لماذا نَدرَةُ المياه في إيران تؤدّي إلى عَدَمِ الاستقرار مَحَلّيًا وإقليمِيًّا

تنبع تحديات المياه في إيران من نموذجٍ اقتصاديٍّ يَعتبرُ المواردَ الطبيعية مثل المياه مُجرّد سِلَعٍ يتمّ استغلالها من خلال الهندسة والتكنولوجيا.

نهر “زاينده رود”: أثار تحويله مظاهرات في العام 2021

كورنيليوس أديبهر وأوليفيا لازارد*

في مقاطعة خوزستان جنوب غرب إيران، استُنفِدَت طبقات المياه الجوفية، وسَجَّل سد الكرخة القريب مستويات مُنخفضة قياسية. وعلى بعد 700 كيلومتر إلى الشمال الشرقي، ظهرت فجواتٌ كبيرة، حيث هبطت الأرض وغرقت في أجزاء من المقاطعة بمعدّلٍ يُنذِرُ بالخطر يبلغ 25 سنتيمترًا سنويًا.

هذه المشاهد مُنتشرة ليس فقط في إيران ولكن في أنحاء أوسع من الشرق الأوسط. وبطبيعة الحال، لا يعرف التدهور البيئي حدودًا. غالبًا ما تنشأ العواصف الترابية التي تخلق تلوّثًا سامًا للهواء في مقاطعة خوزستان بغرب إيران من العراق، بينما تساهم المستنقعات الجافة في بلوشستان في شرق إيران في تدهور وضع المياه وملوحتها هناك تمامًا كما تفعل في أفغانستان المجاورة.

بعض الخصائص يجعل إيران بشكلٍ خاص حالة هشّة. انخفض إجمالي مخزون المياه في البلاد بأكثر من 200 كيلومتر مكعب خلال العقدين الماضيين — حوالي بركة سباحة أولمبية واحدة من المياه لكل فرد من سكان إيران البالغ عددهم 80 مليون نسمة. مع ذلك، هذا الوضع ليس فقط نتيجةً لظواهر طبيعية مثل التآكل أو ارتفاع درجات الحرارة، كما هو الحال في رواية النظام، إن الدورة الهيدرولوجية المُعطَّلة في البلاد والتي تُسبّبُ الجفاف والتصحّر والفيضانات المُفاجئة هي أيضًا نتيجة عقود من سوء الإدارة السياسية.

على مستوى أساسي للغاية، تنبع تحديات المياه في إيران من نموذجٍ اقتصادي يَعتَبرُ الموارد الطبيعية مثل المياه مجرّد سلعٍ يتم استغلالها من خلال الهندسة والتكنولوجيا. ونتيجةً لذلك، فإن تدهور المياه ناتجٌ عن الإفراط الشديد في استغلال المياه الجوفية، إذ إن استخدام المياه هو أعلى بثلاث مرات من معدل التغذية الطبيعية – الأمر الذي يتسبب في حدوث “جفاف من صنع الإنسان”. والأهم من ذلك، أن المياه الإيرانية القديمة الموجودة تحت الأرض تُستَهلَكُ بدون أن تُعوَّض.

يؤدي الاستخدام غير المُنضبط للمياه الجوفية إلى خفضِ مستويات المياه، ما يؤدي إلى مزيدٍ من الضخ غير المنتظم لمنسوب المياه الجوفية، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة ملوحة المياه. وهذا يُقلّلُ من غلة القمح في الزراعة، ويضرّ بالمزارعين الفقراء أصلًا. تشكل الآبار غير القانونية جُزءًا من المشكلة، لكنها غالبًا هي الطريقة الوحيدة لكسب الرزق للمزارعين. سيؤدي إيقاف تشغيلها إلى البطالة واضطرابات اجتماعية محتملة، وتفتقر الحكومة إلى الأموال اللازمة لتحديث تقنياتها. بالإضافة إلى ذلك، تنخفض جودة المياه خارج المناطق الحضرية بشكل كبير. عندما تُترَكُ هذه المشاكل من دون معالجة، يُهاجر الفقراء في المناطق الريفية إلى المدن، حيث يعيش أصلًا أكثر من 70 في المئة من السكان الإيرانيين.

علاوة على ذلك، فإن المصالح السياسية والاقتصادية المحددة هي جُزءٌ من التعقيد المنهجي حول استخدام المياه. إن الدافع لبناء السدود لتوليد الكهرباء هو أحد العوامل المحدّدة المُسَبِّبة للتدهور البيئي، والذي ساهم في جعل أجزاء من الأرض غير صالحة للسكن. لم يفشل إنشاء البنية التحتية للطاقة الكهرومائية بالأخذ بعين الاعتبار سلامة موارد المياه في المدى الطويل فحسب، بل إنه ارتبط أيضًا بالفساد داخل النظام. تشيرُ التقارير إلى أن أعضاء فيلق الحرس الثوري الإسلامي، بالتعاون مع شركات البناء، يضغطون على الحكومة لبناء السدود لتوليد الإيرادات – بغض النظر عن العواقب البيئية أو البشرية لهذه المشاريع.

بدوره، عزّز نظام العقوبات الدولي شعار النظام القائم على الاكتفاء الذاتي، ما أدى إلى إنتاج كميات كبيرة من المحاصيل كثيفة الاستهلاك للمياه مثل الفستق والقمح والأرز. كما قلّل “جدار العقوبات” من التمويل الحكومي المُتاح للسياسات البيئية السليمة وأعاق الانتقال إلى اقتصاد أقل اعتمادًا على الموارد من خلال إعاقة الوصول إلى التقنيات الخضراء. علاوة على ذلك، بالإضافة إلى الأبعاد الاقتصادية البحتة، تقلل العقوبات أيضًا من الاتصالات الشخصية مثل التبادل الأكاديمي ونقل المعرفة، بما في ذلك القضايا البيئية.

مع نضوب موارد المياه –وهي عملية من صنع الإنسان وقابلة للعكس وليست أمرًا واقعًا– أصبحت ندرة المياه بسرعة مصدر قلق رئيس للإيرانيين. اندلعت احتجاجات حول تحويل المياه في مقاطعة خوزستان في العام 2018 ومرة ​​أخرى في العام 2021. في تشرين الثاني (نوفمبر) 2021، سار الآلاف عبر مجرى نهر “زاينده رود” الجاف للاحتجاج على تحويل النهر إلى محافظة يزد المجاورة قبل أن تتدخل الشرطة بالقوة. في وقت سابق من هذا الصيف، تم اعتقال نشطاء يطالبون الحكومة باتخاذ إجراءات لمنع جفاف بحيرة أرومية.

يؤكد القمع القاسي من قبل قوات الأمن، وكذلك الاعتقالات التي انتشرت على نطاق واسع لعلماء البيئة، في العام 2018 درجة توريق هذه القضية. يقطع النظام عن عمد الوصول إلى البيانات ويقلل من الشفافية، لأنه ينظر إلى البيئة على أنها تهديدٌ مُحتَمَلٌ بالنظر إلى أنها قد تُوَحِّدُ السكان. في هذا السياق، يستخدم أيضًا التوترات الحالية لإثارة الجماعات العرقية أو الإقليمية (في أماكن مثل خوزستان وأصفهان، على سبيل المثال) وقطاعات اقتصادية مختلفة (مثل الصناعة والزراعة) ضد بعضها البعض.

أدّى الجمع بين البطالة والتدهور البيئي وفشل السياسات إلى خلق إمكانية متزايدة للاضطرابات الاجتماعية، حتى أن المسؤولين يُشكّكون في قدرة الحكومة على ضمان عدم انقطاع إمدادات المياه في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، فإن الافتقار إلى التخطيط البيئي السليم والمُستدام في إيران لا يُهدّد استقرار النظام فحسب، بل يُهدّدُ أيضًا الأمن البيئي للمنطقة. لذلك، تتطلّب معالجة قضايا المياه نهجًا منهجيًا شاملاً للبيئة بدلًا من مجرد استجابات تكنولوجية سريعة الإصلاح.

يكمن مفتاح النجاح، لا سيما في سياق علاقات معظم الأجانب المتوترة مع النظام الإيراني، في فهم كيفية خلق الثقة على أساس الفهم المشترك للتهديدات الأمنية التي تُقوّض الاستقرار الجماعي. سيكون الحوار حول عمليات التجديد التي ستُفيد بشكل ملموس المجتمع والاقتصاد في إيران أكثر فائدة من مجرد إلقاء المحاضرات على الحكومة حول كيفية تصديقها على اتفاقية باريس وتطبيقها. وهذا يعني مزيجًا من المشاركة المتزايدة مع الجهات الحكومية (الوطنية والمحلية) وكذلك المنظمات الدولية، مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومنظمة الأغذية والزراعة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تعزيز جمع البيانات من خلال منظمات المجتمع المدني ومن خلال التبادل الأكاديمي. في النهاية، سيُحدّد قبول وتقبّل السكان لذلك نجاح أو فشل عمليات التجديد المعقدة.

في النهاية، يُعَدُّ التغلب على ندرة المياه مجرّد خطوةٍ أولى نحو معالجة بعض الدوافع الأساسية لعدم الاستقرار النظامي في إيران. في الوقت نفسه، من شأن الفهم الأفضل لكيفية تعزيز المرونة البيئية لأيِّ بلد أن يعود بالفائدة على المنطقة بأكملها.

  • هذا المقال مبني على ورقة كارنيغي “كيف يمكن للاتحاد الأوروبي مساعدة إيران في معالجة ندرة المياه”.
  • كورنيليوس أديباهر هو زميل غير مقيم في مؤسسة كارنيغي أوروبا. يُركّز بحثه على السياسة الخارجية والأمنية، لا سيما في ما يتعلق بإيران والخليج العربي، والشؤون الأوروبية وعبر الأطلسي، وعلى مشاركة المواطنين.
  • أوليفيا لازارد هي زميلة في مركز كارنيغي أوروبا. يركز بحثها على الجغرافيا السياسية للمناخ، والانتقال الذي بشر به تغير المناخ، ومخاطر الصراع والهشاشة المرتبطة بتغير المناخ والانهيار البيئي. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @OliviaLazard
  • كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى