة المخدرات العالمية في جامعة سوانزي البريطانية. وهو مؤلف كتاب “دولة مبنية على الرمال: كيف قوَّضَ الأفيون أفغانستان”.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.