تاء التأنيث تُعزّز الجيش اللبناني

منذ تعيين العماد جوزيف عون قائداً للجيش اللبناني لاحظ المراقبون إرتفاع عدد الإناث اللواتي تطوّعن في صفوفه، ولكن ايبدو أن التحدّي المُقبل سيكمن في ترسيخ مكاسب هؤلاء المجنّدات.

العماد جوزيف عون: تعزيز دور المرأة في “صُلب أولوياته”

بقلم دينا عرقجي*

في 8 آذار (مارس) الفائت، وتزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، بثّت هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي.) تقريراً عن إمرأتين من القوات الجوية اللبنانية تتدرّبان على قيادة طائرات حربية للمرة الأولى في لبنان. ونظراً إلى أهمية هذا الحدث، نشر الجيش اللبناني مقطعاً مُصَوَّراً قصيراً يُظهر انخراط الإناث المتزايد في صفوفه.
شهد الجيش اللبناني زيادة كبيرة في عدد الفتيات اللواتي انخرطن في صفوفه منذ تعيين العماد جوزيف عون قائداً للجيش في آذار (مارس) 2017. ولم يكن ذلك مفاجئاً إذ أن عون قد صرّح إلى موقع “بي. بي. سي.” أن تعزيز دور المرأة يكمن في “صُلب أولوياته”، وأن الهدف النهائي هو التوصّل إلى “إشراك النساء في القتال”. وبالفعل، بدأت مجموعة متنوّعة من الوحدات العسكرية، بما فيها أفواج الحدود البرية ولواء الحرس الجمهوري، بضمّ الإناث إلى صفوفها بشكل متزايد.
على الرغم من أن هذا الإزدياد في أعداد النساء وفي المهام المولَجة إليهن جديرٌ بالثناء، فلا تزال ثمة نقاط استفهام عدة. فمن غير الواضح مثلاً ما هي الإفتراضات والاستراتيجية العامة التي تحكم مساعي الجيش نحو تعميم مراعاة التوازن الجنساني.
عند نهاية الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1990، دعت الحكومة للمرة الأولى اللبنانيات إلى التطوّع بصفة جنديات في المؤسسة العسكرية، بما في ذلك المدرسة الحربيَّة، واللواء اللوجستي، والشرطة العسكرية. في العامَين 1989 و1991، صدر تباعاً قراران وزاريان يحملان الرقم 376 والرقم 839، تضمّنا أحكاماً تطبيقيّة تتعلق بانخراط اللبنانيّات في الجيش. فعلى سبيل المثال، حدّدت المادّة الثانية من القرار الوزاري الرقم 839/1991 النسبة المئوية لعديد المتطوّعات في مختلف مؤسسات وزارة الدفاع الوطني بعشرة في المئة من العديد الإجمالي للعسكريين. كذلك، حدَّدت المادة الثالثة منه خدمة اللبنانيّات في جميع الوظائف والإختصاصات باستثناء وحدات القتال. كما نصّت المادة الرابعة من القرار الوزاري على خضوع المتطوّعات إلى التدريب ذاته المطبَّق على الجنود الذكور.
في نهاية تسعينات القرن الفائت، كان الجيش نجح في تطويع إناث متخصّصات برتبة جندي أو رتيب، جرى بعدئذ تكليفهن بمهام وترقية بعضهن إلى رتبة ملازم. مع ذلك، لا يزال عدد العسكريات الإناث منخفضاً مقارنةً مع عدد العسكريين الذكور في الخدمة الفعلية. حتى العام 2017، ضمّ الجيش اللبناني حوالى 1000 جندية من أصل إجمالي عديد العسكريين البالغ 70 ألفاً تقريباً، بحسب تقديرات “جون كنوسدن” و”تين غايد” الواردة في فصلٍ من كتابهما حول العلاقات المدنية-العسكرية في لبنان.
تولّت الإناث في البداية مناصب إدارية، قبل التمدّد إلى وحدات أساسية مثل الشرطة العسكرية. على سبيل المثال، تم نشر جنديات في مناطق خطيرة جدّاً مثل حاجز وادي حميد في عرسال، الذي يُعتبر من بين أخطر النقاط العسكرية في لبنان، إذ تعرّض إلى هجومات عدة من قبل تنظيمي “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة” في العام 2014. كذلك، تم نشر عسكريات في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في شمال لبنان، الذي شهد إشتباكات في العام 2007 بين الجيش اللبناني ومجموعة “فتح الإسلام” المتشددة، حيث ساعدت العسكريات في البحث عن نساء مشتبه بهن والتحقيق معهن.
خلال السنتين الماضيتين، إرتفعت معدلات انخراط المرأة في الجيش بشكل ملحوظ، ليبلغ عددهن 3 آلاف من إجمالي عديده في العام 2018، بمن فيهن ثلاثة ضباط برتبة عميد (يتوزّعن على الأقسام الطبية والإدارية) و17 برتبة عقيد. وفي 14 أيلول (سبتمبر) 2018، تمّ الإحتفال بتخريج نحو 1650 جنديةً من الإناث بعد أن أنهين دورة تدريبهن، التي ضمّت الدفعة الأكبر من الخريجات منذ انتهاء الحرب. ووفقاً لما صرّحت به مصادر عسكرية لمركز كارنيغي للشرق الأوسط، إرتفع عدد العسكريات إلى حوالى 4 آلاف بحلول آذار (مارس) 2019، ويتمّ نشرهن في مناطق ذات وضع دقيق.
بينما يستحق كل هذا التقدّم الثناء، يبقى حجم دور المرأة في الجيش ونطاقه رهن قرارات وزير الدفاع، ولا يُحدَّد بموجب قوانين أو مراسيم صادرة عن مجلس الوزراء والبرلمان. الجدير ذكره هنا أن القرارات القائمة حالياً، التي وُضعت قبل ثلاثة عقود، يُمكن أن يلغيها أي وزير في المستقبل من دون الحصول على موافقة مجلس الوزراء. لذا، يتعيّن على الحكومة والبرلمان اللبناني إقرار قوانين أو مراسيم رسمية ترعى انخراط المرأة في الجيش، ما من شأنه أن يعزّز المكاسب التي تحققّت أساساً. أما على المستوى التنظيمي، فلا تمتلك القيادة العسكرية سياسات وهياكل إدارية خاصة بكلٍّ من الجنسين، تهدف إلى استيعاب احتياجات الجنديات ومساعدتهن على تحقيق إمكاناتهن المهنية.
علاوةً على الهياكل التي يجب أن تُنظّم الأدوار التي تلعبها المرأة في الجيش، لا تزال مسألة المساواة بين الجنسين تشكّل تحدّياً مهماً. تتواجد في لبنان شبكة نقاط الإرتكاز الجندري، المؤلّفة من أفراد تعيّنهم الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية في جميع الهيئات الحكومية لمعالجة القضايا الجنسانية. لكن، كما هو الحال في الوزارات الأخرى، تلعب شبكة نقاط الإرتكاز الجندري في وزارة الدفاع دوراً إستشارياً محدوداً، وتفتقر إلى الصلاحيات الضرورية لدعم وتحسين التوازن الجنساني داخل الجيش. بالمقارنة معها، تُعتبر إدارة شؤون المرأة العسكرية في القوات المسلحة الأردنية قوة دافعة نحو تعزيز أوضاع المرأة.
لكن، إذا كانت سياسات مراعاة التوازن الجنساني الحالية والمستقبلية هي السبيل لتفادي نزوات الأبطال أو المُفسدين، يتعيّن على الحكومة ووزارة الدفاع وضع استراتيجية متماسكة للتوفيق بين الظروف القانونية والهيكلية واللوجستية التي تنظّم الإندماج الفعّال للنساء في الجيش. وبهذه الطريقة، يتمّ وضع أساس متين لانخراط المرأة في الجيش، بحيث لا يتم تنفيذ هذه السياسة لفترة زمنية محدودة ثم تُهمل لاحقاً.
وفي هذا السياق، يتعيّن أن يطّلع الرأي العام على كلٍّ من الإطار التنظيمي واستراتيجية تعميم مراعاة التوازن الجنساني للقوات المسلحة، وعدم تصنيفهما على أنهما من الوثائق الأمنية الوطنية الحساسة. ومثل هذه الخطوات ضرورية إذا ما أرادت المجنّدات في المستقبل التوصّل إلى فهم سليم لنطاق الخدمة العسكرية وإمكاناتها، وإذا كان الجيش اللبناني سيضمن الفعّالية المهنية للمرأة العسكرية وتطوّرها ونجاحها.

• دينا عرقجي باحثة مساعدة غير مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى