الصين تَتَقَرَّبُ من السعودية كجُزءٍ من استراتيجيتها للتَخَلُّصِ من هَيمَنَةِ الدولار

يُشَكّلُ استخدامُ الصين المُتزايد لاتفاقيات مُبادَلة العملات -وكان آخرها مع المملكة العربية السعودية- جُزءًا أساسيًا من استراتيجيتها لتقليل التأثير العالمي للدولار الأميركي.

مجموعة “بريكس”: هدفها الأساسي العمل على تقليل الاعتماد على الدولار.

عبد السلام فريد*

وسط تفاقُمِ التوتّرات الجيوسياسية العالمية، تُعَدُّ اتفاقيةُ مُبادَلة العملة الأخيرة بين المملكة العربية السعودية والصين الأحدثَ في سلسلةٍ من المبادرات التي تسعى إلى الضغط على الدور المركزي للدولار في التجارة الدولية.

في الشهر الفائت، وَقَّعَ بنك الشعب الصيني والبنك المركزي السعودي اتفاقيةَ مُبادَلة عُملات لمدة ثلاث سنوات بقيمة 50 مليار رنمينبي (6.93 مليارات دولار) أو 26 مليار ريال سعودي. وبحسبِ بيانٍ صادرٍ عن بنك الشعب الصيني، فإنَّ الصفقةَ تهدفُ إلى مساعدة البلدين على تعزيز تعاونهما المالي وتعزيز استخدام العملات المحلية، مع تعزيز التجارة والاستثمارات أيضًا.

على الرُغمِ من أنَّ الاتفاقية متواضعة نسبيًا من حيث الحجم، بالنظر إلى أنَّ الصين هي أكبر عميل لموارد الطاقة في المملكة العربية السعودية، إلّا أنها ليست سوى الأحدث في قائمةٍ طويلة من الاتفاقيات المُماثلة مع دولٍ أُخرى، والتي تجاوزت 3.5 تريليونات رنمينبي (554 مليار دولار) بين العامين 2009 و2020. وفي الآونة الأخيرة، قامت الصين بتسوية خط مُقايضة بقيمة 6.5 مليارات دولار مع الأرجنتين في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لمساعدة الأخيرة على تجاوز الانخفاض الحاد في قيمة البيزو، كجُزءٍ من اتفاقيةِ مُبادلة أوسع نطاقًا تبلغ قيمتها نحو 18 مليار دولار بين البلدين.

وفي حين أن المبادلة السعودية صغيرة نسبيًا، إلّا أنها ترمز إلى تعزيز العلاقات الصينية-السعودية، التي تتطوَّرُ منذُ بعض الوقت وسط مخاوف متزايدة بشأن التوتّرات الجيوسياسية.

يقول جايسون طُوفي، نائب كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في شركة “كابيتال إيكونوميكس”: “أعتقدُ أنَّ هذه المبادلة تُظهِرُ مدى التقارب بين البلدين، كما تُبرزُ أيضًا تطلّعهما إلى تقليل اعتمادهما على النظام المالي الغربي”.

وأضاف: “أعتقدُ أنَّ كلا البلدين قد شهدا آثار العقوبات على روسيا، وبالتالي فإنهما يتطلعان إلى خفض اعتمادهما على الدولار الأميركي حتى يتمكّنا من تقليل احتمال حدوث شيء من هذا القبيل لهما في الوقت الذي يقومان ببناء علاقات متبادلة وثيقة”.

الصين تسعى إلى الهَيمَنة

رُغمَ أن مُبادَلةَ العملة تستهدفُ في المقام الأول التجارة غير النفطية، فإنها لا تزال تُعزّزُ علاقة الصين التجارية مع أكبر مُصدّرٍ للنفط في العالم. والصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تُعَدُّ أيضًا أكبر عميل للنفط الخام السعودي، حيث اشترت منه أكثر من 87 مليون طن في العام 2022 وحده.

كما يمنح الاتفاق الصين مجالًا أكبر لتسعير معاملات المُشتَقّات النفطية باليوان، وهي استراتيجية تتبعها منذ سنوات عدة. ومن الجانب السعودي، يساعدُ الدولة في جهودها على تنويع اقتصادها وجذب المزيد من المستثمرين إلى برنامج التحوّل الاقتصادي والاجتماعي الطموح “رؤية 2030”.

في الوقت نفسه، تُعتَبَرُ الاتفاقيةُ بمثابةِ مشروعٍ تجريبي وأرضية اختبار لتطويرِ أسواقٍ جديدة لا تعتمد على الدولار في الوقت الذي قامت مجموعة اقتصادات “بريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) –حيث الصين عضو رئيس- بتوجيهِ دعوةٍ إلى المملكة العربية السعودية للانضمام.

تقول راشيل زيمبا، زميلة مساعدة في “مركز الأمن الأميركي الجديد”: “أعتقدُ أنَّ هذه المبادلة هي إحدى الأدوات العديدة التي تستخدمها الصين لزيادة دورها في الاقتصاد العالمي، أو على الأقل للإشارة إلى اهتمامها بحدوثِ ذلك”.

وتضيف: “ومع ذلك، فهذه دولة لديها أصلًا تجارة ثُنائية كبيرة جدًا مع المملكة العربية السعودية، لذلك أعتقد أنه سيكون من المُثير للاهتمام معرفة ما إذا كانت هذه الخطوة ربما تساعد على زيادة حجم الطلب على الريال”.

وقال توماس هيل، كبير مسؤولي البرامج لشؤون شمال أفريقيا في “معهد السلام الأميركي”، في مذكرةٍ إلى المجلس الأطلسي، إنَّ تقليلَ الاعتماد على الدولار كعملة للتجارة الدولية -وبالتالي تقليل نفوذ الولايات المتحدة على النظام المالي العالمي- يُعَدُّ إحدى الأولويات الرئيسة لدول “بريكس”، والصين على وجه الخصوص.

وقال: “إنَّ أيَّ جُهدٍ مُنَسَّقٍ لوقفِ الاعتماد على الدولار، وخصوصًا في ما يتعلق بالرنمينبي الصيني، من شأنه أن يُقلّلَ من قدرة الولايات المتحدة على إدارة العجز الفيدرالي الكبير والحفاظ على أسعار الفائدة على الديون المتراكمة منخفضة نسبيًا”.

لا يزال الدولار العملة الأكثر شيوعًا في احتياطات النقد الأجنبي العالمية، لكنه شهدَ انخفاضَ حصّته من 71% إلى 59% بين العامين 2000 و2022، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.

وفي حين تظل العملة السعودية مُرتَبطة بالدولار، وتستخدم العملة لتسعير صادراتها من النفط الخام، فإنَّ تنويعَ اقتصادها من شأنه أن يجعلَ البلاد أقل اعتمادًا على العملة.

وفقًا لزيمبا، على الرُغمِ من أنَّ الصين استفادت من اعتمادها المتبادل مع الولايات المتحدة في النظام النقدي العالمي، فإنَّ الاعتمادَ الأقل على الدولار قد يعني المزيد من الاستقلال من حيث السياسات النقدية والاقتصادية للدولة الآسيوية.

وتقول: “بالنسبة إلى الصين، أدى الاستخدام الأكبر للرنمينبي إلى تعزيز بعض العلاقات التجارية التي لديها أصلًا، وهي وسيلة أيضًا لتوفير بعض الائتمان للمُشترين الذين يُعانون من العجز”.

إلى متى سيظل الدولار قويًا؟

تُسَلّطُ دراسةٌ أجراها بنك “جي بي مورغان” في وقت سابق من هذا العام الضوءَ على أنَّ قوة المعاملات العالمية للدولار لا تزال بلا منازع، حيث تبلغ حصتها من إجمالي حجم النقد الأجنبي الدولي 88٪ لعام 2022.

“على الرُغمِ من أنه قد يكون صحيحًا أنَّ كلا البلدين (السعودية والصين) قد يكونان مُهتَمَّين بإجراء حجمٍ أكبر من المعاملات بالعملات المحلية، إلّا أنَّ الريال السعودي مربوطٌ جدًا بالدولار، واليوان الصيني كذلك ولكن بدرجةٍ أقل، لذلك فإنَّ بعض تأثيرات شبكة القصور الذاتي لا يزال موجودًا، ما يجعل تقليل اعتمادهما على الدولار أقل قابلية للتحقيق”، تقول زيمبا.

وتضيف: “إن الاعتماد الأقل على الدولار قد يعني نوعًا مختلفًا من التقلبات العالمية لأسواق رأس المال الصينية، لكنني أعتقد أنَّ الأمرَ يتعلّقُ في نهاية المطاف ببناءِ بُنيةٍ مالية جديدة من شأنها أن تسمحَ للصين بوضع قواعدها الخاصة”.

من ناحيةٍ أُخرى، فإنَّ نفوذَ الصين المُتزايد في الشرق الأوسط يُرسِلُ إشاراتٍ مُثيرة للقلق إلى واشنطن بأنَّ عددًا متزايدًا من الدول العربية يتطلع إلى تنويع شراكاته العالمية. بالإضافة إلى المملكة العربية السعودية، تمت دعوة مصر والإمارات العربية المتحدة أيضًا للانضمام إلى مجموعة “بريكس” في آب (أغسطس)، كما تقدمت الجزائر وتونس أيضًا بطلب الانضمام (بدون جدوى).

كما وافقت المملكة العربية السعودية في آذار (مارس) على أن تصبح “شريكًا للحوار” في منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة سياسية واقتصادية دولية أسستها الصين في العام 2001، والتي تضم أيضًا روسيا والهند وباكستان.

يقول طُوفي من “كابيتال إيكونوميكس”: “في الآونة الأخيرة، رأينا السعودية تميل أكثر نحو الصين، والمملكة باعتبارها أكبر مُصَدِّرٍ للنفط في العالم، فضلًا عن كونها زعيمة العالم الإسلامي، هي دولة مؤثرة جدًا وتلعب دورًا مهمًا للغاية في الشرق الأوسط”.

ويضيف: “أعتقد أن الولايات المتحدة بدأت تشعر بالقلق إلى حدٍّ ما بشأن السرعة التي تمكّنت بها الصين من سحب المملكة العربية السعودية إلى مدارها”.

  • عبد السلام فريد هو مراسل “أسواق العرب” في بكين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى