ندرةُ المياه تُهَدِّدُ الاستقرارَ في المغرب العربي

اعتادت السلطات الإقليمية في شمال أفريقيا على إسكاتِ المُعارضين السياسيين والمُنتقدين، وسجنهم في كثيرٍ من الأحيان بتُهَمٍ مُلفّقة. لكن غضبَ مُدنٍ وأحياءٍ بأكملها مليئة بالعطشى سيكونُ أمرًا لا يُمكنُ إخفاؤه وبالتالي إيقاف تداعياته.

قناة مائية لسد مجردة تجف بسبب قلة هطول الأمطار، في تونس العاصمة، تونس، 27 كانون الأول/ديسمبر 2022.

فرانسيسكو سيرانو*

في حزيران (يونيو) الفائت، قرّرَ سكان “تيارت”، وهي بلدة صغيرة تقع في منطقة الهضبة العالية الداخلية غرب الجزائر، التعبيرَ عن استيائهم. بعدَ انقطاعِ إمداداتِ المياه عن البلدة لأسابيع، تظاهرَ مئاتُ الأشخاص أمام مبنى إداري محلي. وفي أجزاءٍ أُخرى من تيارت، قام بعضُ المتظاهرين بإغلاق الطرق بالإطارات المشتعلة.

جاءت هذه الانقطاعات بسبب نقصِ المياه في سدّ “بخدة” القريب. لكن الاحتجاجات اندلعت بسببِ وعودٍ لم تُنفّذها السلطات، التي تعهّدت بحلِّ المشكلة قبل شهر رمضان وفشلت في القيام بذلك. وفي مواجهة نقص المياه، اضطرَّ بعضُ سكان تيارت إلى تأجيل ذبح الأغنام التقليدي بمناسبة الاحتفال بالعيد الديني.

إنَّ نقصَ المياه المحلّي ليس جديدًا في الجزائر. ففي صيف العام 2021، على سبيل المثال، عانت الجزائر العاصمة، التي تقعُ على بُعدِ 165 ميلًا شمال تيارت، من انقطاعِ المياه بسببِ الجفاف. ردًّا على ذلك، قامَ السكان الغاضبون بإغلاقِ الطريق المؤدّي إلى المطار مؤقتًا بإطاراتٍ مُشتعلة احتجاجًا على أسابيع من التقنين في المدينة.

علاوةً على ذلك، فإنَّ الجزائر ليست الدولة الوحيدة في المنطقة المُتَضَرِّرة من ندرةِ المياه. ومع تعرُّضِ حوض البحر الأبيض المتوسّط ​​بأكمله لدرجاتِ حرارةٍ مُرتفعة بشكلٍ تدريجي وطقسٍ أكثر جفافًا، فإنَّ السكانَ في جميع أنحاء المنطقة يشهدون انقلابَ سُبُلِ عيشهم رأسًا على عقب.

في بعضِ قرى المناطق النائية في وسط المغرب، يتخلّى مزارعون كُثُر عن الزراعة وينتقلون إلى المراكز الحضرية المجاورة لأنَّ الجفاف الذي دام ست سنوات جعل الزراعة غير قابلة للاستمرار.

في آذار (مارس) 2023، قامت السلطات التونسية بقَطعٍ غير مُعلَن لإمدادات المياه ليلًا في العاصمة تونس، وكذلك في المدن الساحلية مثل الحمامات وسوسة وصفاقس والمنستير.

وتواجهُ ليبيا المجاورة أيضًا نقصًا مُتفاقِمًا في المياه. لقد اعتمدت البلاد تقليديًا على مستودعات المياه القديمة تحت الصحراء الكبرى، فضلًا عن تحلية المياه، لإرواء عطش مواطنيها البالغ عددهم 7 ملايين نسمة. لكن الحرب والاضطرابات السياسية أدّتا إلى تسريع تدهور البنية التحتية للمياه.

في الجزائر والمغرب وتونس وليبيا، يغلي السخطُ الاجتماعي حول توافر المياه تحت الرماد، في حين أنه لم ينفجر حتى الآن في شكلِ احتجاجات. إنَّ البلدان الأربعة تعيش الآن بالقرب من أو أقل من ندرة المياه المُطلَقة، والتي تُحدّدها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بأقل من 500 متر مكعب من المياه المُتاحة للفرد سنويًا.

يُشَكّلُ النقصُ المُتزايد في المياه نذيرًا بعدم الاستقرار في المستقبل. من نواحٍ عديدة، هناكَ سابقةٌ تاريخية لما يُحتَمَل أن يحدث: أعمال الشغب المتعلقة بالخبز التي هزّت الأنظمة في المنطقة بشكلٍ دوري على مدى العقود القليلة الماضية في كلِّ مرة ترتفع فيها أسعار المواد الغذائية.

حتى الآن، فشلت الاحتجاجات حول هذه القضية في توحيد السكان ضد حكوماتهم. يقول نبيل خرباش، المتخصص في المحاسبة الدولية للمياه في جامعة بجاية في الجزائر ل”أسواق العرب”: “إنها مشكلةٌ وطنية جذبت انتباه السلطات”. وأضاف: “لكن في بعض القرى الصغيرة، لا تصلُ المشكلة إلى وسائل الإعلام الوطنية، حتى لو كان الناس يقطعون الطرق أحيانًا لجذب انتباه الحكومة”.

هناكَ، بطبيعة الحال، اختلافاتٌ بالغة الأهمية بين انتفاضاتِ الخبز في الماضي والاضطرابات المُحتَملة بشأن الوصول إلى المياه. أحدها يتمثّل بوتيرة الأزمات المَعنية. في تونس ومصر والمغرب ولبنان، واجهت الحكوماتُ احتجاجاتٍ عامة فورية في كل مرة حاولت فيها خفض الدعم عن الخبز وغيره من السلع الأساسية.

على النقيضِ من ذلك، فإنَّ أزمةَ المياه هي أزمةٌ بطيئة الحركة. كما إنها أكثر انتشارًا. في الوقت الحالي، كانت الاحتجاجات المُتعلّقة بالمياه في شمال أفريقيا كلّها محلية. ولكن مع تضاؤلِ ​​الإمدادات عبر أجزاءٍ مختلفة من هذه البلدان، فمن المؤكد تقريبًا أن تظهرَ موجةٌ كبيرة من السخط.

إنَّ حلَّ مشكلة ندرة المياه أيضًا هو أصعب. في مواجهةِ ردودِ الفعل العنيفة ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية، اختارت الحكومات في كثيرٍ من الأحيان المسار الأقل مقاومة، والتراجع عن خفضِ الدعم لاستعادة السلام، وغالبًا بعد أعمالِ شغبٍ وقَمعٍ من قبل قوات الأمن التي كانت تُخلِّفُ بالفعل العديد من القتلى. لكن بما أنَّ تضاؤلَ ​​الوصول إلى المياه يؤثّرُ في أجزاءٍ مُتعدّدة من هذه البلدان، فإنَّ الحلولَ الشاملة أكثر تكلفة وتعقيدًا في التنفيذ. وذلك لأنَّ نوعَ المشاريع المطلوبة للتخفيف من نقص المياه –بما في ذلك السدود ومحطّات تحلية المياه وشبكات نقل المياه وتوزيعها– يتطلّبُ استثماراتٍ ضخمة ويمكنُ أن يستغرقَ تنفيذه سنوات. والحكومات تتسابق أصلًا مع الزمن لبناء هذه البنية التحتية الحيوية.

هذه المشاريع الواسعةُ النطاق لا تُشكّلُ محاولة جدية سريعة لمنع الموجة التالية من الاضطرابات الشعبية. وإلى أن يتمَّ تحسين البنية التحتية للمياه، فإنَّ بلدان المنطقة ستشهد تآكل اقتصاداتها مع كل موجة جفاف. وإلى جانب تفاقُم الظروف المعيشية اليومية لآلاف الأشخاص، تؤدّي ندرة المياه إلى فقدان الوظائف وزيادة الواردات الغذائية –وخصوصًا الحبوب– وتدهورٍ عام في الخدمات العامة والظروف الصحّية.

الجزائر

في الجزائر، تُشيرُ تقديرات البنك الدولي إلى أنَّ الافتقارَ إلى ظروف المياه والصرف الصحي الملائمة يؤدّي إلى خسارةٍ تُعادل 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي كل عام. وقد قامت السلطات الجزائرية على عجلٍ ببناءِ محطاتٍ جديدة لتحلية المياه على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​في البلاد، على أمل استخدام مياه البحر المُحلّاة لتوفير غالبية مياه الشرب من أجلِ تحريرِ المياه التي تحتجزها السدود لقطاع الزراعة، والذي يصل إلى 13 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفقًا لشركة الطاقة الجزائرية، –الشركة المملوكة للدولة والمسؤولة عن برنامج تحلية المياه في البلاد– كانت لدى البلاد 14 محطة تحلية مياه عاملة تُنتجُ 2.1 مليوني متر مكعب من المياه يوميًا في نهاية العام 2023. وهناكَ خمسُ وحداتٍ جديدة قيد البناء، والحكومة لديها خططٌ لبناءِ ستّ وحدات إضافية. والهدفُ هو أن توفّرَ تحليةُ المياه 60% من المياه الصالحة للشرب في البلاد بحلول العام 2030، وسينتج أسطول المحطات ما مجموعه 5.6 ملايين متر مكعب من المياه يوميًا بحلول ذلك الوقت.

يقول خرباش، المُتخصّص في محاسبة المياه: “تقوم الحكومة ببناء محطات تحلية مياه واسعة النطاق بطاقةٍ إنتاجية تصل إلى 300 ألف متر مكعب يوميًا لتزويد الساحل وعمق 150 كيلومترًا في مناطق الهضاب المرتفعة”. وأضاف: “ستُعطى الأولوية للمدن الكبرى، لأنَّ خطرَ عدم الاستقرار الاجتماعي سيكون أعظم فيها”.

وتقوم الجزائر أيضًا ببناءِ سدودٍ جديدة وتحسين البنية التحتية الأخرى للمياه للاستفادة من الموارد المائية. بشكلٍ عام، من المتوقع أن تُكلّفَ خطة إدارة المياه للعَقدِ المُمتد من 2021 إلى 2030 ما يصل إلى 4.5 مليارات دولار.

وسيؤثُّر الوصول إلى المياه أيضًا في إنتاج الغذاء. تعتمد الجزائر بشكلٍ كبير على الواردات الغذائية وهي واحدة من أكبر مشتري الحبوب في الأسواق الدولية في العالم. في العام 2024، تُخطّطُ لاستيرادِ رقمٍ قياسي قدره 14 مليون طن من الحبوب لتلبية احتياجاتها، مما يزيد الإنتاج المحلي الذي لن يتجاوز 3.5 ملايين طن هذا العام، وفقًا للأرقام التي قدمتها منظمة الأغذية والزراعة.

ولتعزيز إنتاج الحبوب، تعمل السلطات الجزائرية على توسيع نطاق الري في مناطق الصحراء الكبرى في جنوب البلاد. لكن، بحسب خرباش، هناكَ سلبيات لهذه الخطة، لأنها “ستستخدم موارد المياه الجوفية التي لا يمكن تجديدها بسهولة”.

المغرب

بدوره، يواجه المغرب أيضًا ضعفًا وانخفاضًا مُتزايدًا في محاصيل الحبوب بسبب انخفاض هطول الأمطار. تتمتّعُ البلاد حاليًا بـ600 متر مكعب من المياه المتاحة للفرد سنويًا. لكن البنك الدولي يتوقّع أن ينخفض ​​هذا الرقم إلى 500 متر مكعب بحلول العام 2050. وهذا العام، ستحتاج المملكة إلى استيراد حوالي 10 ملايين طن من الحبوب، ارتفاعًا من متوسطٍ ​​سنوي قدره 8 ملايين طن خلال الفترة 2018-2022.

لا يُمكِنُ فصلُ النقاش حول ندرة المياه في المغرب عن المناقشات حول ملف صادرات البلاد. على مرِّ السنين، طوّرت المملكة قطاعًا زراعيًا ذا قيمةٍ مُضافة عالية، حيث قامت ببيع الفواكه والخضروات للمستهلكين في أوروبا ومناطق أخرى. بلغت صادرات الصناعات الزراعية 8.5 مليارات دولار في العام 2023.

لكنَّ العديدَ من هذه المحاصيل يستهلكُ كمياتٍ كبيرة من المياه. ويجب على المغرب والدول الأخرى في المنطقة الآن الأخذ بعين الاعتبار مقايضاتٍ ينطوي عليها تطوير قطاعاتٍ من القطاع الزراعي والتي ترقى في الواقع إلى تصدير موارد مائية قيِّمة.

ويقول جادري، الخبير الاقتصادي: “من المرجح أن يدفع ذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى الانخفاض إلى 2.8% على الأكثر. في العام الفائت، خسر [المغرب] 297 ألف وظيفة بسبب الجفاف إلى حدٍّ كبير. وهذا العام سوف يفقد وظائف مرة أخرى”.

تونس

وتكافح تونس أيضًا لتحقيق التوازن بين احتياجات سكانها من المياه ومتطلبات قطاعها الزراعي. وتستهلك الزراعة 80% من موارد المياه في البلاد، ويتم توجيه جُزء كبير منها إلى محاصيل التصدير كثيفة الاستخدام للمياه مثل الخسّ والفراولة. ولكن هذا يُقلّلُ من توافر المياه للعديد من المجتمعات. في صيف العام 2022، قام سكان بلدة إجميل الواقعة شمال تونس، بإغلاق طريق رئيس في المنطقة احتجاجًا على انقطاع مياه الشرب.

تمتلك تونس حاليًا توافرًا سنويًا للمياه يبلغ 450 مترًا مُكعبًا للفرد، ولكن من المتوقع أن ينخفض ​​ذلك إلى 350 مترًا مكعّبًا بحلول العام 2030، وفقًا لتوقعات الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه. ووفقًا للبنك الدولي، قد تُكلّف حالات الجفاف تونس 1.3 مليار دولار سنويًا بحلول نهاية هذا العقد.

لمواجهة هذه التوقعات، ستعتمد تونس بشكلٍ كبير على تحلية المياه. بدأت أول محطة لتحلية المياه في البلاد العمل في جزيرة جربة في العام 2018. وتم افتتاح محطة ثانية في أوائل تموز (يوليو)، بالقرب من مدينة قابس الجنوبية. ومن المتوقع الانتهاء من وحدتَين أخريين لتحلية المياه قبل نهاية العام 2024 في مدينتَي صفاقس وسوسة الساحليتين.

وتقومُ تونس أيضًا ببناء أربعة سدود جديدة لإضافتها إلى شبكتها الحالية المُكوَّنة من 36 سدًا. وفي منتصف تموز (يوليو)، بلغت سعة سدود البلاد 18%، مما يُبشّر بصيفٍ صعب. قد يبدو من قبيل المفارقة الاستثمار في السدود الجديدة، التي تعتمد على الاستيلاء على الموارد المائية من هطول الأمطار، حيث أصبحت أنماط هطول الأمطار أكثر اضطرابًا. ولكن بما أنَّ تغيّر المناخ يقلبُ القدرة على التنبّؤ بالطقس رأسًا على عقب في تونس والمغرب والجزائر وليبيا، فإنه يزيد أيضًا من احتمال حدوث فيضانات مفاجئة. وسيكون الاستيلاء على بعض هذه الموارد المائية ونقلها إلى المناطق التي تعاني من ندرة المياه أمرًا بالغ الأهمية لدعم الزراعة.

ليبيا

مع ذلك، في ليبيا، تُرك مشروع بالغ الأهمية لنقل المياه المعروف باسم مشروع النهر الصناعي العظيم ليتحلّل. تمَّ إطلاقُ المشروع الضخم الذي بلغت تكاليف إنشائه 25 مليار دولار في التسعينيات الفائتة من قبل الديكتاتور السابق معمر القذافي لنقل المياه من طبقات المياه الجوفية في جنوب البلاد لتزويد المراكز الحضرية في الشمال. وعلى الرُغم من نطاقه الكبير، الذي تضمّنَ استخدامَ 600 ألف أنبوب لنقل ما يصل إلى 6.5 ملايين متر مكعب من المياه يوميًا عبر أكثر من 2500 ميل، إلّا أنَّ المشروع لم يكتمل أبدًا. وقد تعرّضَ ما تبقّى منه لأضرارٍ بالغة خلال أكثر من عقد من الصراع المسلح منذ الثورة الليبية التي أطاحت القذافي في العام 2011.

كما أثَّر نقصُ الصيانة أيضًا على شبكة محطات تحلية المياه في ليبيا، والتي لا يمكنها سوى إنتاج ما يقرب من 500 ألف متر مكعب من المياه يوميًا، وهو ما يعادل 5 في المئة من احتياجات الأُسَر. وعلى الرُغم من أنَّ البلاد بحاجة ماسة إلى استثماراتٍ جديدة في استراتيجيةٍ شاملة لهذا القطاع، فمن غير المُرَجَّح أن يتحقّقَ ذلك في المدى القصير بسبب التوتّرات المستمرّة بين الحكومتين المتنافستين في ليبيا والميليشيات المسلّحة المختلفة التي تسيطرُ على أجزاءٍ مختلفة من البلاد.

مع وصولِ نصيب الفرد من المياه إلى حوالي 105 أمتار مكعبة سنويًا، تُعَدُّ ليبيا بالفعل واحدة من أكثر البلدان التي تُعاني من نقص المياه في العالم. وبما أنَّ المياه أصبحت مَورِدًا آخر يستحق القتال من أجله، فإنَّ أزمةَ ندرة المياه المستمرّة ستكون سببًا مُحتَمَلًا آخر لتجدّد الصراع المسلح.

لكن حتى بالنسبة إلى البلدان التي تستثمر أصلًا في البنية التحتية الجديدة، فإنَّ مشاريع المياه سوف تحمل مخاطر سياسية تتجاوز بكثير أعباءها المالية الحالية على الموازنات الوطنية. وتحليةُ المياه هي عملية كثيفة الاستهلاك للطاقة وغالبًا ما تؤدّي إلى مضاعفة تكلفة إنتاج المياه ثلاث مرات. وبما أنَّ هذه الطريقة أصبحت الطريقة المفضلة لدول شمال أفريقيا لإنتاج كمياتٍ أكبر من مياه الشرب، فسوف يتعيّنُ على الحكومات أن تُقرّرَ ما إذا كانت ستدعم التكاليف المرتفعة أو تنقلها إلى المستهلكين.

وباعتبارها دولة مصدرة للنفط والغاز، قد تكون الجزائر قادرة على حماية سكانها من ارتفاع الأسعار من خلال الإعانات، ولكن فقط طالما ظلت الأسعار العالمية للمواد الهيدروكربونية مرتفعة. وبالنسبة إلى المغرب وتونس، اللتين تفتقران إلى موارد الطاقة التي تتمتع بها جارتهما، فإنَّ ارتفاع أسعار المياه سيأتي عاجلًا وليس آجلًا، مما يضع السكان الضعفاء تحت ضغطٍ إضافي ويخاطر بالاستياء الاجتماعي.

الواقع أنَّ أزمةَ المياه المُتَكَشّفة بدأت تشقُّ طريقها بالفعل إلى السياسة، وخصوصًا في الجزائر وتونس، اللتين من المقرّر أن تعقدا انتخابات رئاسية هذا الخريف. وسوف يرغب قادتهما في تجنُّب زيادة السخط الشعبي المتصاعد من خلال التخفيضات الإضافية في إمدادات المياه. ومع ذلك، لا يزال كلا البلدين يواجهان الجفاف في العام 2024.

مع تسليط وسائل الإعلام التقليدية الضوء ببطء على مدى إلحاح المشكلة، فمن المتوقع أن تستمرَّ وسائل التواصل الاجتماعي في تضخيم القضية وحشد العمل الشعبي. لقد وصلت الاحتجاجات على نقص المياه في بلدة “تيارت”، في حزيران (يونيو)، إلى جمهور أوسع بعد تحميل مقاطع فيديو لها على موقع “X”، شبكة التواصل الاجتماعي المعروفة سابقًا باسم تويتر.

ردًّا على الاحتجاجات في ذلك الوقت، أرسل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون –الذي من المتوقع أن يفوز بإعادة انتخابه في انتخابات رئاسية مُدارة على مراحل في أيلول (سبتمبر)– وزيرَي الداخلية والموارد المائية إلى “تيارت”. وسرعان ما وضعا اللوم في أزمة المياه على المسؤولين المحليين وقاما بطردهم. وبدأت الحكومة أيضًا توصيل المياه إلى المدينة باستخدام شاحنات المياه، إلى أن يتمَّ الانتهاء من بناء خط أنابيب المياه الذي يربط “تيارت” بسدٍّ يقع على بُعدِ 12 ميلًا.

وفي الشهر نفسه، قام الرئيس التونسي قيس سعيِّد بزيارة ليلية غير مُعلنة إلى حي المنارة على مشارف العاصمة تونس، بعد أن نَشَرَ مستخدمو الإنترنت مقطع فيديو لأنبوبٍ مكسورٍ، تابعٍ لمؤسسة المياه الحكومية “الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه”، يسكبُ تدفُّقًا مُهدَرًا من المياه على أحد السدود. وعقب الزيارة، أقال سعيّد المدير المحلي للشركة وأمر السلطات بالتحقيق في الأنبوب المكسور.

مع تحوُّلِ شمال أفريقيا إلى منطقةٍ أكثر دفئًا وجفافًا، فإنَّ تخفيفَ آثار الإجهاد المائي سوف يكون جُهدًا طويل الأمد. في غضون ذلك،  من المتوقع أن تعتمد الحكومات على حلولٍ مؤقتة، مع إلقاء اللوم على المسؤولين من المستوى المتوسط، مع استمرارِ السكان في الاحتجاج على عدم القدرة على الوصول إلى ضرورةٍ حياتية أساسية.

لكن هذا لن يكونَ كافيًا لمنع أزمة المياه من أن تُصبحَ عاملًا آخر يُغذّي “سياسة الشارع” في شمال أفريقيا. لقد اعتادت السلطات الإقليمية على إسكات المعارضين السياسيين والمنتقدين، وسجنهم في كثير من الأحيان بتُهَمٍ مُلفّقة. لكن غضبَ مدنٍ وأحياءٍ بأكملها مليئة بالعطشى سيكون من المستحيل إخفاؤه وبالتالي إيقاف تداعياته.

  • فرانسيسكو سيرانو هو صحافي وكاتب ومحلل سياسي برتغالي يُركّز أبحاثه على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. نشر كتبًا عدة كان آخرها بعنوان “أنقاضُ عقد” (As Ruínas da Década) حول الشرق الأوسط في العقد الذي أعقب الثورات الشعبية في العام 2011، والذي نُشِرَ في العام 2022.
  • كُتِبَ المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى