كَيفَ وَصَلَت الدولةُ العِبرِيّة إلى الطَوَفان؟

البروفسور بيار الخوري*

رَسَمَت تسعينياتُ القرنِ الماضي مَلامِحَ تسويةٍ كبيرة طويلة الأمد في الشرق الاوسط، تمَّ توقيعُ اتفاقات أوسلو ووادي عربة ودخل الرئيس الراحل حافظ الأسد في مفاوضاتٍ جدية حول الأرضِ مُقابل السلام.

ذهبَ العربُ إلى الإسرائيليين طالبين “أن يعطوهم”. اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل مُقابل الحلّ المَرحَلي القائم على الحُكمِ الذاتي.

بدا كأنَّ كلَّ شيءٍ يَتّجِهُ بسرعةٍ نحوَ حلٍّ لقضيةِ الخمسين عامًا ومئات آلاف النازحين قسرًا والأرواح والخراب.

قَتَلَ مُتَطَرِّفٌ صهيوني أيقونةً كبيرة في الحركة الصهيونية، وراحَ يرفعُ إشارات النصر، ثم تمَّ التخلّصُ من أبو عمّار.

ذهبت إسرائيل إلى استراتيجيةِ نَزعِ الحمائم الصهيونية وبات الرأي العام الإسرائيلي مُنجَذِبًا أكثر للخطاب الأكثر تطرّفًا. خاضت إسرائيل مذاك ست حروب في غزّة وحربًا كبيرة في لبنان بدون الظفر بأيِّ مُتَغَيِّرٍ استراتيجي يَضمَنُ نَزعَ القلق الذي يُسَيطِرُ على يهود إسرائيل.

كلّما زادَ الخوفُ زادَ التطرّف وخسرت إسرائيل اللحظة المُمكِنة للظفر بدولتها بالشروط التي تُوحي لناسها أنها أعطت من موقع القوي القادر. وتدرّجت الدولة العبرية نحو نزاعاتٍ يختارُ توقيتها الخصوم بل ويُحدّدون حجمها وأبعادها، فيما هي تنزلق نحو صراعاتٍ داخلية يزداد عمقها مع ازدياد مستوى القلق.

هناك منحنى تَعَلُّمٍ تَطَوَّرَ لدى قوى المحور مدفوعًا بفَهمِ نقاطِ ضُعفِ إسرائيل وضياع مشروع السلام الشرق الأوسطي. طوّرت هذه القوى استراتيجيةً طويلةَ النفس وراهنت على استحالة الذهاب إلى سلامٍ غير مُتوازن وعلى أنَّ الغربَ لا يستطيعُ أن يلعبَ دورًا غير مُنحازٍ لإسرائيل، وهذا وحده سببٌ كافٍ لتعميقِ الصراع.

ضياعُ فرصة القيادة الإسرائيلية هي أيضًا ضياعٌ لفرصة الولايات المتحدة لقيادة العالم.

إسرائيل الآن في مأزقٍ استراتيجي صعب، ستكون هناك دماءٌ كثيرة وآلامٌ أكثر ولكن هيبة إسرائيل وأمن مواطنيها قد سقطت بأبشعِ الطرق.

سقطَ مَنطقُ الرَدع على شاشات الهواتف والسوشال ميديا، وسقطت المزايدات بين المسلمين من الأكثر التصاقًا بفلسطين.

ثلاثةُ أسئلة تحتاج إلى إجابة الآن:

1- هل تستطيع إسرائيل الذهاب إلى حربٍ طويلة الأجل من دون المخاطرة بانقلابِ المزاج العربي والإسلامي نحو مزاجٍ عنيف وتعبوي؟

2- هل هناك فشلٌ استخباراتي غربي مثيل للفشل الاستخباراتي الإسرائيلي، أم أنَّ العالمَ قد باتَ مُقتنعًا أنَّ عنجهية وعنصرية وعدوانية إسرائيل هي التي تمنعُ أيَّ تقدّمٍ إلى الأمام منذ أوسلو، وبالتالي فإنَّ ما يحصل اليوم قد يُعيدُ إسرائيل إلى رُشدٍ ما؟

3- هل لا زالت الولايات المتحدة قادرة وحدها على إدارة توازنات الشرق الأوسط أم أنَّ النموذجَ الصيني في جَمعِ العرب والإيرانيين يمكن أن يتكرّر عبر لعب دور الوسيط العادل في جمع الأقوياء في الشرق الأوسط على اختلافهم؟

  • البروفسور بيار الخوري هو باحث لبناني وكاتب في الاقتصاد السياسي، وهو عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في بيروت. يمكن التواصل معه عبر البريد الإلكتروني التالي: info@pierrekhoury.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى