إمكاناتُ وقيودُ التعاون الروسي-الصيني في الشرق الأوسط
على الرُغم من أن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين قد تعززت في السنوات الأخيرة، إلّا أنَّ قيادتَي البلدين نادرًا ما تنخرطان معًا في شؤون الشرق الأوسط.
صَموئيل راماني*
في 28 أيار (مايو)، اجتمعت مجموعةُ عملِ شؤون الشرق الأوسط في وزارتَي الخارجية الروسية والصينية في مدينة تشنغدو بالصين. ترأس الاجتماع رئيس مكتب الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر كينشاك، ورئيس قسم الشؤون الآسيوية والأفريقية في وزارة الخارجية الصينية، وانغ دي. في بيانٍ مشترك، دعت وزارتا الخارجية الروسية والصينية بالاتجاه نحو المصالحة الإقليمية في الشرق الأوسط وتعهّدتا “بالتنسيق والتعاون بشكلٍ وثيقٍ في قضايا الشرق الأوسط”.
على الرُغم من أن الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين قد تعزّزت في السنوات الأخيرة، إلّا أنَّ قيادتَي البلدين نادرًا ما تنخرطان معًا في شؤون الشرق الأوسط. تنظر روسيا إلى التأكيد الديبلوماسي المتزايد للصين في الشرق الأوسط، والذي تجلى من خلال توسّطها في صفقة التطبيع بين السعودية وإيران في آذار (مارس) 2023، كخطوةٍ إيجابية نحو نظامٍ إقليمي متعدد الأقطاب. ومع ذلك، تحاول روسيا تجنّب أن تطغى عليها الصين تمامًا كحَكَمِ صراع أو وسيطٍ مُحتَمل. بينما يتفق البلدان على معارضة العقوبات أحادية الجانب والانتفاضات الديموقراطية في الشرق الأوسط، فإن بكين لا توافق عالميًا على مواقف موسكو بشأن الأزمات الإقليمية واستراتيجيتها لعَرضِ القوة.
حذرٌ روسي من دور الصين في الشرق الأوسط
عندما انتشرت الأنباءُ عن توسّط الصين في التطبيع بين السعودية وإيران، أصدر المسؤولون والمعلّقون الروس عبارات مدح. وأكد المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف: “إننا نرحب بأي خطوات يمكن أن تساعد وستساعد على تخفيف التوترات وتنشيط الحوار في المنطقة، في منطقةٍ غير مستقرة للغاية. خصوصًا عندما يتعلّق الأمرُ بلاعبين إقليميين رئيسيين مثل المملكة العربية السعودية وإيران”. وأشاد مستشار الكرملين السابق سيرغي ماركوف بالتطبيع باعتباره “نجاحًا هائلًا للصين” وادّعى أنَّ “روسيا تربح أيضًا” في الوقت الذي تقوم الصين بتشكيل تحالفٍ مُناهض لأميركا. وادّعى المعلّق في وكالة “ريا نوفوستي” بيتر أكوبوف أنَّ العالم الإسلامي أصبح الآن “شريكًا قويًا” سيساعد روسيا والصين على بناء نظامٍ عالميٍّ جديد.
على الرُغمِ من هذا الخطاب المفرط بالتفاؤل، فإن النجاح الديبلوماسي للصين طغى بوضوح على طموحات التحكيم والوساطة الروسية في الخليج العربي. اقترحت روسيا نفسها مرارًا وتكرارًا كوسيط محتمل بين المملكة العربية السعودية وإيران، وجددت هذا العرض أخيرًا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022. وقد كشفت روسيا أيضًا عن مفهومها للأمن الجماعي للخليج العربي في تموز (يوليو) 2019، والذي دعا إلى حوارٍ مُتَعدّد الأشكال بين قوى المنطقة المتصارعة والتأسيس النهائي لـ “منظمة الأمن والتعاون في الخليج العربي”. ستعكس الهيئة الأمنية الخليجية المقترحة من قبل روسيا مؤتمر مدريد لعام 1991، الذي رعته الولايات المتحدة مع الاتحاد السوفياتي، والذي جلب إسرائيل إلى طاولة المفاوضات مع خصومها، مثل سوريا ولبنان والأردن.
إن الفكرة القائلة بأن الصين انتهكت المضمار التقليدي لروسيا وتفوّقت في المناورة على الكرملين تظهر في وسائل الإعلام الروسية. أشار مقالٌ نشرته صحيفة “Kommersant” في 10 آذار (مارس) إلى أنَّ محاولة الصين “تكثيف النشاط السياسي بجدية” في الشرق الأوسط تسببت في دخولها إلى منطقةٍ كانت في السابق من اختصاصِ روسيا والولايات المتحدة. وذهبَ مقالٌ في 2 نيسان (أبريل” في “لينتا” (Lenta) إلى أبعد من ذلك، حيث قال: “كلٌّ من روسيا والولايات المتحدة خاسرة إلى حدٍّ ما في هذه القصة: الصين ملأت المساحة الفارغة التي خلفتها الدول المنخرطة في الصراع في أوكرانيا”. وادّعى أندريه زيلتين، الأكاديمي في المعهد العالي للاقتصاد، أن جهود الوساطة الروسية كانت دائمًا غير مجدية وغير مقبولة، لأن إيران رأت أن التدخل العسكري الروسي في سوريا في العام 2015 مثّلَ، وما زال يمثل، تهديدًا لخطط طهران للهيمنة الطويلة المدى ولن تفكر في وساطة روسية.
وللتخفيف من وطأة الضربة، صوّر المسؤولون الروس موسكو على أنها مصدرُ إلهامٍ ومُيَسِّرٌ لجهود الوساطة التي تبذلها بكين. وزعَمَ رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما، ليونيد سلوتسكي، في 11 آذار (مارس)، أن جهود الوساطة الصينية “تتماشى مع روح” خطة روسيا الأمنية الخليجية. كما زعم سلوتسكي أن دعم روسيا لممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب، والذي يشمل إيران وسلطنة عُمان، سيصبح “أهم بناء اقتصادي فوق الأساس الاستراتيجي الذي تمّ تحقيقه في بكين”. يسعى هذا المشروع إلى إنشاء ممر بطول 7,200 كيلومتر من شأنه زيادة الاتصال التجاري بين المدن الرئيسة في الهند وإيران وأذربيجان وروسيا، ونقل الشحن إلى آسيا الوسطى وأوروبا. وكان الدور المؤثر لروسيا في تسهيل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في أيار (مايو) 2023 نجاحًا ديبلوماسيًا رفيع المستوى، ما أكد استمرار أهميتها في مجال الديبلوماسية البينية في الشرق الأوسط.
التحالف الصيني–الروسي في الشرق الأوسط غير مرجّح
على الرُغمِ من أن نظرةَ روسيا مُختلطة بالنسبة إلى النفوذ الديبلوماسي الصيني المتنامي في الشرق الأوسط، فإن المسؤولين الروس يسلّطون الضوءَ بشكلٍ روتيني على وجهات النظر المتقاربة لكلا البلدين بشأن الشؤون الإقليمية. في 13 آذار (مارس)، ادّعى نائب مجلس الدوما فياتشيسلاف نيكونوف أن “إفلاس” السياسة الخارجية الأميركية ساعد على إنشاءِ “تحالفٍ روسي-صيني في الشرق الأوسط”. في 21 آذار (مارس)، وقع الرئيسان فلاديمير بوتين وشي جين بينغ بيانًا مُشتَركًا يدعم “السلام والاستقرار في الشرق الأوسط” ويعارض التدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط.
رُغمَ هذا الخطاب المتفائل، فإنَّ نطاقَ التعاون الصيني-الروسي في الشرق الأوسط ضيّقٌ نسبيًا. في مجلس الأمن الدولي، عارضت روسيا والصين بشكلٍ مشترك فرض عقوبات على حكومة الرئيس السوري بشار الأسد لاستخدامها أسلحة كيماوية، وأحبطتا محاولات الولايات المتحدة لتمديد حظر الأسلحة المفروض على إيران في العام 2020. وتنظر روسيا والصين إلى ثورات “الربيع العربي” في العام 2011 بشكٍّ عميق وعارضتا بشدة التدخل العسكري لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي أطاح الديكتاتور الليبي معمر القذافي. في حزيران (يونيو) 2022، دافعت روسيا والصين عن إيران ضد انتقادات الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتفسيرات طهران لبرنامجها النووي قبل العام 2003.
تُخفي مظاهر التضامن هذه وجهات النظر المتباينة لروسيا والصين بشأن الأزمات الإقليمية. إن ميل الصين إلى تقديم نفسها كقوة في الوضع الراهن ووجهة نظر متشككة للجهات المسلحة غير الحكومية تعكس نهجها المتمركز حول الاستقرار لتوسيع مبادرة الحزام والطريق. يتناقض هذا مع الإستراتيجية الروسية متعددة النواقل الموازِنة واستعدادها للاستفادة من الشخصيات المعادية للنظام لإنشاء موطئ قدم جيوسياسي. أذعنت الصين للتدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن، والذي يتناقض مع موقف روسيا الأكثر انتقادًا وامتناعها عن التصويت لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 في نيسان (أبريل) 2015. وقد تبنت الصين نهج عدم الانحياز في الصراع الليبي، بينما استخدمت روسيا متعاقدين عسكريين خاصين من مجموعة فاغنر لدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر. وقد هدد دعم مجموعة فاغنر لهجوم حفتر المشؤوم في نيسان (أبريل) 2019 على طرابلس، والاستيلاء على منشآتٍ نفطية رئيسة في شرق ليبيا، المصالح التجارية للصين مع حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقرًا لها. على الرغم من موقفهما المشترك المؤيد للأسد، لم تنضم الصين إلى روسيا في استخدام حق النقض ضد قرار مجلس الأمن الدولي الصادر في تموز (يوليو) 2022 والذي يسمح بتسليم المساعدات عبر الحدود السورية-التركية في باب الهوى.
كما إنَّ للصين تحفّظاتٍ جدّية بشأن الطبيعة الانتهازية والاستقطابية لاستراتيجية روسيا في الشرق الأوسط. أندريا غيزيلي، الأستاذة المساعدة في جامعة فودان، تؤكد أنه في بكين، “يُنظَرُ إلى روسيا على أنها فاعلٌ انتهازيٌّ لا يتوافق سلوكه إلّا جُزئيًا مع المصالح الصينية”. وقد تفاقمت هذه المخاوف منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط (فبراير) 2022. ففي تقريرٍ صادرٍ عن مركز جامعة بكين لدراسات الشرق الأوسط في تموز (يوليو) 2022، اعترفَ وانغ لينكونغ، خبير شؤون الشرق الأوسط في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، بأنَّ الحرب الأوكرانية شحذت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في الشرق الأوسط و”خلقت شكوكًا” بالنسبة إلى تأثير الصين الإقليمي. وقد شارك مؤلفو التقرير هذا الرأي وتبنّوه على نطاقٍ واسع، حيث أعربوا أيضًا عن شكوكهم بشأن إمكانية التنسيق الصيني-الروسي ضد استراتيجيات الاحتواء الأميركية.
حتى لو تمكّنت روسيا والصين من حلِّ هذه الخلافات، فإن الخبراء الصينيين يشكّكون في فائدة روسيا كشريكٍ إقليمي محتمل. أعلن تقريرٌ صادر عن جامعة تسينغهوا في آب (أغسطس) 2022 كتبه الخبيران الأكاديميان ديغانغ صن ولي ديانديان أن “روسيا قوة إقليمية في أوراسيا ولديها أربع شراكات غير رسمية فقط في الشرق الأوسط”. ويسرد المقال سوريا وإيران كشريكين “يدعمان أخلاقيًا” روسيا، والجزائر كـ”تابع سلبي”، والسودان كـ”شريكٍ غير رسمي ضعيف”. ويقدّمُ الأكاديمي الصيني يانغ تشنغ حجة تكميلية. في تموز (يوليو) 2022، رأى تشنغ أنه “ليس من المستبعد أن يتراجع نفوذ روسيا في الشرق الأوسط أو حتى يتراجع بسرعة”، وجادل بأن دفع روسيا لتوسيع منظمة شنغهاي للتعاون، وهي منظمة سياسية واقتصادية وأمنية أوروآسيوية، ومجموعة البريكس، وهي مجموعة من الاقتصادات الإقليمية الرائدة (بما في ذلك البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، في الشرق الأوسط لن توقف أو تعكس هذا الاتجاه التنازلي.
على الرُغمِ من أنَّ روسيا والصين تشتركان ظاهريًا في رؤيةٍ مشتركة للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط، إلّا أنَّ مقاومة موسكو لدور الشريك الأصغر والأهداف المتضاربة تعرقل التعاون الصيني-الروسي. ونظرًا إلى أنَّ الحكم الذاتي الاستراتيجي يظل مبدأً إرشاديًا للديبلوماسية الإقليمية في الشرق الأوسط، فمن المرجح أن تعمل روسيا والصين على تعزيز مصالحهما بطريقة موازية ولكن ليس بالضرورة أن تكون مكملة الواحدة للأخرى.
- صموئيل راماني هو أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة أكسفورد، وقد حصل على شهادة الدكتوراه في آذار (مارس) 2021، وهو أيضًا زميلٌ مشارك في “RUSI“. يمكن متابعته عبر تويتر على: @ samramani2.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.