لماذا لا يَجِبُ على واشنطن أن تخافَ من امتلاكِ السعودية للقنبلة النووية؟

ينبغي المحافظة على توازنِ القوى الإقليمي في كل المجالات وخصوصًا في المجال النووي. تمتلك إسرائيل بالفعل أسلحة نووية، وهذا سببٌ رئيس وراء رغبة إيران في امتلاك قنبلة أيضًا، لذا من المنطقي أن تمتلك المملكة العربية السعودية، القوة الكبرى الأخرى في المنطقة، القنبلة أيضًا.

مفاعل ديمونا الإسرائيلي: لماذا تقبل أميركا بامتلاك إسرائليل للقنبلة النووية وترفضه للسعودية؟

بول بواست*

بالعودة إلى شهر آذار (مارس) الفائت، ذكرت التقارير أنَّ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عرض الانضمام إلى اتفاقات أبراهام، التي أدت إلى تطبيع علاقات إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان. من خلال دمج إسرائيل رسميًا في المنطقة وتحفيز العلاقات الاقتصادية والأمنية المفيدة بين شركاء الولايات المتحدة الرئيسيين، تُوفّرُ الاتفاقات إمكانيةً حقيقيةً لتحويل الشرق الأوسط إلى عالمٍ أفضل. إنَّ ضمَّ الرياض إلى هذه الاتفاقات، الذي من شأنه أن يُمثّلَ التصريح النهائي لشرعية إسرائيل في العالم العربي، كان من أولويات الولايات المتحدة وإسرائيل منذ أن تمَّ التوقيع على تلك الاتفاقات لأول مرة في العام 2020.

لكنَّ العَرضَ السعودي للانضمام إلى اتفاقات أبراهام يأتي بثمن. تطلبُ المملكة من الولايات المتحدة وعودًا بعقودِ أسلحةٍ طويلة الأجل، وعلى الأخص نقل التكنولوجيا النووية المدنية، ظاهريًا لبرنامجٍ محلّي للطاقة النووية. بينما تذكر التقارير أنَّ إدارة جو بايدن تدرس العرض السعودي، فإنَّ واشنطن متردّدة في دفع الثمن الذي تطلبه المملكة. وقد صرّحَ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن علنًا أنه لا تخامره “أوهام” بأنه ستكون هناك صفقة سريعة.

أحد المخاوف هو استخدام الأسلحة الأميركية الصنع في العمليات العسكرية المستمرة للسعودية في اليمن. لكن الشاغل أو الخوف الرئيس هو طلب نقل التكنولوجيا النووية.

من ناحية، يبدو تشجيعُ دولةٍ رئيسة مُنتجة للوقود الأحفوري على تبنّي مصادر طاقة بديلة بمثابة مكسبٍ كبير من وجهة نظر مناخية وبيئية، خصوصًا عندما يكون هناك نقص في هذه المكاسب. من ناحية أخرى، هناك قلقٌ واضح في ما يتعلق بنقل التكنولوجيا النووية إلى المملكة العربية السعودية: في حين يمكن استخدام التكنولوجيا لأغراض إنتاج الطاقة، يمكن أيضًا تكييفها لإنتاج الأسلحة النووية. إن مساعدة الرياض في تطوير قدرة أسلحة نووية من شأنه أن يتعارض مع سياسة أميركا الصارمة لمنع انتشار الأسلحة النووية.

في حين أن مخاوفَ الانتشار أمرٌ مفهوم، إلّا أنها قصيرة النظر. قد تكون فوائد تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية كبيرة. تنطلق هذه الفوائد من تسهيل التعاون الرسمي بين شريكين رئيسيين للولايات المتحدة في المنطقة إلى إمكانية تهيئة الظروف اللازمة لحَلِّ الدولتين للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

في الواقع، صرّح ولي العهد السعودي أنَّ “القضية الفلسطينية كانت ولا تزال القضية المركزية للدول العربية، وهي على رأس أولويات المملكة”. حتى لو كان بيانه مُوَجَّهًا إلى حدٍّ كبير للاستهلاك العام في العالم العربي، فإنَّ الموقفَ السعودي كان ثابتًا منذ فترةٍ طويلة: لن تعترف بإسرائيل حتى يتم التوصّل إلى تسويةٍ نهائيةٍ مُرضية مع الفلسطينيين. إذا كانت عرقلة إسرائيل لمثل هذه التسوية النهائية هي الشيء الوحيد الذي يقف في طريق الاعتراف السعودي، فربما يخلق الضغط اللازم لحلِّ أحد النزاعات القائمة منذ فترة طويلة في المنطقة.

هذه الفوائد وحدها تستحق إعطاء “الثمن المطلوب” السعودي للانضمام إلى اتفاقية أبراهام اعتبارًا جادًا. لا يزال هذا هو الحال حتى في ظل السيناريو الأسوَإِ الذي تستغل فيه المملكة العربية السعودية المساعدة الأميركية لتطوير سلاح نووي. في الواقع، لا ينبغي أن يكون امتلاك السعودية لسلاح نووي مصدر قلق خاص للولايات المتحدة، وذلك لثلاثة أسباب:

أولًا، السعودية مهتمة بالقنبلة لغرضِ استهلاكٍ واضح، أي كوسيلة لكسب الهيبة والنفوذ. إنَّ ثروة المملكة تعني أنَّ عروضَ حزم المساعدات المالية والعسكرية، مثل ما قدمته الولايات المتحدة لمصر منذ العام 1979 مقابل اعترافها بإسرائيل، غير فعّالة هنا. الرياض ليست بحاجة إلى المساعدة، ويمكنها شراء كل أنظمة الأسلحة التي تريدها، بشرط أن تجدَ مَن يرغب في بيع تلك الأسلحة.

بدلًا من ذلك، ترغب السعودية في مكانةٍ على الساحة الدولية. لم تخجل الرياض أخيرًا من اتخاذ خطواتٍ ملحوظة للتباهي بثروتها وتعزيز مكانتها. لا تنظر إلى أبعد من تأسيسها لجولة الغولف الاحترافية “LIV”، والتي اشترت سابقًا  بالكامل جولة “PGA” منظم جولات الغولف الاحترافية في الولايات المتحدة وأميركا الشمالية، ستجعل الرياض الداعم لمنظمة الغولف الرائدة في العالم. قريبًا، ستكون رياضة الغولف، المرتبطة منذ فترة طويلة بالأعمال والسياسة والثروة، مرادفة للمملكة العربية السعودية. منطقٌ مُماثل يدعم الحصول على سلاح نووي. لا يتعلق الأمر بالفائدة الوظيفية لامتلاك القنبلة بقدر ما يتعلق بالحقيقة البسيطة لامتلاك القنبلة. إنها تفرض الهيبة والنفوذ.

ثانيًا ومرتبط: إذا كان يُطلَبُ من المملكة العربية السعودية قبول إسرائيل كنظير، فيجب معاملتها على أنها نظيرٌ أيضًا. في الوقت الحاضر، إسرائيل هي القوة الوحيدة المُسلحة نوويًا في المنطقة، على الرُغم من أن موقفها الرسمي هو عدم تأكيد أو نفي امتلاك مثل هذه الأسلحة. بغض النظر عن أسباب امتلاك إسرائيل للقنبلة النووية أو كيفية تشكيل علاقاتها مع الدول الأخرى، فإن الحقيقة هي أن هذا لا يمنح إسرائيل عنصرًا رئيسًا للأمن فحسب، بل يمنحها أيضًا قدرًا من المكانة والهيبة. السعودية ترغب في مكانة مماثلة. إنَّ عدم ثقة الولايات المتحدة بامتلاك الرياض للقنبلة بينما تقبل واشنطن في الوقت نفسه امتلاك إسرائيل لها ضمنيًا – وربما حتى صراحة – يضع المملكة العربية السعودية في مرتبة أدنى من إسرائيل.

ثالثًا، إذا كانت الولايات المتحدة على استعداد للتسامح مع امتلاك إيران قنبلة، فعليها أن تتسامح مع امتلاك السعودية قنبلة أيضًا. بالطبع، لا تتسامح أميركا حتى الآن مع امتلاك إيران قنبلة. ولكن كما جادلتُ من قبل، يجب أن يحدث ذلك. إيران، مثل المملكة العربية السعودية، تسعى أيضًا إلى الحصول على القنبلة لأسبابٍ تتعلق بالهيبة والهيمنة وليس للاستخدام الفعلي.

لكي نكون واضحين، فإنَّ السماحَ لكلٍّ من إيران والسعودية بامتلاك قنبلة ليس دعوة للانتشار المطلق في الشرق الأوسط. في حين أن دولًا إقليمية أخرى، مثل قطر والإمارات العربية المتحدة، قد ترغب أيضًا في الحصول على القنبلة، إلّا أنَّ هناك خطًا يمكن رسمه. على وجه التحديد، يجب أن يُحافِظَ هذا الخط على توازنِ القوى الإقليمي. تمتلك إسرائيل بالفعل أسلحة نووية، وهذا سبب رئيس وراء رغبة إيران في امتلاك قنبلة أيضًا. من المنطقي أن تمتلك السعودية، القوة الكبرى الأخرى في المنطقة، القنبلة أيضًا.

في النهاية، هناك أيضًا سببٌ أخير للولايات المتحدة للنظر في مساعدة المملكة العربية السعودية لمتابعة طموحاتها النووية: من الأفضل المشاركة في البرنامج بدلًا من عدم المشاركة. كدولة غنية لديها رواسب اليورانيوم المُكتَشفة أخيرًا، يمكن للمملكة العربية السعودية على الأرجح أن تصنع قنبلة بمفردها إذا رغبت في ذلك. هذا يعني أن أميركا أمامها خيار. يمكن أن تقود جهدًا لعرقلة البرنامج النووي المدني السعودي، مع تداعيات ذلك على إضعاف الشراكة الأميركية الرئيسة التي تُعتَبَرُ بالغة الأهمية للاستقرار الإقليمي، نظرًا إلى الثروة النفطية الهائلة للمملكة، ولعمل الاقتصاد العالمي. أو يمكن للولايات المتحدة أن تختار لعب دورٍ بنّاء في تطوير وإدارة برنامج المملكة العربية السعودية، ما يتيح لواشنطن المزيد من الفرص لضمان عدم زعزعة استقرار المنطقة. في حين أن أيًا من الخيارين ليس مثاليًا، فمن الواضح أن الخيار الذي يوفر مزيدًا من التحكّم والاستقرار الإقليمي هو الأفضل.

  • بول بواست هو أستاذ مشارك في قسم العلوم السياسية بجامعة شيكاغو وزميل غير مقيم في مجلس شيكاغو للشؤون الدولية.
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى