القمّةُ العربيّة المُقبِلة والتحدّياتُ القائمة

الدكتور ناصيف حتّي*

أُسبوعان من الزمن يَفصُلان عن موعد انعقاد القمة العربية المقبلة في الجزائر (1 و2 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل)، والتي لم تُعقَد في العامين الماضيين بسبب جائحة  كورونا.عددٌ غير قليلٍ من المراقبين والمعنيين يعتبرُ ان ديبلوماسية القمم عادةً ما تنتهي ببيانات وقرارات، رُغمَ أهمّيَتِها، لكن أكثرها لا يجد طريقه إلى التنفيذ بسبب طبيعته أو لغته العامة غير المُتضَمّنة لمُقترحاتٍ وأفكارٍ عملية وصيغٍ تنفيذية وآلياتِ مُتابعة. رُغم ذلك لا بدّ من التذكير بأنَّ تاريخَ القمم العربية دلَّ على وجودِ الكثيرِ من الإيجابيات في ما يتعلّقُ بمُختلف أوجه العمل العربي المُشترَك، من تسويةٍ أو احتواءِ خلافاتٍ بشكلٍ استباقيّ أو وقائيّ، أو في  بَلوَرَةِ سياساتٍ ومواقف عملية وفاعلة تجاه بعض التحدّيات الإقليمية والدولية في مراحل  معينة. اليوم يعيش العالم العربي في خضمِّ حروبٍ وصراعاتٍ مباشرة أو بالوكالة، مُتعدّدة الأوجه والأشكال والأبعاد، ومُترابطة ومُتداخِلة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر. الشرق الاوسط يشهد العديد من النقاط الساخنة، خصوصًا في “قلبه“ العربي، ولو بدرجاتٍ مُختلفة من السخونة، قابلة للاشتعال في ايِّ وقت. نقاطٌ ساخنةٌ تُغَذّي وتَتغَذّى على الصراعات القائمة في الإقليم وما تخلقه من توترات.

التوتّرُ المُتزايدُ والمُتصاعِدُ في الأراضي الفلسطينية المحتلّة مع انسدادِ أيِّ أفُقٍ حقيقي أو واقعي بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني لتحقيق السلام الشامل والعادل والدائم، وازدياد أعمال  العنف التي تمارسها سياسات الاحتلال الإسرائيلي وفي إطارها أعمال العنف الذي يُمارسه المستوطنون في الأراضي المحتلة ومنها الاعتداءات على الأماكن المُقدَّسة، كلّها تدفع نحو ازدياد احتمال حصول الانفجار الكبير ذي التداعيات الكبيرة والعديدة والمفتوحة على كافة السيناريوهات. مؤتمر المصالحة الفلسطينية الذي رعته الجزائر يُفترَضُ أن يُهَيِّئَ لمسارٍ برعايةٍ عربية لتحقيق أهداف هذه المصالحة. المُصالحةُ التي، رُغم  صعوبتها بالفعل وليس بالشعار لأسبابٍ فلسطينية أساسًا، تبقى حاجة لا بل ضرورة فلسطينية وأيضًا عربية. ستكون هذه المسألة بدون شك إحدى النقاط الاساسية على جدول أعمال القمة.

التداعياتُ المختلفة لجائحة كورونا، وكذلك للحرب في أوكرانيا التي يبدو أنها مفتوحة في الزمان عبر التصعيد الحاصل تحمل انعكاسات متعددة ايضًا على مختلف أوجه الحياة،من السياسة إلى الطاقة والاقتصاد والغذاء. تطال هذه الانعكاسات  المنطقة العربية ودولها بدرجاتٍ مختلفة حسب خصوصية كل دولة. هذه أيضًا حزمة من التحديات التي تستدعي بلورة رؤية مشتركة وكذلك استراتيجية تعاونية  للتعامل مع هذه التحديات بشكلٍ أفضل أو أكثر فعالية وأقل تكلفة على مختلف الاطراف العربية.

أضف إلى ذلك الحاجة إلى التشاور بُغية العمل على بلورة مواقف أو سياسات ومقاربات مشتركة للتعامل بنجاح وفعالية مع “النقاط الساخنة“ أو الصراعات التي صارت مُزمنة واستقرّت في المنطقة العربية. حروبٌ وصراعاتٌ  تُلقي بثقلها وتكلفتها ليس فقط على الدول التي تعيش هذه الحروب المختلفة الأوجه، بل على المنطقة العربية ككل في مجالات الأمن والاستقرار والتنمية.

وللتذكير نشهد منذ عامين تقريبًا انعقادُ العديد من القمم واللقاءات الرفيعة المستوى في المنطقة، شاركت فيها قوى عربية وإقليمية ودولية مختلفة للتشاور وللتحاور حول العديد من التحديات المشتركة في الإقليم بين الأطراف المُشارِكة.

وأعتقدُ أنّهُ أكثر من ضروري أن تكون القمة المقبلة،قمة الجزائر، قمة الحوار المفتوح بين الدول الأعضاء للتشاور والبحث في بلورة تفاهماتٍ وصياغة مواقف مشتركة حيث امكن، تسمح بتشكيلِ سياسات ومقاربات عملية، وهذا معيارٌ أساس للنجاح، تجاه التحديات المختلفة والمخاطرالمشتركة في المنطقة لمصلحة الاستقرار والازدهار في الإقليم.

  • الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقًا المُتَحدِّث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقًا رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم لها لدى منظمة اليونسكو.
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى