التزلُّج على الثلج… بريشاتهم (2 من 2)

نويل وايِث: “المتزلِّج” (1910)


هنري زغيب
*

في الجزء الأَول من هذا المقال، ونحن هذه الأَيام في موسم المطر، ومع المطر بُسُط الثلج، ومع الثلج هواية التزلُّج، ذكرتُ أَن الفن يلتقط الهنَيهة فيخلِّدها في الزمان. لذا جُلْتُ على أَعمال فنانين عالَميين استهوتْهم طبيعةُ الثلج الساحرة وهوايةُ التزلُّج الجميلة، فنقلوهُما بريشاتهم إِلى قماشة بيضاء اغْتَذَت بالأَلوان التي تتماوج عادةً في عيون المتزلِّجين.

في ذاك الجزء الأَول عرضتُ أَعمال خمسة فنانين.

هنا، في هذا الجزء الثاني الأَخير، أَعرض لأَعمال خمسة فنانين آخَرين.

  1. كينود بُرغُسْلِين (1827-1908): كما مواطنُه أَكسِل إِنْدِر (1853-1920)، يشكِّل الرسام النروجي كينود بُرغُسْلِين ظاهرة تشكيلية لافتة في رسم التزلُّج على أَنه اعتزاز بإِرث ثقافي وسياحي وطني في بلاده. وهو درس في بلاده ثم انتقل إِلى عدد من المعاهد الأَكاديمية الأُوروبية وعاد منها مدرِّسًا أَثَّر عميقًا في عدد من طلابه بينهم الرسامان الشهيران إِدوار مونش (1863-1944) ومورتن مولر (1828-1911). ومن أَبرز لوحات بُرغُسْلِين: “متزلِّجان من رجال الـمَلِك سنة 1206 يَعبُرون الجبال بالطفل الـمَلَكيّ”، كاشفًا فيها مقطعًا شهيرًا من ملحمة التاريخ النروجي. ففي لوحته هذه يجمع الفن إِلى الرومنسية الوطنية ليخلق مشهدًا تاريخيًّا وطنيًّا. من هنا شهرتُه في رسم حياة شعبه النروجي وتاريخه وأَبطال من ماضيه.
  2. نويل وايِث (1882-1945): رسام أَميركي اشتهر في الولايات المتحدة، إِلى لوحاته، بوضعه رسوم لكُتُب عدد كبير من المؤَلِّفين. فهو وضع نحو 3000 لوحة ورسومًا لنحو 112 كتابًا. معظم لوحاته من التيار الواقعي، وكان له شغف خاص برسم المناظر الطبيعية وما فيها من مشاهد. غير أَن في بعضها عناصر خطوطية بارزة قد تكون بتأْثير أَعماله في رسوم الكتب. وغالبًا ما وُفِّقَ في رسم أَشخاص إِبان تحرُّكهم، كما لوحته الشهيرة “المتزلِّج” (1910)، وفيها متزلِّج ينحدر إِلى السفح قبالة قمة جبل. وجاء بعده ابنه أَندرو (1917-2009) فواصلَ معظم مواضيع والده واشتهرت من أَعماله لوحته “التلة الكستنائية” (1944) رسم فيها متزلِّجًا متوقفًا يتأَمل وساعة المكان.
    غبريال لوبِّه: “ظلال مون بلان عند الغروب” (1873)
  3. غبريال لوبِّه Loppé (1825-1913): رسام ومصوِّر فوتوغرافي فرنسي. اشتهر بتكريسه مشاهد التزلُّج في لوحات مذهلة الجمال. فهو نشأَ في منطقة فرنسية ريفية من الجنوب الشرقي.قبل دخوله عالَم الرسم، كانت هوايته تسلُّق الجبال، وكان في الحادية والعشرين حين تسلَّق جبلًا صغيرًا في مقاطعة لانغدوك جنوبي فرنسا (عاصمتها تولوز)، فوجد على قمته عددًا من الرسامين يعملون على تشكيل لوحاتهم، فكان ذاك تحوُّلًا رئيسًا في سيرته. انصرف إِلى دراسة الرسم وأَكمل في مسيرة تشكيلية طوال حياته، مركِّزًا على هذا النوع من الرسم. وبلغ من شهرته أَن كان أَول أَجنبي ينتسب إِلى نادي الأَلب (تأَسس في لندن سنة 1857)، وأَكمل في تسلُّق الجبال ورسم مشاهد من قمم الجبال وأَوساطها وما فيها ومَن فيها. وكان مكانه المفضل جبل “مون بلان” (أَعلى قمة في سلسلة جبال الأَلب وأُوروبا الشرقية)، من هنا شهرة لوحته “ظلال مون بلان عند الغروب في 6 آب/أُغسطس 1873) ويظهر فيها ثلاثة متزلِّجين على بساط الجبل الأَبيض.
    جورج أَغوبوك: “المتزلِّج وكلابُهُ” (1930)
  4. جورج أَغوبوك (1911-2001): رسام من الإِسكيمو. وكسائر أَهل الإِسكيمو يشكِّل الثلج والتزلُّج نمطَ حياة طبيعيًّا وطريقةَ عيش يوميةً عادية. وبين أَعماله الشهيرة مائية “متزلِّج يقوده كلابُهُ”، يظهر فيها رجل على بساط أَبيض واسع يجرُّه كلابُه، وهي الطريقة الطبيعية العادية للعيش والتنقُّل في تلك البقعة الثلجية من العالَم.
    التزلُّج في الفنون الزخرفية (1910)
  5. التزلُّج في الفنون الزخرفية: يشكِّل التزلُّج مادة لافتة مطلوبة في الفنون الزخرفية والتزيينية لِما له من شهرة وإِقبال لدى المسافرين عبر العالم، بما يحملون معهم خلال أَسفارهم من بطاقات بريدية وصُوَر ورُسُوم تذكارية. من هنا وفْرة هذه الرسوم والصوَر التي تبقى في ذاكرة المسافرين ملامح ذكرى وأَصداء حنين، خصوصًا بعدما كثُرت في مناطق عدة من العالم بُسُطُ الثلج ومراكز التزلُّج.

هكذا، مع ختام هذا الجزء الثاني من هذه الثنائية عن التزلُّج في اللوحات الفنية، يَثْبُتُ أَنَّ الفنَّ خالدٌ ثابتٌ باقٍ، وكلُّ ما في الطبيعة ومناظرها ومشاهدها وأَشخاصها، يبقى عرضةً للتغيُّر والتبدُّل والزوال. وهنا عبقريةُ الفن وخلودُ الفنانين.

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com  أو متابعته على موقعه الإلكتروني: www.henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى