كيف يُمكِنُ لبايدن تحقيق إنجازٍ كبيرٍ في الشرق الأوسط في الفترةِ المُتَبَقّيةِ له في منصبه؟

هذه هي اللحظة المُناسبة لتغيير مسار المنطقة. لن يأتي السلامُ بين عشيةٍ وضحاها، لكنَّ إدارةَ بايدن يمكنها أن ترسُمَ مسارًا مختلفًا. في الأيامِ المُتَبَقِّيةِ له في منصبه، يجب على جو بايدن اغتنام الفرصة.

الأمير محمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو: الشرطُ الأساسي للتطبيع مع إسرائيل هو إقامة دولة فلسطينية.

دينيس روس*

في الحادي والعشرين من تموز (يوليو) الفائت، انسحَبَ الرئيس الأميركي جو بايدن من السباق الرئاسي لعام 2024، ما أدّى إلى تعجيلِ فترةِ “البطّة العرجاء” من ولايته. ويَفتَرِضُ معظم المراقبين أنه لن يكونَ قادرًا على إنجازِ الكثير في الأشهر المقبلة. لكنَّ بايدن أوضحَ أنَّ هناكَ أولوية واحدة يعتزِمُ متابعتها في الفترةِ المُتَبَقّية له في منصبه: إنهاءُ الحرب في غزّة واستعادةُ عمليةِ صنعِ السلام الأميركية في الشرق الأوسط.

قد تبدو هذه الأهداف غير واقعية في الوقت الحالي، وخصوصًا في أعقاب الاغتيالات الإسرائيلية الأخيرة لكبار قادة “حزب الله” و”حماس”، والتي وعدت إيران و”حزب الله” بالرَدِّ عليها، وهو ما قد يدفعُ المنطقة إلى حربٍ شاملة لا يُريدها أحد. ولكن طالما أنَّ ما يلي ذلك يُشبِهُ جولاتِ التبادُلِ السابقة التي ظلّت محصورةً ولم تتصاعد إلى صراعٍ غير مُقَيَّد، فإنَّ خروجَ بايدن من السباق الرئاسي يُحرّره للتركيز على إبرامِ صفقةِ تطبيعٍ إسرائيلية-سعودية من المُرَجّحِ أن تكونَ مشروطةً بإنهاءِ الحرب في غزة.

من غيرِ المُرَجَّح أن يُقاوِمَ رئيسُ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أيَّ جهدٍ نشطٍ على هذه الجبهة من جانب بايدن وكبار مساعديه. قد يبدو هذا غير بديهي، ولكن لأسبابٍ عدة، يحتاجُ نتنياهو إلى الأميركيين لاتّخاذِ المبادرة. فهو يعلم أنه بدون التدخُّلِ الأميركي لن يتمكَّن من التوصُّلِ إلى اتفاقٍ لتحرير الرهائن الذين لا تزال “حماس” تحتجزهم في غزة. كما يُدرِكُ أنَّ الهزيمة العسكرية ل”حماس” لن تكونَ ذات أهمية كبيرة إذا تمكّنت الحركة من إعادة تشكيل نفسها، إما من طريق تهريب المواد عبر الحدود بين مصر وغزة أو من طريق تحويل الموارد من جهودِ إعادةِ الإعمار في غزة – وواشنطن وحدها لديها القدرة على صياغة الاتفاقيات والآليات لمنع مثل هذا التهريب والتحويل. علاوةً على ذلك، فهو يفهم أنه إذا كان يُريدُ بديلًا من حُكمِ “حماس” في غزة، فهو بحاجة إلى دولٍ عربية رئيسة –الإمارات العربية المتحدة ومصر وربما المغرب– للعمل مع الولايات المتحدة والجهات الفاعلة الأخرى لإنشاءِ إدارةٍ مؤقتة في غزة تتولّى مسؤولية الحُكم والأمن اليومي.

من جانبه، لا يُريدُ بايدن إنهاءَ الحرب فحسب. إنه يريد تغيير المسار السياسي للمنطقة – وهو هدفٌ يُلائمُ السعوديين، الذين يريدون أيضًا استخدامَ هذا الوقت للتوصّلِ إلى معاهدةِ دفاعٍ مع الولايات المتحدة، والتي يرونها بمثابةِ الرادع النهائي ضدّ إيران. يُدرِكُ القادة السعوديون أنَّ مثل هذه المعاهدة مُمكنة فقط إذا قامت الرياض بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

إنَّ مثلَ هذه المعاهدة تتطلّبُ 67 صوتًا للموافقة عليها في مجلس الشيوخ الأميركي، وهو ما قد يبدو مهمّة صعبة. ولكن مع التوقيت المناسب، سيكونُ ذلك مُمكنًا. إذا تمَّ التوصُّلُ إلى اتفاق التطبيع قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر)، فيُمكِنُ لمجلس الشيوخ أن ينظرَ فيه خلال دورته “العرجاء” في كانون الأول (ديسمبر). إذا فازت نائبة الرئيس كامالا هاريس، المُرشَّحة الديموقراطية، في الانتخابات، فسوف يستجيبُ الديموقراطيون لدعوة بايدن لدَعمِ التصديق، خصوصًا وأنَّ هذا هو آخرُ عملٍ رئيسي له كرئيسٍ للجمهورية. من جانبهم، فضّلَ الجمهوريون عمومًا فكرة حدوث اختراق مثل هذا ومن غير المرجح أن يعارضوه في تلك المرحلة إذا خسرَ مرشّحهم دونالد ترامب الانتخابات. بدلًا من ذلك، إذا فاز ترامب، فلن يكونَ لديه سببٌ يُذكَر للضغط على الجمهوريين لمعارضة المعاهدة، لأنَّ التطبيعَ بين إسرائيل والسعودية من شأنه أن يبني على اتفاقيات أبراهام الخاصة به ويفرضُ قيودًا على العلاقات الصينية-السعودية – وسيكون ترامب المستفيد من هذه النتائج. (علاوة على ذلك، من المرجح أن يُقنِعُ أعضاء مجلس الشيوخ المُقرَّبين من الرئيس السابق، مثل ليندسي غراهام، ترامب بأنَّ العداءَ الديموقراطي تجاهه وتجاه السعوديين من شأنه أن يجعلَ الموافقة على المعاهدة في رئاسة ترامب صعبة للغاية). كما إنَّ التوقيتَ يتماشى مع الحقائق السياسية الإسرائيلية. فالكنيست في عطلةٍ حتى بداية تشرين الثاني (نوفمبر)، وسيكونُ من الصعب للغاية إسقاط الحكومة عندما يكون الكنيست خارج الدورة. وهذا يعني أنه خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، سيكونُ لدى نتنياهو المساحة السياسية لاتّخاذِ قراراتٍ صعبة – قراراتٌ كان وزراء اليمين في حكومته الائتلافية، مثل إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، ليرفضوها لولا ذلك. (وقد أشار نتنياهو بالفعل إلى أنه لن يفعلَ ما يُريده هذان الوزيران، وهو إعادة احتلال غزة وبناء مستوطنات فيها).

في هذا المعنى، يعمل التقويم السياسي لصالحِ كلٍّ من الولايات المتحدة وإسرائيل: يُمكِنُ طرحُ الاتفاق الذي تمَّ التوصُّل إليه قبل الانتخابات الأميركية، أثناء عطلة الكنيست، للتصويت عليه في مجلس الشيوخ الأميركي بعد الانتخابات. ولكن بدونِ حَشدِ إدارةِ بايدن وتنظيم الآخرين لتولّي الأدوار اللازمة، فلن تنتهي الحرب، ولن تتحقّق صفقة التطبيع الإسرائيلية-السعودية.

ثمن السلام

لأسبابٍ عديدة، سيكون التطبيع السعودي مع إسرائيل بمثابةِ تغييرٍ لقواعد اللعبة في الشرق الأوسط. ستكونُ الدولة العربية السنّية الأكثر أهمية –التي يحمل عاهلها الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود اللقب الرسمي “خادم الحرمين الشريفين”– هي التي تَصنَعُ السلامَ مع إسرائيل. ومن شأنِ هذا أن يُقلّلَ من العنصر الديني في الصراع بين الدول ذات الغالبية المسلمة وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، من شأنِ التطبيع أن يُخرِجَ التعاونَ الاقتصادي والأمني ​​الإسرائيلي-السعودي الضمني من الظلّ، ويُعزّزُ تحالفًا إقليميًا لمواجهة إيران ووكلائها، ويَحُدُّ من محاولاتِ الصين لتعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي في المنطقة.

من الواضح أنَّ التطبيعَ من شأنه أن يخدُمَ المصالح الوطنية الأميركية. كما إنّهُ سيخدم المصالح الإسرائيلية. عندما استأنفَ نتنياهو السلطة في أواخر العام 2022، حَدّدَ معاهدة السلام مع المملكة العربية السعودية كأولوية قصوى، لأنها ستدمجُ إسرائيل في استراتيجيةٍ إقليميةٍ أوسع لمواجهة إيران ووكلائها. إنَّ تحقيقَ هذا الهدف الآن من شأنه أيضًا أن يسمحَ له باستعادةِ بعضِ رأسمالِ سمعته الذي فقده عندما هاجمت “حماس” إسرائيل في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. كما إنَّ التطبيعَ من شأنه أن يخدمَ المصالح السعودية. إنَّ معاهدةَ الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تُعزّزَ الأمن القومي السعودي، ما يسمح للمملكة بالتركيز على أولويتها الحقيقية: التحوُّل الاجتماعي والاقتصادي المُوَضَّح في رؤية 2030، وهي الخطة التي أعلنتها الرياض على نطاقٍ واسع لتحقيق الرخاء الاقتصادي والزعامة العالمية في مجال الطاقة المتجدّدة، والتي يرى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الزعيم الفعلي للبلاد، أنها المفتاح لمستقبلها.

على الرُغمِ من أنَّ بن سلمان يُريدُ معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة ويَفهَمُ أنَّ التطبيعَ مع إسرائيل شرطٌ أساسي لذلك، إلّا أنه لن يسعى إلى صفقةٍ لا تتناول الدولة الفلسطينية. قبلَ الحربِ التي شنّتها إسرائيل على غزة، ربما كانت المملكة لترضى بأقلِّ من هذا. ولكن مع تأجيج صور الموت والدمار للرأي العام العربي، ارتفع الثمن. ولكي توافق الرياض على تطبيع العلاقات مع إسرائيل الآن، يتعيَّن على القيادة السعودية أن ترى أنَّ خطواتٍ ذات مغزى تُتَّخَذُ في اتجاهِ إقامةِ دولةٍ فلسطينية.

بطبيعةِ الحال، بالنسبة إلى العديد من الإسرائيليين، أصبحَ احتمالُ قيام دولة فلسطينية أمرًا لا يُمكِنُ تصوّره بعد هجماتِ “حماس” في السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، حيث يخشون أن تُهَيمِنَ “حماس” على مثل هذه الدولة. ولهذا السبب، غيّرت إدارة بايدن الطريقة التي وصفت بها أهدافها، وتحوّلت بعيدًا من فكرةِ اتِّخاذِ خطواتٍ مُحَدَّدة زمنيًا لا رجعة فيها نحو إقامة دولة فلسطينية ونحو فكرة تطويرِ مسارٍ موثوقٍ به إلى إقامة دولة فلسطينية. في الوقت الحاضر، حتى هذه اللغة المُخفَّفة تبدو أنها غير مقبولة من نتنياهو.

إنَّ التوفيقَ بين المخاوف الإسرائيلية بشأن الدولة الفلسطينية والمخاوف السعودية بشأن مستقبل الفلسطينيين سيكون تحدّيًا كبيرًا. إذا كان نتنياهو سيتوصَّلُ إلى اتفاقٍ مع السعوديين، فيجب عليه أوّلًا إقناع نفسه، ثم الجمهور الإسرائيلي، بأنَّ تلبيةَ المطالب السعودية لن تُشكّلَ تهديدًا مُميتًا ووجوديًا لإسرائيل. ومن ثمَّ يجب عليه أن ينفصلَ عن اليمينيين المتطَرّفين في حكومته، مثل بن غفير وسموتريتش، الذين سيرفضون تلبية شروط المملكة العربية السعودية للتطبيع.

ما يجب على الفلسطينيين فعله

هناكَ طريقٌ إلى الأمام، لكنه يتطلّبُ من إدارة بايدن التركيز على الحقوق والمسؤوليات. يجب على الولايات المتحدة أن تعترفَ بالفلسطينيين كشعبٍ له الحق في تقرير المصير. لكنَّ هذا الحق ليس مُطلَقًا ولا تلقائيًا، لأنه يأتي معه التزامات. قبل أن تتمكّنَ الدولة الفلسطينية من تحقيقِ هدفها، يجب على السلطة الفلسطينية تلبية عدد من المعايير.

قد يبدو المعيارُ الأول واضحًا: لم يعد من الممكن أن تقومَ الدولة الفلسطينية على مقاومة إسرائيل بل على التعايُش معها. يجب على السلطة الفلسطينية التخلّي عن المقاومة المُسَلَّحة ورفض جميع الجماعات، بما في ذلك حركتَي “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، التي تُحدِّدها. يجب أن تتمتّعَ قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية باحتكارِ استخدام القوة داخل الأراضي الفلسطينية. طالما كانت هناك ميليشيات مستقلة مثل “حماس”، فلا يمكن أن تكون هناك دولة فلسطينية. يجب على السلطة الفلسطينية أيضًا إنهاء ممارستها المتمثّلة في دفع الرواتب والمزايا للفلسطينيين (ولأسر الفلسطينيين) الذين يهاجمون الإسرائيليين والموجودين في السجون الإسرائيلية بسبب أعمال العنف التي ارتكبوها. ويجب استبدال ممارسة “الدفع مقابل القتل” بنظامِ رعايةٍ اجتماعية يرتكزُ بشكلٍ صارم على الحاجة ولا يمنح المزيد من المال أو المعاملة التفضيلية لأقارب أولئك الذين يقضون عقوباتهم في السجون الإسرائيلية.

كما يتعيّن على السلطة الفلسطينية أن تعملَ على تجديدِ النظامِ التعليمي الفلسطيني للتركيز على تطوير المهارات اللازمة للتنافُس في القرن الحادي والعشرين، فضلًا عن تعزيز التسامح والتعايش. ويتعيَّنُ على إدارة بايدن أن تعملَ مع حكومتَي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين قامتا بتحويلِ وتحديثِ أنظمتهما التعليمية، لإنشاءِ مجلس خبراء للإشراف على إعادة كتابة الكتب المدرسية الفلسطينية. ويتعيّنُ على السلطة الفلسطينية أيضًا إصلاح مؤسّساتها القضائية والاقتصادية بهدفِ تعزيزِ سيادة القانون وشفافية عملياتها المالية والميزانية والاستثمارية. ويتعيَّنُ على الولايات المتحدة أن تعملَ مع الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وغيرهما من الجهاتِ لإنشاءِ مجلسٍ من الخبراء القانونيين والماليين المستقلّين للإشرافِ على الإصلاحاتِ وتقييم تقدُّمها. وأخيرًا، بعد فترةٍ انتقالية ربما تمتَدُّ لثلاث سنوات، يتعيَّنُ على الفلسطينيين إجراء انتخابات حرّة ونزيهة، مع السماح للسلطة الفلسطينية فقط بقبول الترشّح للمرشَّحين الذين نبذوا العنف صراحةً وأعلنوا التزامهم بالتعايش مع إسرائيل.

إنَّ الجدولَ الزمني لإقامة الدولة الفلسطينية لا بدَّ وأن يكونَ مَرِنًا، لأنَّ إتمامَها وإنشاءَها يتوقّف على وفاء السلطة الفلسطينية بهذه الالتزامات والإجراءات الرئيسة. ونادرًا ما اتّخذت السلطة الفلسطينية مثل هذه الإجراءات، إن لم تكن قد اتخذتها على الإطلاق. ولكن هذا يُشكّلُ سببًا إضافيًا لوضع هذه المعايير حتى يعرف الفلسطينيون ما ينبغي لهم أن يفعلوه. فإذا التزموا بهذه الأهداف، فسوف تنشأ الدولة الفلسطينية وفقًا لجدولٍ زمنيٍّ مُتَّفَقٌ عليه. ولكن إذا فشلوا في القيام بذلك، فلن تتحقّقَ هذه الغاية.

ما الذي يتعيَّن على الإسرائيليين فعله

إنَّ إسرائيل تتحمّل أيضًا مسؤوليات والتزامات. فهي لا تستطيع أن تَتَّخِذَ خطواتٍ تجعلُ إقامة الدولة الفلسطينية أكثر صعوبة أو مستحيلة، مثل الاستيلاء على المزيد من الأراضي لتوسيع المستوطنات. علاوةً على ذلك، لا بُدَّ وأن تتوقّفَ عمليةُ نموِّ المستوطنات إلى الخارج، ولا بُدَّ وأن يتمَّ تفكيكُ البؤرِ الاستيطانية غير المُرَخَّصة ـ وليس إضفاء الشرعية عليها. لقد حان الوقت الآن لكي تُوَضِّحَ الحكومة الإسرائيلية أنها لن تتسامَحَ مع العنفِ الذي يمارسه المستوطنون المُتَطَرِّفون ضد الفلسطينيين.

وبعيدًا من إنهاء الأعمال المُصَمَّمة لمَنعِ أو استباقِ قيام دولة فلسطينية مُحتَملة، لا بُدَّ وأن تتّخِذَ إسرائيل عددًا من الخطوات العملية لتعزيز قدرة السلطة الفلسطينية على العملِ والحُكمِ بشكلٍ أكثر فعالية. يتعيَّنُ على إسرائيل أن تتوقّفَ عن حجبِ عائداتِ الضرائب التي تجمعها لصالح السلطة الفلسطينية؛ والسماح بتوسيعِ البنية التحتية للطرق والمياه في الضفة الغربية؛ وتقليصِ نقاطِ التفتيش لتسهيل حركة الفلسطينيين؛ وفتح ما يعرف بالمنطقة (ج)، والتي تشكل حوالي 60٪ من الضفة الغربية، للشركات الفلسطينية للعمل والاستثمار فيها؛ والسماح ببيع المنتجات مثل الأدوية والطماطم من الضفة الغربية في إسرائيل إذا كانت تُلبّي المعايير الإسرائيلية.

ورُغمَ أنَّ المزيدَ من التواصُل الإقليمي سوف يكونُ ضروريًا في نهاية المطاف لإقامةِ دولةٍ فلسطينية في المستقبل، فإنَّ الإسرائيليين، ومن المفهوم، لن يوافقوا عليه حتى تتحرّك السلطة الفلسطينية بفعالية ضد تلك الجماعات التي تُنفّذُ الإرهاب والعنف ضد الإسرائيليين. ولكن للقيام بذلك، تحتاجُ قوات الأمن الفلسطينية إلى قدرٍ أعظم من الشرعية ــ ومن المرجح أن يأتي هذا فقط عندما يعتقد الفلسطينيون أنَّ السلطة الفلسطينية تُحقّقُ تقدُّمًا في مجالِ الحُكمِ وبناء الدولة ــ وليس مجرد العمل كمُتَعاقِدٍ أمنيٍّ لإسرائيل. ويُمكِنُ لهذا التصوُّر أن يترسَّخَ بمرورِ الوقت، شريطةَ أن تُنظِّفَ السلطة الفلسطينية أفعالها وأن تعملَ إسرائيل على تمكين السلطة بدلًا من تقويضها.

قد يبدو كلُّ هذا خياليًا الآن. وحقيقةُ أنَّ الإسرائيليين والفلسطينيين لم يتصرَّفوا بهذه الطريقة أو يتّخذوا مثل هذه الخطوات هي شهادةٌ على الثمن السياسي وردود الفعل العنيفة التي يخشونها لقيامهم بذلك. ولكن التطبيع الإسرائيلي-السعودي من شأنه أن يُغيِّرَ المعادلة لكلا الجانبين. فبالنسبة إلى الإسرائيليين، هناكَ وَعدٌ بتحالُفٍ حقيقي ضد “محور المقاومة” الإيراني من شأنه أن يُحَوِّلَ المشهدَ الإقليمي. وبالنسبة إلى الفلسطينيين، هناك وَعدٌ بإقامةِ دولة.

ما يجب على الدول العربية فعله

سوف تتطلّبُ مثلُ هذه العملية من إدارةِ بايدن جُهدًا مُكثَّفا ومُنَظَّمًا ومُنَسَّقًا لتنظيمها وتوجيهها في الأشهر الستة الأخيرة. إنَّ الدولَ العربية، وخصوصًا “الخماسية العربية” –مصر والإمارات والأردن وقطر والسعودية– لها دورٌ خاص تلعبه. سوف يُقاوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتخاذ الخطوات اللازمة حتى بشكلٍ تدريجي إذا كانت واشنطن هي الوحيدة التي تدفعه إلى القيام بذلك. ومن المُرَجَّح أن يتصرَّفَ بشكلٍ إيجابي إذا ضغطت عليه “الخماسية العربية” كمجموعةٍ وبصوتٍ واحد. لا توجَدُ سابقةٌ كبيرة ل”الخماسية العربية” التي تُفيدُ بانها تصرّفت بهذه الطريقة المُنَسَّقة وبرسالةٍ جماعيةٍ صريحة، ولن يحدثَ ذلك ما لم تفهم جميعها أنه إذا لم تفعل ذلك، فإنَّ واشنطن لا تستطيع ولن تلعبَ الدورَ الذي تُريدها أن تلعبه. سوف تتوقع “الخماسية العربية” من الولايات المتحدة أن تضغط على نتنياهو، وسيكون ذلك ضروريًا. لكنَّ المُفارقة هي أنه كلّما زادت قدرة واشنطن على الإشارة إلى تحرُّكاتٍ عربية وفلسطينية نحو التوصُّلِ إلى اتفاق، زادَ النفوذ الذي يتمتّعُ به بايدن على نتنياهو. ومع ذلك، فإنَّ المصدرَ الأعظم للضغطِ الأميركي سوف يأتي من القدرة على طرحِ الحاجة إلى اتِّخاذِ خيارٍ أمام نتنياهو: التطبيع مع المملكة العربية السعودية وكل ما يعنيه ذلك من استراتيجية فعّالة تجاه إيران ووكلائها، أو التخلّي عن فرصته في تحويل المنطقة ومكانة إسرائيل فيها ــ وهو ما من شأنه أن يجعل هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر) إرثه الدائم.

قد يعترِضُ البعضُ بأنَّ مثلَ هذه الخطط مُعَقَّدةٌ للغاية وأنَّ أفضلَ ما يُمكِنُ أن نأمله هو صفقةُ رهائن تضعُ حدًّا للحرب. قد يكونُ هؤلاء على حقّ. لكن إذا لم تَسعَ واشنطن إلى تحقيقِ هدفٍ أكثر طموحًا، فلن يمرَّ وقتٌ طويل قبل أن تعودَ المنطقة إلى الوضع الراهن قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، والأطراف الوحيدة التي ستستفيد وتخدم هذه النتيجة مصالحها هي إيران ووكلاؤها.

هذه هي اللحظة المُناسبة لتغيير مسار المنطقة. لن يأتي السلامُ بين عشية وضحاها، لكن إدارة بايدن يمكنها أن ترسُمَ مسارًا مختلفًا. لا أحدَ يستطيعُ التراجع عن مأساة الأشهر العشرة الماضية. لكنَّ النهجَ الأفضل، الذي يؤكّدُ على حقوقِ ومسؤوليات جميع الأطراف، يُمكِنُ أن يبدأَ فصلًا جديدًا في الشرق الأوسط. في الأيامِ المُتَبَقِّيةِ له في منصبه، يجب على بايدن اغتنام الفرصة.

  • دينيس روس هو مستشارٌ في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى وأستاذ في جامعة جورج تاون. كان مبعوثًا رئاسيًا أميركيًا سابقًا إلى الشرق الأوسط، وشغل مناصب عُليا في مجال الأمن القومي في إدارات رونالد ريغان، وجورج بوش الإبن، وبيل كلينتون، وباراك أوباما.
  • يَصدُرُ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين أفّيرز” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى