“مَيّاس” تُظهِرُ القوّة الدائمة للثقافة اللبنانية

سمير صفير*

أوَّلًا وقبل كل شيء، فرقة الرقص اللبنانية “ميّاس”، التي فازت الأربعاء الفائت بالموسم السابع عشر من برنامج “أميركا لديها مواهب” (America’s Got Talent)، تستحق الثناء على فنّها الرائع.

على مدار الأسابيع القليلة الماضية، أذهلت هذه الفرقة جمهورًا غفيرًا في جميع أنحاء العالم  من خلال بعض الرقصات الأكثر روعة على الإطلاق التي قدمتها على مسرح “America’s Got Talent”. في المباراة النهائية يوم الثلاثاء الفائت التي حضرها حول العالم 1.7 مليار شخص (حسب شركة أن بي سي)، قامت بأداء رقصة هرمية تسلسلية لا تشوبها شائبة في ملابس بيضاء ذات ريش وكُرات من الضوء متلألئة، وسط تصفيق حار.

منذ البداية كان من الواضح أن المجموعة كانت شيئًا مميزًا. فقد حقّق مقطع الفيديو الخاص بأدائها النهائي على قناة “America’s Got Talent” الرسمية على “يو تيوب” (YouTube) أكثر من مليون مشاهدة في اليوم. وقد وصلت عدد مشاهدات العرض الأول، الذي قدمته الفرقة في حزيران (يونيو)، حاليًا إلى أكثر من 17 مليون مشاهدة.

الواقع إن هذه الفرقة المبدعة تستحق كل ثناء. إنه لأمرٌ مُدهِش أن نرى مثل هذه المستويات من التنسيق في مجموعة مُكوّنة من 36 فتاة. يعود الفضل في جُزء كبير منه إلى عمل مصمم الرقصات ومؤسس الفرقة نديم شرفان. كما يجب أن يكون الحال دائمًا في عروض المواهب من هذا النوع، فإن الرحلة الطويلة والصعبة في كثير من الأحيان للفعل والجهد هي التي تجذب المعجبين. شرفان هو ذلك الشخص بالضبط. بدأ الرقص عندما كان في الرابعة عشرة من عمره، وصقل مهاراته عبر استوديوهات الرقص العالمية قبل أن يعود إلى لبنان ليبدأ مسيرته مع “ميّاس” في العام 2012.

حقيقةُ أن المجموعة تأتي من لبنان، البلد الذي يعاني من العديد من التحديات، يجعل هذا الإنجاز أكبر وأهم. كل فتاة من أعضائها المتعددين قد تأثرت بطريقة ما بالأزمة التي يجد البلد نفسه فيها الآن. إن نجاحهن هو تذكير مهم بأنه لا يزال بإمكان الشباب اللبنانيين التغلب والانتصار في مواجهة الصعوبات الهائلة.

ربما تكون المجموعة قد أبهرت واجتاحت العالم، لكن معاناة بلادها، مهما كانت دراماتيكية، نادراً ما تحظى بالمستوى نفسه من الاهتمام على مستوى العالم. إن إلقاء نظرة على العناوين الرئيسة الأخرى من لبنان هذا الأسبوع تفيدك بمدى أهمية قصة “ميّاس”. للمرة الثالثة خلال شهر، تم توقيف بنك تحت تهديد السلاح وبداخله رهائن. في حين أنه مسار عمل خاطئ، فهو ليس مجرد أفعال إجرامية. كان المسلحون يطالبون بسحب مدخراتهم لأن ضوابط الائتمان بسبب الأزمة الاقتصادية تحدّ من مقدار الأموال التي يمكن للناس الوصول إليها. قالوا إنهم بحاجة إلى المال لدفع تكاليف العلاج الطبي لأفراد الأسرة.

هذا الأسبوع، غطت صحيفة “ذا ناشيونال” (The National) الإماراتية أيضًا الأضرار التي تضرب الرئة لمدى الحياة التي تصيب الناس في لبنان بسبب حرق وقود سيىء وسام، وهو الخيار الوحيد الرخيص المتبقي لمواجهة انقطاع التيار الكهربائي.

بالعودة إلى الولايات المتحدة، قال الحكم الرئيس ومنتج البرنامج، سيمون كويل، إن أداء “ميّاس” كان “مذهلاً”. “شيء ما حدث معي حيث بدأت أشعر بضجة بعد العرض. إنه عالمي. إنه ضخم. لا أعتقد أنه يمكنك أن تتصدر أو تتفوّق على ذلك”. إنه على حق. يزدهر الفن في الظروف الصعبة. وقد قالت إحدى راقصات الفرقة في مقابلة أن التواجد على أكبر مسرح في العالم “كان” فرصتهن الوحيدة للإثبات للعالم “ما يمكن أن تفعله المرأة العربية، والفن الذي يمكننا إبداعه، والمعارك التي نخوضها”.

الآن، من خلال عملها الجاد، أصبحت لدى “ميّاس” منصّة على المسرح العالمي لرفع مستوى الوعي حول القضايا اللبنانية والقوّة الرائعة لشعب البلاد وثقافته.

  • سمير صفير هو مراسل “أسواق العرب” في هوليوود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى