منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتاجُ إلى المزيدِ من النساءِ في القوى العامِلة

جهاد أزعور*

في العديدِ من اقتصاداتِ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يوجَدُ عددٌ كبيرٌ من النساءِ المُتَعَلِّمات تعليمًا عاليًا خارج سوق العمل الرسمي. ولا يُمكِنُ للمنطقة أن تتحمّلَ الاستمرار في الاستغلال غير الكافي لرأس المال البشري الحيوي هذا.

إنَّ تبنّي المُساواة بين الجنسَين في الأنشطة الاقتصادية ليسَ مُجَرَّد خيار – بل إنّهُ ضروريٌّ لتحقيقِ الرخاءِ في عالمٍ شديدِ التنافسية ومليءٍ بالتحدّيات والصدمات، حيث نسبةٌ كبيرة من الشباب عاطلة وغير نشطة، والفُرَصُ الاقتصادية للنساء نادرة، والصدماتُ المتتالية قد أدّت إلى تَفاقُمِ عَدَمِ المُساواة.

على الرُغمِ من الخطواتِ الكبيرة التي قطعتها معظم دول المنطقة في تعزيز دور المرأة في الاقتصاد على مدى العقدين الماضيين، لا تزال هناك فوارقٌ كبيرة بين الجنسَين. تُعَدُّ مُعدّلاتُ مُشاركة الإناث في القوى العاملة من بين أدنى المعدّلات في العالم، حيث بلغت 44.5 في المئة فقط في دول مجلس التعاون الخليجي، وأقل من ذلك، حيث بلغت 18.2 في المئة، في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأخرى في العام 2022.

وفي حين زادت دولُ مجلس التعاون الخليجي مُتَوَسِّطَ مُشاركة المرأة في القوى العاملة بأكثر من 10 في المئة على مدى العقدين الماضيين، فإنَّ دورَ المرأة في الأنشطة الاقتصادية لا يزال أقل من المستوى المطلوب مُقارنةً بالبلدان ذات نصيب الفرد المُماثِل من الناتج المحلي الإجمالي. علاوةً على ذلك، فإنَّ الفجوةَ بين الجنسَين في مُعدَّلِ المُشاركة في القوى العاملة تكبرُ باستمرار، ويَميلُ مُعَدَّلُ البطالة بين النساء إلى تجاوز نظيره بين الرجال، كما إنَّ مُشاركةَ المرأة في سوق العمل أكثر عُرضةً للصدمات.

من المُمكن أن يؤدّي سَدّ الفجوات بين الجنسَين في الأنشطة الاقتصادية إلى تحقيقِ نموٍّ أقوى وأكثر شمولًا واستدامة.

لقد أظهرَ بحثٌ أجراهُ صندوق النقد الدولي أخيرًا أنَّ تقليصَ الفجوة بين الجنسَين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى النصف في غضون السنين العشر المُقبلة من المُمكن أن يرفَعَ الناتج المُحتَمَل بأكثر من تريليون دولار. وسيَتَطَلّبُ تحقيقُ هذا الهدف جهودًا جماعية من صنّاع السياسات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لضمانِ توسيعِ الفُرَصِ وجعلها أكثر إنصافًا للجميع، ما يسمحُ بتقاسُمِ ثمارِ التنمية الاقتصادية بين جميع شرائح السكان.

وستَلعَبُ الإصلاحات القانونية والإدارية دورًا حاسمًا في ضمان المساواة في حصول المرأة على الحقوق القانونية والمالية، وإسماع صوت الإناث وتأمين دورهنَّ المتساوي في صنع القرار. ينبغي للبلدان أن تعمل على تجديد أنظمتها التعليمية والتدريبية لمُعالجةِ عدمِ تطابُقِ المهارات، وتزويد النساء بقدرةٍ أفضل على الوصول إلى الموارد المالية والأسواق لتشجيعِ ريادة الأعمال وتعزيزِ الابتكار.

علاوةً على ذلك، يجب على صنّاع السياسات تفكيك الحواجز العديدة التي تمنَعُ دخول المرأة إلى سوق العمل وقدرتها على إنشاء وقيادة وتوسيع نطاق أعمالها التجارية والشركات الناشئة. إنَّ تجديدَ أنظمةِ الحماية الاجتماعية لتوفيرِ وصولٍ أكثر عدالة إلى الخدمات الأساسية –مثل الرعاية الصحّية والتعليم والتأمين الاجتماعي- وآليات الدعم الاجتماعي الفعّالة يُمكنُ أن يُحسّنَ بشكلٍ كبيرٍ نَوعِيّة الحياة للفئات الأكثر ضُعفًا. ومن شأن هذه الإصلاحات أن تُساهمَ بشكلٍ كبير في التقدّمِ الاقتصادي وتحسينِ النتائج الاجتماعية.

إنَّ صندوقَ النقد الدولي شريكٌ طويل الأمد لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في سَعيها إلى تحقيقِ نموٍّ أكثر شمولًا ومرونة. وخلال المؤتمرات الإقليمية التي عُقِدَت في عَمّان (2014) ومرّاكش (2018)، حَثَّينا وشجّعنا صنّاعَ السياسات في المنطقة، إلى جانب القطاع الخاص والمجتمع المدني، على إنشاءِ عقدٍ اجتماعيٍّ جديدٍ يهدفُ إلى ضمانِ التوزيعِ الأوسَعِ لمَكاسِبِ التنمية الاقتصادية بين جميع المواطنين.

كان تعزيزُ الإدماج وتشجيع الرخاء المُشتَرَك هما الموضوع الرئيس لاجتماعاتنا السنوية في مرّاكش في العام الماضي، حيث أطلقنا دعوةً للعملِ من أجلِ تسريعِ التقدّم.

ومن المُشَجِّعِ أنَّ بعضَ البلدان يعمَلُ بنشاطٍ على الإصلاح من أجلِ تقليصِ الفجوة بين الجنسَين. وقد ساعدت الجهود التي بذلتها السلطات السعودية لتعزيزِ المُساواةِ على زيادةِ مُعدّلِ مُشارَكةِ الإناث في القوى العاملة بين المواطنين من 18 في المئة في العام 2017 إلى نسبة غير مسبوقة بلغت 37 في المئة بحلول نهاية العام 2022.

وقد تمَّ تحقيقُ هذا التقدّم من خلال إزالة القيود الرسمية في المُدَوّنة القانونية، وخِطَط حوافز أصحاب العمل، وتوفيرِ الدَعمِ لرعاية الأطفال، وتوسيعِ نطاقِ الوصول إلى فُرَصِ التدريب والمِنَحِ الدراسية. وتُقَدَّرُ مكاسِبُ النمو المُحتَملة من زيادة مشاركة المرأة السعودية في متوسّط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أو مجموعة العشرين بنسبة 1.6 في المئة سنويًا.

كما قامَت بلدانٌ عدّة بإعادةِ النظرِ في استراتيجياتها لتحديدِ أهدافٍ تَهدِفُ إلى تعزيز المشاركة الاقتصادية للمرأة.

على سبيلِ المثال، أدمَجَت رؤية مصر 2030 استراتيجيةً وطنيةً لتمكينِ المرأة المصرية، وحدّدَت هدفًا لتحقيقِ مُعدّلِ مُشاركةِ الإناث في القوى العاملة بنسبة 35 في المئة بحلول العام 2030. وبالمثل، تستهدفُ “رؤية التحديث الاقتصادي” في الأردن خَلقَ مليون فرصة عمل. وتهدفُ إلى مُضاعفةِ مُعدّلِ مُشارَكةِ المرأة في القوى العاملة بحلول العام 2033. بالإضافة إلى ذلك، أطلقَ المغرب برنامجًا وطنيًا لزيادةِ مُشارَكةِ المرأة في القوى العاملة إلى 30 في المئة بحلول العام 2026.

إنَّ الحفاظَ على زخمِ الإصلاحِ أمرٌ ضروري. كانت دعوةُ صندوق النقد الدولي إلى العمل في الاجتماعات السنوية التي استضافتها مرّاكش العام الماضي بمثابةِ بُشرى بفرصةٍ لتجديدِ الجهود الرامية إلى سدّ الفجوة بين نماذج النمو في الماضي ومُحرّكات النمو في المستقبل، حيث تكونُ المرأةُ شريكةً على قَدَمِ المساواة في القيادة الاقتصادية.

  • جهاد أزعور هو مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وزير المال اللبناني الأسبق، ومرشَّح المعارضة لرئاسة الجمهورية اللبنانية.
  • كُتِبَ هذا المقال في مناسبة اليوم العالمي للمرأة في 8 آذار (مارس) 2024.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى