فشل اللبنانيون في بناء دولة وهوية جامعة

بقلم الدكتور هيكل الراعي*

قرأتُ في إحدى الصحف أن أحد ممثلي العشائر في منطقة بعلبك-الهرمل دعا “إلى فتح صفحة جديدة مع الدولة”. وقد إستوقفتني هذه الدعوة لأنها تُعبّر عن قناعة سائدة لدى غالبية اللبنانيين بأن الدولة هي كيان غريب، هي الآخر المختلف أو بالأحرى هي تمثّل مصالح أناس يعيشون في مكان بعيد. هذه النظرة إلى الدولة تدمج بينها وبين السلطة. السلطة بمؤسساتها هي جزء من الدولة. الدولة هي أرض وشعب ومؤسسات. العقد الإجتماعي بين الجماعات التي تعيش على أرض مُحدَّدة هو من مكوّنات الدولة الأساسية. هذا العقد يُتَرجَم بقوانين وأنظمة وتقاليد وأعراف تُحدّد العلاقات في ما بين المواطنين وبينهم وبين السلطة. ومن ضمن هذه القوانين الأساسية إحتكار السلاح من قبل القوى الأمنية الشرعية، والقبول بالأحكام التي تصدر عن السلطة القضائية. وبقدر ما تمارس السلطة مسؤولياتها بعدالة من دون تمييز أو تفرقة على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، بقدر ما تزداد اللحمة بين المواطنين وتتكوّن الهوية الوطنية التي هي نتاج تفاعل أفقي بين الناس وتفاعل عمودي بينهم وبين الأرض التي يعيشون عليها. وبقدر ما تتبلور الهوية الوطنية الجامعة، بقدر ما تتراجع وتضمحل الهويات العائلية والعشائرية والمناطقية والطائفية.
ومن المؤسف أنه بعد حوالي قرن على إنشاء لبنان الكبير وحوالي ثمانية عقود على نيل لبنان إستقلاله لا تزال الهوية اللبنانية الوطنية الجامعة غائبة لمصلحة هويات فرعية وانتماءات عائلية وعشائرية وطائفية. لم تحاول السلطات المتعاقبة، باستثناء بعض المبادرات الخجولة، تنمية إنتماء وطني تمهيداً لبلورة هوية وطنية. فكل جماعة عائلية أو مناطقية أو طائفية تعتبر أنها في علاقة حرب وسلام مع الدولة اللبنانية. هذه الجماعات التي أقامت كيانات شبه مستقلة تتفاوض مع الدولة لتأمين حقوقها ولتحافظ على امتيازاتها. هي ترفض إعتبار المياه حقاً للجميع فتفاوض الدولة للسماح لها باستثمار نبع مياه مقابل مجموعة من الشروط والإمتيازات. وهي ترفض تمديد خطوط الكهرباء أو إقامة مطامر النفايات “لأن على كل طائفة أن تهتم بمعالجة نفاياتها”. حتى في مواجهة الأخطار الكبرى التي تهدد البلد والمصير يعتبر بعض الجماعات أن الموضوع لا يعنيه ولنا في حرب تموز التي شنها العدو الإسرائيلي في العام 2006، وكذلك في التهديدات التي أطلقتها الجماعات الإرهابية، وفي موضوعي النازحين والتجنيس وغيرهما خير دليل على ذلك.
هل هي أزمة عيش مشترك؟ هل فشل اللبنانيون في بناء دولة متماسكة وهوية وطنية جامعة؟ نعم بكل تأكيد ودليلنا المفاوضات الجارية بين الدولة اللبنانية ودويلات العشائر لفرض الأمن في البقاع الشمالي.

الدكتور هيكل الراعي هو باحث صحافي، أستاذ جامعي ومدير عام سابق في لبنان. تستطيعون التواصل معه على البريد الإلكتروني التالي: haykalrahi@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى