حينَ تَكَلَّمَت جنين

راشد فايد*

ما قالته جنين في صدّها الإعتداء الوحشي الإسرائيلي الأخير إن فلسطين قضية وطنية فلسطينية، أولًا، وقبل أن تكون قضية قومية عربية استنفدت كل رهان من محيطها، انظمةً وشعوبًا، على قيام الدولة الفلسطينية بتفوّقٍ عسكري على نمط عبور قناة السويس سنة 1973، وتحرير سيناء من الإحتلال. هذا أمرٌ لا طريق إليه بلا حلفاء، وإذا توافروا، ولن يتوافروا سوى في الخطابات الجهورية، وفي التلويح بالقبضات، ولا يمكن أن يكون الحال سوى نسخة عن الصراع الراهن بين روسيا والغرب في أوكرانيا. ولعلَّ في ذلك سببًا كافيًا لاستبعاد هذا المشهد، خصوصًا في الظروف الإقليمية، والدولية الراهنة، وفي ظلها كلٌّ يصرخُ نفسي نفسي، أنظمةً ودولًا، ويحسب لكل خطوة ألف حساب.

أعطى الفلسطينيون، من جنين، درسًا يقول إن الرهان الوحيد الصائب هو على إرادة الفلسطينيين تحرير وطنهم، والتصدي بدمهم وأجسادهم للمحتل، على امتداد الزمن. فعنادهم الوطني، وحده، يبقي قضيتهم نابضة حية، ويعبّد بجثامين شهدائهم الدرب الى وطن الزيتون.

قبل قرابة عامَين، عاد العمل العسكري في الضفة الغربية المحتلة، بعد غيابٍ لنحو 15 عامًا، عندما أعلن رسميًا عن تأسيس كتيبة جنين في أيلول (سبتمبر) 2021 بعد عملية “نفق الحرية” في سجن جلبوع، ، حين تمكّنَ  6 أسرى من الخروج من السجن، ومن بعدها تكرّرت المواجهات، في جنين وغيرها، حتى اعتاد أهل البلدة والمخيم المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي منذ عملية “السور الواقي” التي جرت في العام 2002.

حضرت القضية الفلسطينية في جنين، قبل نحو أسبوع، بوجهها الوطني الفلسطيني الحاسم والجامع، لكنها غابت بوجهها القومي العربي، كما غاب الرهان على “حربٍ ديبلوماسية” عربية تواجه وحشية إسرائيل المشهودة ضد الفلسطينيين، مع أن ذلك كان جُزءًا من تبرير اتفاقات التقارب معها ببركة واشنطن خلال السنين المنصرمة، وكان من شروط الموافقة على التطبيع، تغيير إسرائيل موقفها من تسوية الصراع الذي ما زال مُحتدمًا مع بعض الدول العربية، خصوصًا مع سوريا ولبنان، تحت مظلة مبادرة السلام العربية التي تشترط على إسرائيل إتمام الانسحاب أوّلًا من كلِّ الأراضي العربية التي احتلتها في حرب 1967، بما فيها هضبة الجولان السورية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967.

حلَّ الصمتُ الرسمي العربي، إلّا من بعض بيانات الإدانة الخجولة، كأنه إقرارٌ للاحتلال بالاستمرار في ارتكاب جرائمه ضد المدنيين العُزَّل، وكأن ما تنفذه اسرائيل هو من دورها كدولةٍ مع مواطنيها، وكأنَّ الضفة ليست محتلة. فكيف والغطاء السياسي والديبلوماسي الأميركي والأوروبي هو أكثر ما يساعد حكومة الاحتلال في مواصلة انتهاكاتها  للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وضربها عرض الحائط باتفاقيات جنيف وجميع المواثيق الدولية التي تكفل حماية  الفلسطينيين تحت الاحتلال.

  • راشد فايد هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني. يُمكن متابعته عبر تويتر على: @RachedFayed
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى