4 سيناريوهات للحرب الإسرائيلية-اللبنانية
الدكتور حسن الدعجة*
قد تتصاعدُ التوتّرات بين إسرائيل ولبنان إلى مواجهةٍ عسكريةٍ مفتوحة هذا العام، حيث تلوحُ في الأُفقِ عواملَ محلّية وإقليمية عدّة قد تُثيرُ وتُصعّدُ الصراع. وتختلف السيناريوهات المحتملة لهذه الحرب بحسب التطوّرات السياسية والعسكرية في المنطقة. وفي ما يلي نقدّمُ تحليلًا لأربعة سيناريوهات رئيسة.
السيناريو الأول: مواجهةٌ قصيرةُ المدى ومحدودة. المواجهة في هذا السيناريو تبدأ بمواجهةٍ محدودةٍ بين القوات الإسرائيلية و”حزب الله” اللبناني على الحدود الجنوبية للبنان. وقد تندلِعُ هذه المُواجَهة بسببِ هجومٍ عبر الحدود أو عمليةٍ عسكرية إسرائيلية تستهدف مواقع “حزب الله” داخل لبنان. في هذا السياق، ستُحاوِلُ إسرائيل تجنُّبَ توسيع نطاقِ الحرب والتركيزِ على تحقيقِ أهدافٍ عسكرية محدودة، مثل تدمير مستودعات الأسلحة ومواقع إطلاق الصواريخ. ومن جانبه، قد يردُّ “حزب الله” بطريقةٍ محدودة على الهجمات الإسرائيلية لتجنُّبِ المزيد من التصعيد.
السيناريو الثاني: تصعيدٌ على مدى متوسط. في هذا السيناريو، تتصاعَدُ المواجهة لتشمل عمليات عسكرية أوسع. وقد يتّسِعُ الصراعُ ليشمل ضربات جوية وبحرية مُكَثَّفة ضدّ مواقع “حزب الله” وبُنيته التحتية في لبنان، بينما يستهدفُ “حزب الله” البنية التحتية داخل إسرائيل. وسوف يُركز الجيش الإسرائيلي على إضعاف قدرة “حزب الله” على شنِّ هجماتٍ صاروخية واسعة النطاق على المُدُن الإسرائيلية. وقد تستهدف الضربات الإسرائيلية أيضًا اتصالات “حزب الله” وشبكات القيادة والسيطرة التابعة له. في المقابل، سوف يردّ “حزب الله” بإطلاق الصواريخ على المدن والبلدات الإسرائيلية، الأمر الذي يمكُنُ أن يتسبَّبَ في خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات وتدمير البنية التحتية على كلا الجانبين.
السيناريو الثالث: حربٌ شاملة. يتحوّلُ الصراعُ في هذا السيناريو إلى حربٍ شاملة بين إسرائيل و”حزب الله”، حيث تتدخّلُ القوات البرية الإسرائيلية في جنوب لبنان في محاولةٍ لتدمير قدرات “حزب الله” القتالية إلى الأبد. وقد تشمُلُ العمليات العسكرية هجماتٍ برية وجوية وبحرية واسعة النطاق، مع التركيزِ على تدميرِ أنفاقِ “حزب الله” ومخابئه ومواقع قيادته. وسيواجه الجيش الإسرائيلي مقاومةً شرسة من مقاتلي “حزب الله”، الأمر الذي سيؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف الجانبين. بالإضافة إلى ذلك، سيتمُّ استهدافُ البنية التحتية الحيوية في كلٍّ من لبنان وإسرائيل، مما يزيد من حجم الدمار والمُعاناة الإنسانية. وفي هذا السيناريو، قد تتدخّلُ دولٌ أخرى في الصراع، سواء بدعمٍ لوجِستي أو ديبلوماسي لكلٍّ من الطرفين، مما يزيدُ من تعقيد الصراع.
السيناريو الرابع: حلٌّ سياسي. في هذا السيناريو، توافِقُ الأطراف المعنية بالحرب بين لبنان وإسرائيل على الدخول في مفاوضاتٍ بوساطة دولية، مثل الأمم المتحدة أو دول مؤثرة مثل فرنسا والولايات المتحدة، بهدفِ التوصُّلِ إلى حلٍّ شامل يتضمّنُ وقفَ الحرب على غزة. وتبدأ المفاوضات بوقفٍ مُتبادَل لإطلاق النار على كافة الجبهات والالتزام بعدم التصعيد.
ويتمُّ تشكيلُ لجانٍ مشتركة لبحث القضايا الخلافية، مثل نزع السلاح في المناطق الحدودية وإعادة إعمار المناطق المتضرِّرة في لبنان وغزة. وتسعى الوساطة الدولية إلى تقديمِ حوافز اقتصادية ودَعمٍ لإعادة الإعمار، مع ضماناتٍ أمنية للجانبين. وتشمل خطوات التنفيذ الملموسة تبادل الأسرى والسماح بوصول المساعدات الإنسانية.
من خلال بناء الثقة نتيجةً لهذه الإجراءات، يمكنُ تحقيقُ سلامٍ دائم يُعزّزُ الاستقرارَ في المنطقة. ويهدفُ هذا السيناريو إلى إنهاءِ الصراعات من خلال التنازُلات والتسويات المُتبادَلة، وبالتالي المساهمة في تحقيق الاستقرار طويل الأمد في لبنان وغزة.
لكن هناك عوامل مؤثّرة في هذه السيناريوهات، من بينها أنَّ موقفَ الدول الإقليمية والدولية سيؤثّرُ بشكلٍ كبيرٍ في مسارِ الحرب. وقد تتلقّى إسرائيل دعمًّا من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى، فيما قد يتلقى “حزب الله” دعمًا من إيران وأذرعها في سوريا واليمن والعراق.
سوف يؤثّرُ الوضعُ السياسي والاقتصادي الهشّ في لبنان أيضًا في قدرة البلاد على الصمود في وجه صراعٍ طويل الأمد. وقد يؤدّي اندلاعُ الحرب إلى زيادة الانقسامات الداخلية وتفاقُمِ الأوضاع الإنسانية والاقتصادية.
من جهتها، ستُحاوِلُ القوى الكبرى التدخُّلَ ديبلوماسيًا لوقفِ التصعيد ومنعِ اندلاعِ حربٍ شاملة. وقد تُساهِمُ الجهودُ الديبلوماسية في التوصّلِ إلى وقفٍ لإطلاقِ النار قبلَ أن يتصاعَدَ النزاع أكثر.
إنَّ مستوى الاستعداد العسكري لكلا الطرفين سوف يؤثّر في مسارِ الحرب، وسوف تعتمدُ إسرائيل على تفوّقها العسكري والتكنولوجي، في حين سيعتمد “حزب الله” على تكتيكاتِ حربِ العصابات وشنِّ هجماتٍ صاروخية غير تقليدية.
مع ذلك، فإنَّ الحربَ ستُسبّبُ دمارًا واسعًا للبنية التحتية في لبنان، وأيضًا في إسرائيل نتيجةَ التدمير المُتبادَل، وهذا سيزيد من معاناة الشعبين اللبناني والإسرائيلي على حدٍّ سواء.
سيؤدي الصراعُ إلى خسائر كبيرة في الأرواح بين المدنيين والعسكريين من كلا الجانبين. كما ستؤدي الحرب إلى مزيدٍ من تدهور الوضع الاقتصادي في لبنان، وستكلف إسرائيل موارد كبيرة، مما سيؤثر سلبًا في اقتصادها.
وقد تؤدّي الحرب إلى تغييراتٍ سياسية داخلية في لبنان وإسرائيل، مع تصاعُدِ الدعوات لتغيير النظام أو الحكومة، وقد تؤثّرُ أيضًا في المشهد السياسي في إسرائيل.
ويظلُّ احتمالُ نشوب حربٍ بين إسرائيل ولبنان في العام 2024 قائمًا على العوامل الحالية. وتتراوح السيناريوهات من المواجهة المحدودة إلى الحرب الشاملة إلى الحلِّ السياسي، مع آثارٍ مُدمّرة على الجانبين. وتبقى الجهود الديبلوماسية والظروف الداخلية والإقليمية عوامل حاسمة في تحديد مسار الصراع ونتائجه.
وإنّي أرى بأنَّ سيناريو الحلّ السياسي يعتمدُ على التزامِ الأطرافِ بالحوارِ والوساطة الدولية الفعّالة، لوقفِ الحربِ المُستمرة على غزة. إن تقديمَ الحوافز الاقتصادية ودعمَ إعادةِ الإعمار، إلى جانب الضمانات الأمنية وتبادُل الأسرى، يُعزّزُ فُرَصَ نجاح المفاوضات وتحقيق السلام الدائم، مما يُسهِمُ في استقرار المنطقة وإنهاءِ الصراعاتِ المُتعَدّدة.
- الدكتور حسن الدعجة هو أستاذ العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية في جامعة الحسين بن طلال في الأردن. يمكن متابعته عبر منصّة (X) على: @hasanaldajah