الصفقة السعودية-الإيرانية تَخدُمُ المصالح الأميركية؟

لا ينبغي المبالغة في التداعيات السلبية للصفقة بين الرياض وطهران على العلاقات الأميركية-السعودية. سيستمر السعوديون في الاعتماد على الولايات المتحدة للأمن لسنوات، إن لم يكن لعقود، مقبلة، والاختراق الديبلوماسي لبكين ليس عميقًا كما يظن البعض.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يستقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ: الزيارة التي أدت إلى الاتفاق السعودي-الإيراني

مايكل ماكفول وعباس ميلاني*

من خلال التوسّط في صفقةٍ لإحياءِ العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، حقّق الرئيس الصيني شي جين بينغ اختراقة ديبلوماسية في الشرق الأوسط. وهذا جديد: عادة ما تمتنع الصين عن لعب دور الوساطة، ناهيك في الشرق الأوسط. على السطح، يبدو الأمر مهمًّا: فقد وصفت بكين وموسكو -وكذلك منتقدو إدارة بايدن في واشنطن- الاتفاقية بأنها انتكاسة لنفوذ الولايات المتحدة ومكانتها في الشرق الأوسط وحول العالم.

ومع ذلك، فإن الحفر أعمق قليلًا، يفيدنا بأن السماء لن تسقط على واشنطن. على العكس، في حين أن الصفقة قد تكون أضرّت مؤقتًا ببعض المصالح الأميركية في المنطقة، إلّا أن الاتجاه الإيجابي قد يفوق بشكل كبير الجانب السلبي، في المديين القصير والطويل.

على الجانب السلبي من دفتر الحسابات، فإن الذي لا يخدم المصالح والقِيَم الأميركية هو التعاون الأعمق بين ثلاثة أنظمة استبدادية – الصين وإيران والمملكة العربية السعودية (ورابع، روسيا، داعمة بالكامل في الخلفية). كلٌّ منها تقمع حقوق الإنسان وأي حملات من أجل الديموقراطية في الداخل وتكره تقدّم الديموقراطيين والأفكار الديموقراطية في الخارج، بما في ذلك خلال “الربيع العربي” قبل أكثر من عقد، وفي كفاح أوكرانيا من أجل السيادة اليوم.

بالإضافة إلى ذلك، من خلال التوسّط في الاتفاقية، حقق شي جين بينغ وديبلوماسيوه دفعةً قوية لصورة الصين كمُرَوِّج للسلام والاستقرار. في الوقت الذي صاغ كل من شي والرئيس الأميركي جو بايدن العلاقات الأميركية-الصينية على أنها تنافسية ومواجهة، ينظر الكثيرون إلى نجاح بكين في الشرق الأوسط على أنه خسارة لواشنطن. يبدو أن اختراق بكين الديبلوماسي يؤكد فَرَضِيِّة شي حول الصين كقوة صاعدة والولايات المتحدة كقوة متراجعة. علاوة على ذلك، في تأمين هذه الصفقة، عززت الصين دورها كقائد للاستبداد العالمي – وهي إشارة إلى بقية العالم بأن الديموقراطية الليبرالية آخذة في التلاشي، بينما تبدو الديكتاتورية غير الليبرالية هي المستقبل.

كما أرسى الاتفاق شريان الحياة للديكتاتورية المُتَعثّرة في طهران، وهو نظام يائس مُحاصَر اقتصاديًا ومُحاصَر سياسيًا في الداخل ومعزولًا دوليًا. كانت الصين خاطرت في البداية بعلاقاتها طويلة الأمد مع إيران من خلال رعاية علاقاتٍ أوثق مع المملكة العربية السعودية. أدى التقارب مع بكين هناك إلى تضخيم المظالم السعودية والعربية ضد إيران، الأمر الذي أغضب وأثار أعصاب رجال الدين في طهران. ومع ذلك، عاد الديبلوماسيون الصينيون بذكاء إلى إيران، وطمأنوا القيادة الإيرانية وجعلوها على استعداد لتقديم تنازلات لقادة المملكة العربية السعودية في الرياض. في الوقت الحالي، يعزز اختراق بكين الديبلوماسي الحكام المستبدين في إيران، الأمر الذي يضر بشكل واضح بالمصالح الوطنية للولايات المتحدة. من خلال تعزيز النظام في طهران، يُضعِفُ الاتفاق الحركة الديموقراطية في إيران ويسمح لإيران أكثر استقرارًا بمساعدة روسيا في حربها على أوكرانيا. عندما يتعاون الحكام المستبدّون، يخسر الديموقراطيون – في إيران وأوكرانيا وأماكن أخرى.

أخيرًا، إذا تم تنفيذ الاتفاقية (وهو أمرٌ ليس سهلًا)، فقد تضعف احتمالات المزيد من التقارب العربي-الإسرائيلي.

ولكن عندما يتم قياسُ إجمالي المصالح الأميركية، فإن الصفقة تُقدّم أيضًا العديد من الأهداف الأمنية الأميركية الأخرى في المنطقة. في المدى الطويل، قد يعيق هذا حتى الأهداف الصينية.

أولًا، والأهم، إن استئناف العلاقات السعودية-الإيرانية سيساعد على ترسيخ الهدنة في اليمن، وهي حربٌ بالوكالة مروّعة شارك فيها الخصمان. بدأت هذه الحرب الأهلية المأسوية في العام 2014، عندما استولى الحوثيون المدعومون من إيران على معظم اليمن. أدى ذلك إلى تدخل السعودية لإعادة الحكومة، الأمر الذي أدى بدوره إلى دورة تصعيد استمرت سنوات. في العام 2019، هاجمت طائرات إيرانية مُسَيَّرة منشآت التكرير التابعة لشركة النفط السعودية أرامكو؛ وفي العام 2021، استخدم الحوثيون الأسلحة الإيرانية لتصعيد هجماتهم المدفعية والصاروخية بشكل جذري على أهداف سعودية، بما في ذلك المدنيين. ورد السعوديون بمهاجمة أهداف في اليمن، وقتلوا مدنيين أيضًا.

ساعدت إدارة بايدن، بدعمٍ من دول أخرى ملتزمة بوقف هذه الحرب، على التفاوض على هدنة. لكن الرياض رفضت إعادة العلاقات الديبلوماسية مع طهران إلى أن تُوافِقَ إيران على وقف دعم الحوثيين وهجماتهم على السعودية. عند التوقيع على الاتفاق في الأسبوع الفائت، أذعن الملالي في طهران للشرط السعودي. هذا جيد للمصالح الوطنية الأميركية، ومُفيدٌ لليمن، وكذلك للديموقراطيين في إيران الذين انتقدوا منذ فترة طويلة تدخّلَ نظامهم في اليمن. تريد الولايات المتحدة شرق أوسط أكثر استقرارًا، والاتفاقية الجديدة – بغض النظر عمّن توسّط فيها – هي خطوة إيجابية نحو هذا الهدف.

بالطبع، لا ينبغي لأحد أن يتوهّمَ أن استئناف العلاقات الديبلوماسية سيُنهي كل الصراعات بين السعودية وإيران. لم توقف العلاقات الديبلوماسية بين موسكو وكييف غزو روسيا لأوكرانيا في العام 2014، على سبيل المثال. الاتفاق خطوة إيجابية وضرورية، لكنها خطوة صغيرة يمكن التراجع عنها بسهولة. ومع ذلك، فإن المزيد من الاتصالات الأفضل والشفافة بين إيران والمملكة العربية السعودية قد تجنب المنطقة حدوث صراع أكبر، وهذا أيضًا يصب في المصلحة الوطنية الأميركية.

ثانيًا، يبقى أن نرى ما إذا كانت فوائد الصفقة للحكام المستبدّين في إيران ستُتَرجَم إلى مكاسب طويلة الأجل. لا يزال يُنظَر إلى إيران وتطلعاتها لحيازة أسلحة نووية على أنها تهديدٌ أمني، ولن يتغيَّر ذلك مع هذا الاتفاق. لا يزال مستوى انعدام الثقة بين السعودية وإيران مُرتفعًا. إذا انهار الاتفاق، فمن المرجح أن يتم إلقاء اللوم على إيران، وربما حتى من قبل الصين. مع عدم تلاشي الحركة الديموقراطية الإيرانية في أي وقت قريب، سيحصل النظام الإيراني الفاسد على فترة راحة محتمَلة، ولكن ليس شريان حياة، من الصفقة. الاقتصاد على وشك الانهيار. خمدت مقاومة النظام، وبخاصة من النساء الشجاعات، لكنها لم تختفِ. ولم يكن الشتات الإيراني منظمًا ومعبَّأً على الإطلاق لمساعدة إيران على الانتقال إلى الديموقراطية العلمانية. العلاقات الديبلوماسية مع الرياض لن تقضي على أي من هذه التحديات الكبرى للنظام الإيراني.

ثالثًا، اعتبار هذه الاتفاقية خسارة طويلة الأمد للديبلوماسية الأميركية أمرٌ سابق لأوانه. لا تحتاج الولايات المتحدة ولا ينبغي لها أن تحاول احتواء القوة الصينية في كل قضية في كل مكان في العالم. كان هذا خطأ واشنطن تجاه الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، ما أدّى إلى مستنقع مثل حرب فيتنام ودعم المتمردين المستبدين مثل جوناس سافيمبي في أنغولا. علاوة على ذلك، لم تعد الولايات المتحدة اليوم تمتلك الموارد لمتابعة الاحتواء العالمي الكامل. بدلًا من ذلك، يجب على الولايات المتحدة احتواء الصين بشكل انتقائي. هذه الصفقة التي توسطت فيها الصين هي واحدة من تلك الحالات التي لا تحتاج فيها واشنطن إلى إنفاق جهد وطاقة في محاولة لتقويض بكين. في بعض الأحيان، يمكن أن تكون الديبلوماسية الصينية مكمّلة جُزئيًا على الأقل للمصالح الوطنية الأميركية، كما هو الحال في الصفقة السعودية-الإيرانية.

علاوة على ذلك، فإن محاولات الصين لتوسيع نفوذها تستدعي دائمًا تجاوزات وردود فعل عنيفة أضعفت الصين أصلًا ويمكن أن تكون كذلك مع هذه الصفقة في المدى الطويل. يشارك شي جين بينغ الآن عبء الحفاظ على السلام في الشرق الأوسط. هذه ليست مهمة سهلة، كما تعلمت الولايات المتحدة بمرارة على مدى عقود. يمكن أن تفشل الاتفاقية الجديدة بسهولة. ولم يقدّم البيان المشترك أي توضيح حول كيفية استجابة الأطراف المُوَقِّعة للانتهاكات أو أيّ سلوك مُنحرف آخر. كيف سيرد الديبلوماسيون الصينيون على أي معركة عسكرية بين القوات المدعومة من السعودية والقوات المدعومة من إيران في اليمن؟ أو على هجوم إرهابي في أحد البلدين يلوم أحدهما الآخر على دعمه؟ أو على إجراءات جديدة من جانب إسرائيل لوقف برنامج إيران النووي؟ عندما تعاود التوترات السعودية-الإيرانية الظهور حتمًا، فهل ستكون الصين قادرة على فرض اختراق ديبلوماسي لها دون الانجرار بشكل أعمق إلى السياسات المعقدة للمنطقة؟ في هذه المناورة المحفوفة بالمخاطر، فإن تعثّرَ بكين سيكشف حدودها كقوة عظمى.

رابعًا، لا ينبغي المبالغة في التداعيات السلبية للصفقة على العلاقات الأميركية-السعودية. سيستمر السعوديون في الاعتماد على الولايات المتحدة للأمن لسنوات، إن لم يكن لعقود، مقبلة. اشترت الرياض أنظمة أسلحة أميركية لعقود. أكملت أميركا لتوِّها مناورة بحرية ضخمة في المنطقة، شملت كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل. والسعوديون مرتبطون بعمق بالاقتصاد الأميركي. في 14 آذار (مارس)، وقعت المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر طلبات شراء الطائرات على الإطلاق مع شركة بوينغ، والتي وصفها البيت الأبيض بأنها صفقة تاريخية. لم تتأثر أيٌّ من هذه العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بالاتفاق الذي توسّطت فيه الصين. يحتاج السعوديون أيضًا إلى الولايات المتحدة لإصلاح علاقتهم بإسرائيل.

في الوقت نفسه، فإن العلاقة الدافئة بين المملكة العربية السعودية والصين حقيقية ومن المرجح أن تنمو، لأسباب ليس أقلها أنه من السهل على الديكتاتوريين التعاون في ما بينهم. لن ينتقد شي جين بينغ أبدًا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. والرياض، تمامًا مثل طهران، لن تنتقد بكين أبدًا بسبب قمعها المُرَوِّع للمسلمين في شينجيانغ. لم تعد الولايات المتحدة تعتمد على المملكة العربية السعودية في النفط، بينما يرى السعوديون فرصًا جديدة للتعاون الاقتصادي مع مستورد رئيس للنفط مثل الصين. في مقابل الطاقة، يمكن للصين أن تُزوّد المملكة العربية السعودية بالتكنولوجيا التي تشتد الحاجة إليها، خاصة للمراقبة المحلية.

ولكن إلى أي مدى يجب أن تهتم واشنطن حقًا بتنمية التعاون بين هذه الأنظمة الاستبدادية الثلاثة؟ هل العلاقات الوثيقة مع النظام الملكي السعودي تخدم حقًا المصالح الأميركية طويلة المدى؟ هل تريد الولايات المتحدة أن تكون مُقَيَّدة لعقود من الزمن في التفاوض والحفاظ على اتفاقيات سلام بين المملكة العربية السعودية وإيران؟ أو هل يمكن تعزيز مصالح وقيم الأمن القومي للولايات المتحدة بشكل أفضل مع مشاركة أقل في الشرق الأوسط – وبخاصة انخراط أقل في محاولة الحفاظ على السلام بين نظامين استبداديين؟ في العصر الجديد من منافسة القوى العظمى، حيث يتعيّن على قادة الولايات المتحدة اختيار معاركهم مع الصين بعناية، لا ينبغي أن يكون الحفاظ على السلام بين دكتاتوريين في الشرق الأوسط أولوية قصوى. لدى واشنطن مصالح أكثر أهمية يجب متابعتها والدفاع عنها، خصوصًا في آسيا.

إذا كانت واشنطن ستستمر في المشاركة في الشرق الأوسط، فلا ينبغي أن يكون ذلك لتعزيز علاقات طهران الإقليمية. بدلًا من ذلك، يجب أن يكون الهدف دعم التغيير الديموقراطي السلمي داخل إيران، والذي من شأنه أن يغير قواعد اللعبة لمصالح الولايات المتحدة وقيمها والمنطقة. وبالمثل، ينبغي على الولايات المتحدة أن تفعل المزيد لدعم حقوق الإنسان داخل المملكة العربية السعودية. الديبلوماسية المكوكية بين دكتاتوريتين تساعد على الحفاظ على سلطتهما في الداخل لا تخدم المصالح الأميركية طويلة المدى بشكل جيد. في الواقع، قد يسمح وجود أعمال أقل مع كل من الأنظمة الاستبدادية للولايات المتحدة والديموقراطيات الأخرى بلعب دور أكثر مبدئية وقوة في تعزيز التعددية السياسية وحقوق الإنسان في المنطقة – والذي سيكون في المدى الطويل أساسًا أكثر استدامة للاستقرار في الشرق الأوسط من الحكم الاستبدادي.

  • مايكل ماكفول هو مدير معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية، وأستاذ العلوم السياسية، وزميل أول في معهد هوفر في جامعة ستانفورد. في إدارة أوباما، كان سفيرًا للولايات المتحدة في روسيا، ومديرًا بارزًا للشؤون الروسية والأوروبية الآسيوية في مجلس الأمن القومي، ومساعدًا خاصًا للرئيس. يمكن متابعته عبر تويتر على: McFaul@
  • عباس ميلاني هو مدير حميد وكريستينا مُقدّم للدراسات الإيرانية وزميل باحث في معهد هوفر في جامعة ستانفورد. يمكن متابعته عبر تويتر على: milaniabbas@
  • صدَرَ هذا المقال بالعربية في “أسواق العرب” توازيًا مع صدوره بالإنكليزية في “فورين بوليسي” الأميركية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى