ساعاتُ الحَسمِ لمَنعِ اتِساعِ رُقعَةِ الحرب
عرفان نظام الدين*
سارعت إسرائيل إلى مواصَلَةِ الحَربِ البرِّية الإجرامية حتى تحقيق أهدافها، وبينها الضغط لتسريع مؤامرة التهجير القسري لمئات الالاف من أبناء قطاع غزة إلى سيناء المصرية، وتقسيمه إلى شَمالٍ وجنوب مع تركيزٍ الاحتلال في مواقع مُعَدَّة سلفًا.
وتسارعت الجهود لبلورةِ نتائج المفاوضات السرّية حول المستقبل والحلول المطروحة من دون أن يستطيعَ أيُّ طرفٍ من تحديدِ معالم الصورة الضبابية. لكنَّ مُتَغَيِّراتٍ كثيرة حدثت بين بداية الحرب و نهاية الهدنة أهمّها تَغيُّر لهجة معظم دول العالم، بينها الولايات المتحدة التي تُكرّرُ المُطالَبة بحلِّ الدولتَين ورَفضِ تهجيرِ الفلسطينين ومُعارضة بقاء الاحتلال الإسرائيلي.
في المقابل تَصُرُّ إسرائيل على مواصلةِ الحَربِ البرّية بالأسلوبِ العنيف نفسه، لكن العقبات كثيرة بينها التحرّكات الداخلية لإجبار بنيامين نتنياهو على التنحّي بتهمة الفساد، مع الاتهامات ضده لفشله في إدارة الحرب، وحجم الخسائر الإسرائيلية، ومشهد الذل في عملية تسليم الأسرى مقابل وقفة عزٍّ للمقاومين وتنظيم محكم لكل التفاصيل.
هذه البانوراما تُوَضِّحُ أنَّ التصعيدَ الإسرائيلي سيُقابَل بضغوطٍ دولية وعربية للرضوخ للواقع قبيل حلول ساعات الحسم ونزع فتيل حربٍ طاحنة تمتدُّ لجبهاتٍ أُخرى من لبنان وسوريا إلى مصر والأردن، وهذا أمرٌ غير مسموح به لمَنعِ تكرارِ الأوضاع الخطيرة التي سادت عند اندلاع الحرب.
فقد تكشّفت معلوماتٌ مؤكّدة عن خطرِ اندلاعِ حَربٍ إقليمية تتحوّلُ إلى دولية دفع الولايات المتحدة إلى حَشد أساطيلها والتلويح بالأسلحة النووية، وتضامنت معها دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) والحلفاء الأوروبيين. وقد تم بالفعل نزع فتيل الإنفجار الكبير وإيصال رسالة حازمة لجميع الأطراف، من بينها إيران وسوريا و”حزب الله”، بمواجهة عواقب فتح أيِّ جبهةٍ جديدة.
وكان الإلتزامُ بضَبطِ الأعصابِ واضحًا، ولم يحدث أيُّ خَرقٍ وتصعيدٍ خطير (حتى الآن) واكتفى “حزب الله” بموقفٍ معنوي باللجوءِ إلى إطلاق النار بشكلٍ منضبط بالتبادل مع إسرائيل ضمن قواعد اشتباك تقوم على مبدَإِ العين بالعين والسن بالسن والقذيفة بالقذيفة والصاروخ بالصاروخ. والسؤالُ اليوم عن مدى القدرة على الاستمرار في هذا النهج، والرَدُّ سيَتَّضح خلالَ ساعاتٍ حاسمة بعد فشل محاولة الرئيس الاميركي جو بايدن تمديد الهدنة آملًا أن ينجحَ في تبريد الأجواء لكسب الوقت من خلال هدنة وراء هدنة تُتيحُ المجالَ للحلِّ السلمي مع عدم استبعاد لجوء نتنياهو والمتطرفين الصهاينة إلى ارتكابِ عملٍ جنوني، وهو يقف على قابِ قَوسَين وأدنى من السجن، مثل تنفيذ مؤامرة التهجير ما سيدفع مصر إلى التدخّل حفاظًا على أمنها القومي، أو أن يُصَعّدَ مع “حزب الله” لفتحِ جبهةٍ تمتدُّ إلى سوريا قاطعًا الطرق الموصلة للحلِّ الذي بدأ يتبلوَرُ في بنودٍ تنصُّ على انسحابِ إسرائيل وجعل غزة منطقة منزوعة السلاح، وتجريد “حماس” من سلاحها وسلطتها، وتُمنَعُ من العودة للحكم، واقتراح بإرسالِ قواتٍ عربية أو دولية إضافةً إلى طرح اقتراحٍ، يُقابَلُ بمعارضةٍ من جهات عدة، بعودة السلطة الفلسطينية إلى الحكم في القطاع.
كل هذه الاقتراحات تفقدُ قيمتها مسارعة إسرائيل إلى استئناف الحرب مهما كانت النتائج لتوريط أميركا والعالم وفرضِ أامرٍ واقعٍ جديد، لكنها ستفشل كما فشلت من قبل.
- عرفان نظام الدين هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي مُقيم في لندن. كان سابقًا رئيس تحرير صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية.