كَيفَ تُشَكِّلُ المُنافَساتُ الإقليمية والجيوسياسية عائقًا للتَنمِيةِ الاقتصاديةِ في الشرقِ الأوسط

من أجلِ خَلقِ بيئةٍ أكثر مُلاءَمة للتعاون والتنمية، يجب أن تسعى الجهود الأميركية والصينية إلى الحصول على تأييد الدول المجاورة والمنظّمات الإقليمية. وبخلافِ ذلك، ستظل المنافسات الإقليمية والجيوسياسية تُشكّلُ عائقًا.

مبادرة الحزام والطريق: التعاون بين الصين والشرق الأوسط في زمن الاضطراب السياسي.

عبدالله باعبود*

اكتَسَبَت فكرةُ تَحويلِ الحدود إلى نقاطِ رَبطٍ بين الدول والقارات زخمًا في السنواتِ الأخيرة، مع تنفيذِ العديد من المشاريعِ لإنشاءِ ممرّاتٍ اقتصادية بين آسيا وأوروبا. المثالان الأكثر أهميةً هما مبادرة الحزام والطريق الصينية ومبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا التي تقودها أميركا. ورُغمَ أنَّ كليهما مُصَمَّمٌ لإنشاءِ شبكاتٍ اقتصادية متكاملة تتجاوز الحدود، فمن غير المرجح أن يُغيِّرا واقع المنافسة الجيوسياسية. في الواقع، قد تؤدّي المبادرتان إلى تفاقم التوترات بين الدول، بسبب التنافس بين الولايات المتحدة والصين، والتوزيع غير العادل للفوائد بين المُشاركين في كلا المشروعين، وسياساتهما الشاملة القائمة على الإدماج والإقصاء. في الشرق الأوسط، الذي من المفترض أن تمرّ عبره ممرات المبادرتَين، هناك أيضًا مسألة النزاعات الحدودية العالقة، سواء كانت برية أو بحرية. وغالبًا ما تبرز هذه النزاعات إلى الواجهة خلال أوقات عدم الاستقرار الإقليمي، وهو أمرٌ لا تحظى الممرات الاقتصادية بفرصة كبيرة لتغييره.

رؤيتان متشابهتان ولكنهما متنافستان

تُعَدُّ كلٌّ من مبادرة الحزام والطريق و مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا تطورّين حديثين، على الرُغم من أنَّ الأولى تسبق الأخيرة بعقد من الزمن. إنَّ مبادرةَ الحزام والطريق هي مشروعٌ عالمي لتطوير البنية التحتية أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ في العام 2013. ويشار إليه أحيانًا باسم طريق الحرير الجديد. أما مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا فهي الأحدث في سلسلةٍ من المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة والتي تهدف إلى دمج الشركاء في الشرق الأوسط وجنوب آسيا في كتلة جيواقتصادية واحدة. إنبثقت هذه المبادرة من قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، التي انعقدت في أيلول (سبتمبر) 2023. وتُعتَبَرُ مبادرة الحزام والطريق و ومبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا رؤيتين متنافستين للتنمية العالمية تعكسان المشهد الجيوسياسي المُتغيّر في القرن الحادي والعشرين، ويهدف كلا المشروعين إلى تعزيز الروابط بين الأمم والقارات.

وبهدف وضع الصين كدولة رائدة عالميًا في تطوير البنية التحتية والتعاون الاقتصادي، توسّعت مبادرة الحزام والطريق عبر آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا وأوقيانوسيا وأميركا اللاتينية. وقد استثمرت الصين أكثر من تريليون دولار في اقتصادات البلدان المشاركة في هذا المسعى، مع إنفاقِ الجُزء الأكبر من هذه الأموال على البنية التحتية للنقل التقليدي (مثل الموانئ والطرق والسكك الحديدية) ومشاريع الطاقة. وبحلول أواخر العام 2023، كانت هناك 155 دولة اشتركت في مبادرة الحزام والطريق.

ومما ساعد على ذلك أنَّ الصين أصبحت، في وقت مبكر من العام 2016، أكبر مستثمر أجنبي في الشرق الأوسط، حيث خصّصت 29.7 مليار دولار لاستثمارات جديدة في المنطقة مُقارنةً باستثمارات الولايات المتحدة البالغة 7 مليارات دولار. تُعَدُّ مصر وإيران وإسرائيل وسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المواقع الرئيسة لتطوير الموانئ والبنية التحتية الصينية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، وقّعت مصر ودول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل (على الرُغم من مواجهة الضغوط الديبلوماسية الأميركية لإعادة النظر) اتفاقيات مع شركات صينية لتطوير البنية التحتية للاتصالات.

كان الإنجازُ الرئيس الذي حققته بكين، والذي يتماشى إلى حدٍّ كبيرٍ مع طموحاتها في مبادرة الحزام والطريق، هو التقارب الذي توسّطت فيه الصين بين إيران والمملكة العربية السعودية والذي تمَّ التوقيع عليه في آذار (مارس) 2023. ومن الممكن أن تعمل عملية المصالحة السعودية-الإيرانية الجارية على تعزيز أمن مشاريع مبادرة الحزام والطريق، بما في ذلك طرق النقل والبنية التحتية الحيوية. ومن شأن هذا التنسيق أن يُقلّلَ من المخاطر الجيوسياسية المُحتَملة والشكوك مع تعزيز التعاون في مجال الطاقة وتنويع الشراكات على طول المسارات الرئيسة لمبادرة الحزام والطريق. ومن خلال تنمية العلاقات مع كلٍّ من طهران والرياض، ووضع نفسها كقوة استقرار في المنطقة، يمكن للصين أن تكتسبَ ميزةً فريدة على الولايات المتحدة.

أما بالنسبة إلى مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، فهي مشروع بنية تحتية اقتصادية واسع النطاق. وقّعت المملكة العربية السعودية والاتحاد الأوروبي والهند والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة مذكرة تفاهم تتضمّن مُخَطّطًا أساسيًا لشبكة نقل من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البحري والبري القائمة. ويتكوَّن المشروع، الذي يهدف إلى ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، من ممرّين مُنفَصِلَين: الممر الشرقي الذي يربط الهند بالخليج، والممر الشمالي الذي يربط الخليج والشرق الأوسط بأوروبا. وتشمل بنيتهما التحتية المادية خطوط السكك الحديدية التي تربط الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل بأوروبا، فضلًا عن كابلات البيانات والكهرباء لتعزيز الاتصال الرقمي وخطوط الأنابيب لتصدير الهيدروجين النظيف بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا.

والأهمُّ من ذلك، أنَّ الولايات المتحدة كانت تهدف جُزئيًا إلى إنشاء ممرٍّ اقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا للتنافس مع مبادرة الحزام والطريق التي سمحت للصين توسيع نفوذها الاقتصادي والجيوسياسي، خصوصًا في المناطق التي تتمتع فيها أميركا تقليديًا بنفوذٍ كبير. تُعتَبَرُ منطقة الخليج الغنية بالطاقة، والتي تقع في مكانٍ مثالي بين الممرّات المائية الحيوية للبحر الأحمر ومضيق هرمز، منطقةَ تنافسٍ حاسمة بين واشنطن وبكين. وعلى الرُغمِ من أنَّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة قد لا تشتركان في هذا المنظور، فإنَّ الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يُقدّم لواشنطن فرصة حاسمة لموازنة نفوذ بكين الناشئ بسرعة في منطقة الخليج. يمكن أن تؤدي مشاركة حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين مثل الاتحاد الأوروبي والهند في الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا إلى مزيدٍ من التعاون والتنسيق بينها وبين دول الخليج، ما يسمح لواشنطن مواجهة نفوذ الصين في المنطقة بشكلٍ أكثر فعالية.

مع وضع هذه المنافسة في الاعتبار، سيربط الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا أيضًا إسرائيل والأردن، وهما دولتان غير موقّعتَين على مذكرة التفاهم. سوف يتطلع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا إلى البناء على اتفاقيات أبراهام المُوَقَّعة بين إسرائيل من ناحية والبحرين والمغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة من ناحية أخرى. وتتمثّل الفكرة في خلق المزيد من التآزر بين إسرائيل والعالم العربي مع الاستمرار في تقديم بديل بقيادة الولايات المتحدة لمبادرة الحزام والطريق.

وعلى النقيض من مبادرة الحزام والطريق، التي تسبقها بعشر سنين، فإن مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا لا تزال في مراحلها الأولى. وعلى عكس مبادرة الحزام والطريق، التي تستفيد من مركزية صنع القرار، فإنَّ طبيعة مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا المتنوعة والمتعددة البلدان تجعل عملية صنع القرار بطيئة ومعقّدة. ومن المخطط أن تكون أحادية الاتجاه، حيث تربط الهند في المقام الأول بأوروبا (مبادرة الحزام والطريق متعددة الاتجاهات)، وتتضمّن اتفاقيات وتعاون بين دولٍ متعددة ذات أنظمة قانونية وسياسات وبروتوكولات نقل وقوانين مختلفة. وتضم مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا ما يقرب من عشرين دولة، ولكلٍّ منها مجموعة من المصالح والأولويات والعمليات البيروقراطية الخاصة بها، في حين تتمحور مبادرة الحزام والطريق حول الصين. علاوة على ذلك، قد لا تشمل مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا نطاق فرص التنمية نفسه مثل مبادرة الحزام والطريق.

العقبات التي تحول دون التحقيق الكامل

هناك عوامل عدة تُعيقُ تقدّم مشاريع الممرّات الاقتصادية، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط. إن هذه المشاريع تفشل في معالجة استمرار عدم الاستقرار السياسي والتوترات الكامنة في المنطقة. وتشمل هذه القضايا الصراع بين إسرائيل وإيران، وحقيقة أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة أحبطت الجهود الأميركية لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، والتنافس السعودي-الإيراني المتصاعد، والعديد من القضايا الحدودية العالقة بين الدول العربية نفسها. وتبرز أيضًا ظاهرة الدول التي تعترض على استبعادها من المشاريع، كما هو الحال مع مصر والعراق وسلطنة عُمان وتركيا في حالة مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، أو في بعض الأحيان تختار السير في طريقها الخاص بغضِّ النظر عن مشاركتها في مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا أو مبادرة الحزام والطريق، كما هو الحال مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. في الأساس، سواء كان الأمر يتعلق بمبادرة الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا أو بمبادرة الحزام والطريق، فإنَّ توجيهَ ممرٍّ اقتصادي عابرٍ للقارات عبر الشرق الأوسط سيظل مهمة صعبة على الدوام.

يمكنُ القول إنَّ حربَ الظلّ المستمرّة بين إيران وإسرائيل تُمثّلُ التهديدَ الأكبر لاستقرار الشرق الأوسط. تقصف إسرائيل بشكلٍ دوري الجماعات المسلحة التابعة لإيران في جميع أنحاء المنطقة. وعلى الرُغم من أنَّ طهران نفسها تجنّبت حتى الآن التورّطَ المباشر في الحرب بين “حماس” وإسرائيل التي اندلعت في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، إلّا أنَّ الميليشيات المتحالفة معها في قطاع غزة ولبنان واليمن استهدفت إسرائيل بهجماتٍ صاروخية وطائرات مُسَيَّرة. ومع ذلك، قامت ميليشيات أخرى مُتحالفة مع إيران، في العراق وسوريا، بضرب قواعد عسكرية أميركية في تلك البلدان. علاوةً، شنّت حركة “أنصار الله” في اليمن (المعروفة أيضًا باسم حركة الحوثي) هجماتٍ على سفن الشحن التجارية في البحر الأحمر ردًا على الهجوم الإسرائيلي على غزة. ونتيجةً لهذه التصرّفات وتهديدات إيران بإغلاق البحر الأبيض المتوسط، عززت الولايات المتحدة وحلفاؤها وجودهم البحري في المنطقة وهاجموا مواقع “أنصار الله” في اليمن. إن عدم اليقين المتزايد بشأن أمن طرق التجارة الرئيسة في المنطقة، فضلًا عن التوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل، يشكل مشاكل خطيرة أمام التقدم في مشاريع الممرات الاقتصادية.

عندما يتعلق الأمر بمبادرة الحزام والطريق على وجه التحديد، فإنَّ تصعيدَ الأعمال العدائية بين طهران والرياض يُمكِنُ أن يُعطّلَ طرق التجارة ويخلق حالة من عدم اليقين بشأن الشحن والنقل. وعلى الرُغمِ من أنَّ الصين توسّطت في التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية، إلّا أَّن الاتفاق لم يُقلّل من خطر حدوث أزمة إقليمية ناجمة عن برنامج طهران النووي المستمر أو اندلاع أعمال عنف أخرى بين الفصائل المدعومة من السعودية وإيران في اليمن. ومن الممكن أن تؤثر المخاوف الاقتصادية الناجمة من التوترات الجيوسياسية على قرارات الاستثمار والشراكات الاقتصادية المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، ما يؤدّي إلى تأخير أو التخلّي عن مشاريع البنية التحتية المُخطَّط لها.

الوضعُ مع مبادرة الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا  مشابه. لقد ركزت الولايات المتحدة استراتيجيتها الخاصة بهذه المبادرة على تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب. وعلى الرُغمِ من وجود دلائل على وجود زخمٍ أوّلي نحو التوصّل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، إلّا أنَّ اندلاعَ الحرب بين “حماس” وإسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) أدّى إلى تعليق المفاوضات، ما أثار شكوكًا جدية حول جدوى مبادرة الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا. إنَّ الافتقار إلى الإجماع حول القضية الأساسية المُتمثّلة في الدولة الفلسطينية وخطر توسيع الحرب يشكّلان مشكلةً بالنسبة إلى المنطقة ولأيِّ خططٍ لإنشاءِ ممرٍّ اقتصادي. وبما أنَّ مذكرة تفاهم مبادرة الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا لم تتضمّن تفاصيل حول كيفية تحقيق المشروع، فقد كان من المقرر عقد اجتماع ل”التطوير والالتزام بخطة عمل مع الجداول الزمنية ذات الصلة” في غضون ستين يومًا من قمة مجموعة العشرين في 9 أيلول (سبتمبر) 2023. ومع ذلك، وبسبب الصراع في غزة، فشل الموقعون في عقد الاجتماع المخطط له. ومع انتشار المشاعر المُعادية لإسرائيل في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بسبب الحرب، فإن إقامة أي روابط اقتصادية وديبلوماسية جديدة بين إسرائيل والعالم العربي سوف يشكل تحدّيًا مُتزايدًا.

هناكَ عاملٌ حاسمٌ آخر يُمكِنُ أن يُقَوِّضَ مبادرة الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا وهو الاستبعاد الملحوظ لبلدان، مثل مصر والعراق وسلطنة عُمان وتركيا، التي يبدو أن موقعها الاستراتيجي يجعلها مرشحة مثالية للممرات الاقتصادية. أثار استبعادُ تركيا من مبادرة الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا تصريحات قوية من أعلى المسؤولين في البلاد، حيث هدّد الرئيس رجب طيب أردوغان بـ”الانفصال عن الاتحاد الأوروبي” وإعلان وزير الخارجية هاكان فيدان أن “مفاوضات مكثّفة” جارية مع العراق وقطر والإمارات العربية المتحدة من أجل التوصّل إلى اتفاق ممر اقتصادي بديل سيُعرَف بمشروع الطريق التنموي. ويهدف مشروع الطريق التنموي إلى ربط الخليج بأوروبا من خلال سلسلة من الموانئ والسكك الحديدية والطرق التي تعبر العراق وتركيا، وبالتالي إنشاء طريق تجاري بديل من قناة السويس. وفي الوقت نفسه، يشير النمو التجاري الكبير بين أعضاء الخليج في مبادرة الممرّ الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وروسيا -على الرغم من غزو الأخيرة لأوكرانيا- إلى أنه من غير المرجح أن يتخلوا عن سياساتهم الخارجية الناشئة متعددة الأوجه من أجل الولايات المتحدة.

أخيرًا، قد تندلع الخلافات الحدودية بين دول الشرق الأوسط، سواء في حد ذاتها أو كجُزءٍ من نزاعٍ أكبر، كما حدث بين المملكة العربية السعودية وقطر خلال الخلاف الديبلوماسي الخليجي بين العامين 2017-2021 الذي تم حله الآن. ولا تزال السيادة المتنازع عليها على حقل غاز الدرّة بين إيران والكويت والمملكة العربية السعودية مساهمًا رئيسًا في العداوات الإقليمية ويمكن أن تشكل مشاكل لمشاريع الممر الاقتصادي. ويشكل النزاع المستمر منذ عقود بين إيران والإمارات العربية المتحدة حول ملكية ثلاث جزر في مضيق هرمز تحديًا آخر طويل الأمد للأمن الإقليمي. كما استمرت نزاعات ترسيم الحدود البحرية وحقول النفط المشتركة بين العراق والكويت رُغم الجهود الدولية لحلها. وهناك تاريخ من الخلاف بين السعودية والإمارات حول حقل الشيبة النفطي، بالإضافة إلى الحدود البحرية.

لكل هذه الأسباب، تواجه مشاريع الممر الاقتصادي عددًا كبيرًا من العقبات الجيوسياسية المعقّدة، وخصوصًا في منطقةٍ مضطربة مثل الشرق الأوسط. ورُغمَ أنَّ مثل هذه المشاريع تهدف إلى ربط المناطق المختلفة وتسهيل الحركة الفعّالة للسلع والخدمات والأشخاص، فإنها تخاطر بإحداث تأثير عكسي. قد تثير المشاريع التي تمتد عبر الأراضي المتنازع عليها أو المناطق الحدودية الحسّاسة مخاوف بشأن السلامة الإقليمية والسيادة. ومن الممكن أن تؤدي الاختلالات الاقتصادية أو التفاوت في الفوائد المتأتية من هذه المشاريع إلى تفاقم التوترات القائمة.

إذا كان لمشاريع الممرات الاقتصادية الطموحة، مثل مبادرة الحزام والطريق و مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، أن تنجح، وخصوصًا في الشرق الأوسط، فلا بدَّ من إيلاء اهتمام أكبر لتأثيراتها طويلة المدى في الجغرافيا السياسية الإقليمية. ويتطلب تخفيف الضغوط الجيوسياسية المرتبطة بمشاريع الممر الاقتصادي تخطيطًا دقيقًا، إلى جانب الشمولية والشفافية. وفي هذا الصدد، فإنَّ المشاركة الديبلوماسية أمرٌ بالغ الأهمية. إن السعي إلى الحصول على تأييد الدول المجاورة والمنظمات الإقليمية أمرٌ ضروري لخلق بيئةٍ أكثر مُلاءَمة للتعاون والتنمية. وإلّا فإنَّ المنافسات –سواء بين دول المنطقة أو بين الولايات المتحدة والصين– سوف تؤدي إلى تعقيد الأمور إلى حدٍّ كبير. بالإضافة إلى زيادة حدة الخلافات بين دولٍ مُعَيَّنة، فإنها قد تؤدي إلى ظهورِ كُتلِ قوى جديدة ومتنافسة.

خاتمة

إنَّ مبادرات الممرّات الاقتصادية هي إعادةُ تشكيلِ المظاهر الجيوسياسية والجيواقتصادية والاجتماعية المكانية للرأسمالية العالمية في هذا القرن. ويحتل الشرق الأوسط موقعًا جيوستراتيجيًا حاسمًا في هذه العملية المستمرة. تسعى الولايات المتحدة والصين إلى توسيع نطاق المنافسة العالمية بينهما إلى هذه المنطقة الحيوية، ولكنها مضطربة ومليئة بالصراعات، وإلى إعادة تصوّر الروابط بين العصور الماضية التي لعب فيها الشرق الأوسط دورًا مركزيًا. منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق، تعمَّقَ تعاون الصين مع دول الشرق الأوسط بشكل مطرد. إن مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، هي استجابة غربية ناشئة لمبادرة الحزام والطريق وجُزءٌ من المنافسة الأميركية-الصينية على الأسواق والموارد والنفوذ في المنطقة.

تتقدم مبادرة الحزام والطريق بوتيرة أسرع بكثير من مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، بل إنها تعمل على تعزيز المصالحة الإقليمية، كما هو الحال مع التقارب الإيراني-السعودي الذي توسطت فيه الصين. وبصرف النظر عن التجارة المزدهرة بسبب انضمامها إلى مبادرة الحزام والطريق، فإنَّ مصر وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هي أيضًا شريكة حوار في منظمة شنغهاي للتعاون التي تديرها الصين، وهي على وشك الانضمام إلى منظمة “بريكس” الحكومية الدولية الموسعة حديثًا للقوى الصاعدة، والتي تتمتع الصين بنفوذ كبير فيها. وبينما تحاول دول الشرق الأوسط توسيع استقلالها الاستراتيجي، وفي ظل تنافسها للتحوّل إلى لاعبة إقليمية ودولية مؤثّرة، تقدم مبادرة الحزام والطريق وغيرها من المشاريع الصينية نماذج جذابة للتعاون.

مع ذلك، بقدر ما قد ترغب دول المنطقة في الاستفادة من صعود الصين، فمن غير المرجح أن تنحاز إلى بكين بشكلٍ مباشر. ويبدو أن دول الشرق الأوسط تميل إلى توسيع وتنويع شراكاتها الدولية. ومن المحتمل أن تفعل ذلك بهدف موازنة علاقاتها مع الصين والولايات المتحدة، وربما في بعض الأحيان حتى لعب القوتين العالميتين ضد بعضهما البعض. في الواقع، من المرجح أن تزن دول الشرق الأوسط، وخصوصًا دول الخليج، تكاليفها وفوائدها عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الولايات المتحدة والصين (وبخاصة إذا كانت لا تثق في نوايا البلدين)، قبل اتخاذ قرار بشأن أفضل مسار للعمل.

  • عبدالله باعبود هو باحث كبير غير مقيم في مركز مالكولم كير كارنيغي للشرق الأوسط. يشغل باعبود منصب رئيس مركز دراسات المنطقة الإسلامية في قطر، وهو أستاذ زائر في كلية البحث الدولي والتعليم بجامعة واسيدا في طوكيو. يمكن متابعته عبر تويتر على: @abaabood

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى