“عِقابُ الجزائر بالوكالة” يُوَتِّرُ العلاقات مع إسبانيا

تعليق الجزائر معاهدة الصداقة والجوار مع إسبانيا بسبب تأييدها لموقف المغرب من قضية الصحراء الغربية وَتّرَ العلاقات مع مدريد وقد يؤدي إلى توتّر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

الرئيس عبد المجيد تبون: هل يقطع الغاز على إسبانيا بعد تعليق معاهدة الصداقة وحسن الجوار؟

إنتصار فقير*

في 8 حزيران (يونيو)، عَلّقت الجزائر معاهدة الصداقة والجوار مع إسبانيا، ردًّا على تأييد مدريد الأخير لموقف المغرب في نزاع الصحراء الغربية. وبينما يستثني تعليق المعاهدة حتى الآن عقود الغاز، حيث تُعتبَر الجزائر أكبر مورِّديه لإسبانيا، إلّا أن ذلك قد يُعرِّضُ العلاقات مع الاتحاد الأوروبي للخطر. لكن مع التغيير في موقف مدريد، شعرت الجزائر أن عليها التحرّك لإرسال رسالة، حتى لو كان ذلك بتكلفة باهظة.

للوهلة الأولى، قد تكون التوتّرات أتت بمثابة مفاجأة. ينبغي أن تكون الجزائر في حالةٍ جيدة بعد الارتفاع الأخير في أسعار الغاز العالمية الذي ترك البلاد تتنعّم بالسيولة وعزز قيمتها كثالث أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا. ومع ذلك، فإن هذا الأمر يمثل نقطة مضيئة واحدة من بين سلسلةٍ من التحديات التي تواجهها البلاد على الصعيدين المحلي والإقليمي، حيث تنبع الإقليمية من سلسلة من التطوّرات المغربية على الساحة الجيوسياسية. من بينها اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في العام 2020 بمُطالبة وحق المغرب بأراضي الصحراء الغربية؛ وسلسلةٌ من الغارات المزعومة بطائرات مُسَيَّرة نفذها المغرب ضد جبهة البوليساريو والتي تسببت في سقوط ضحايا جزائريين؛ والأكثر إثارة للقلق على الجزائر، علاقة المغرب المزدهرة بإسرائيل.

لقد كافحت الجزائر لإيجادِ استجابةٍ مُناسِبة لكلِّ هذه التحدّيات. من المؤكد أن مخاوف السياسة الخارجية الجزائرية تمتدّ إلى ما وراء المغرب، لتشمل منطقة الساحل غير المستقرة، والأزمة السياسية في ليبيا، والتوتّر مع فرنسا والعلاقات مع روسيا – بخاصة في أعقاب غزو أوكرانيا. ومع ذلك، فقد رأت قيادة البلاد باستمرار أن أمنها القومي مُهَدَّدٌ من قبل المغرب ومُتشابِكٌ مع الصحراء الغربية. ونتيجة لذلك، فإن خطاب السياسة الخارجية للجزائر ينم عن انشغالٍ بالمغرب والذي يبدو أنه يلقي بظلاله على تلك الأولويات الأخرى.

وعلى الرغم من التفوّق في الموارد والإمكانات التي تتمتّع بها الجزائر مُقارنةً بالمغرب، فإنها تَجِدُ نفسها مُتَوَتِّرة وقلقة بسبب تطوّر ومسار السياسة الخارجية للرباط. نتيجة لذلك، عرّضت الجزائر الآن للخطر علاقاتها مع إسبانيا وربما مع الاتحاد الأوروبي، في محاولةٍ لمواجهة جهود المغرب للتأثير في المزيد من الشركاء الأوروبيين الأقرب إلى موقف الرباط بشأن قضية الصحراء الغربية.

منذ ما يقرب من 47 عامًا على بدء الصراع في الصحراء الغربية، وبعد جولات لا نهاية لها من المفاوضات، من غير المرجح أن يتمَّ حلُّ النزاع من خلال إطار الأمم المتحدة التي تُشرف على العملية. علاوة على ذلك، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، انتهك المغرب وجبهة البوليساريو وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وكانت تراقبه منذ العام 1991. وقد تخلّت إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة للصحراء الغربية، عن دورها المحايد في الصراع الإقليمي وأيّدت الآن ادعاءات المغرب بالسيادة والسيطرته الفعلية على الصحراء ضد مطالبات جبهة البوليساريو وجهودها المبذولة لاستعادة سيطرتها على الإقليم. ويدفع المغرب، في مفاوضات ترعاها الأمم المتحدة، بخطة حكم ذاتي للمنطقة، بينما تريد البوليساريو من العملية إجراء استفتاء موعود مع خيار التصويت على الاستقلال. لكن المغرب رفض بشدة أي تصويت منذ العام 2007 وما زال على موقفه.

تحمّلت إسبانيا عبئًا كبيرًا من الضغوطِ من المغرب والجزائر على السواء بشأن هذه القضية، كما أن تعليق الجزائر لاتفاقية 2002 التي تعمل كإطارٍ للعلاقات الثنائية يعكس التوترات التي كانت تتراكم منذ بعض الوقت. منذ إعلان إدارة ترامب اعترافها بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية، يضغط المغرب على الشركاء الآخرين لإظهار المزيد من الدعم الواضح له بشأن هذه القضية. في آذار (مارس)، فعلت إسبانيا ذلك بالضبط، مُعلِنةً أن خطة الحكم الذاتي المغربية تُمثل “مسارًا جادًا وموثوقًا” للخروج من الصراع. قبل هذا الإعلان، دعمت مدريد عملية الأمم المتحدة.

على الرغم من أن شحنات الغاز لم تتأثّر حتى الآن، فإن تعليق المعاهدة يؤثّر في معظم تجارة الجزائر مع إسبانيا ويمكن أن يؤثر أيضًا في السفر بين البلدين. يبدو أن المؤسسة السياسية الجزائرية تدعم القرار، على الرغم من كلفته المُحتملة. يمكن أن ترتفع هذه التكلفة بشكل حاد إذا قرّر الاتحاد الأوروبي أن هذه الخطوة تنتهك اتفاقية الشراكة التي تحكم التجارة بين الجزائر والكتلة بأكملها. من خلال المخاطرة بمثل هذه العلاقة المهمة، تشير الجزائر إلى مدى نفاد خياراتها لمواجهة المغرب في قضية الصحراء الغربية.

منذ ذروة نزاع الصحراء الغربية في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، دعمت الجزائر جبهة البوليساريو، جُزئيًا لأن إيديولوجيتها الثورية وتجربتها كانت متوافقة مع الجزائر. لكن الجماعة ساعدت أيضًا على احتواء المغرب من خلال إبقائه متورّطًا في صراعٍ إقليمي. علمًا أن موقف الجزائر له جذور تاريخية يعود إلى حرب الرمال في العام 1963، عندما غزت الرباط، مدفوعةً بسرد وحلم “المغرب الأكبر”، الجزائر بعد أقل من عام على استقلالها الذي حصل بشق الأنفس عن فرنسا. على الرغم من أنها استمرت أقل من خمسة أشهر، إلّا أن حرب الرمال ساهمت في تشكيلِ عقيدة الجيش والسياسة الخارجية الجزائرية، وأنذَرَت بعقودٍ من العداء وانعدام الثقة والتوترات مع المغرب التي اجتاحت الجوار بأكمله وشكّلت حياة الملايين.

لقد أصبح دعم الجزائر لجبهة البوليساريو أساسًا لسرد المغرب عن التظلّم تجاه المؤسسة العسكرية والمدنية الجزائرية. من وجهة نظر الرباط، فإن دعم الجزائر هو الشيء الوحيد الذي يُبقي البوليساريو على قيد الحياة كممثل للشعب الصحراوي وطرفٍ في الصراع.

لكن من وجهة نظر الجزائر، لا يزال المغرب جارًا انتهازيًا له طموحات توسّعية تُمثّلُ تهديدًا دائمًا لأمنها القومي. ومن هذا المنظور، فإن مدى تقدّم العلاقات الثنائية الأخيرة بين المغرب وإسرائيل يُمثّلُ أمرًا مُقلقًا، لا سيما احتمال زيادة التعاون في القضايا العسكرية والأمنية الإلكترونية والسيبرانية، بما فيها مبيعات الأسلحة على الأرجح. كما تزعم الجزائر أن المغرب شنّ هجمات بطائراتٍ مُسَيَرة على أهدافٍ للبوليساريو، تسببت إحداها في مقتل جزائريين. قبل ذلك، ادّعت الجزائر تورّط المغرب في فضيحة تجسّس استهدفت زعماء جزائريين وأوروبيين سهّلها برنامج تجسّس “بيغاسوس” الذي تنتجه الشركة الإسرائيلية “NSO”. كل هذا، إلى جانب ميل المؤسسة المغربية إلى نشر سياسةٍ خارجية للمعاملات، يلعبُ على المخاوف الجزائرية ويُثيرها.

باختصار، من الناحية الجيوسياسية، تتحوّل المقاييس لصالح المغرب. في حين أن اعتراف إدارة ترامب بمطالب المغرب الإقليمية بالصحراء الغربية – في مقابل توقيع المغرب على اتفاقات أبراهام مع إسرائيل- لم يحلّ المشكلة، إلّا أنه خلق مسارًا لمزيدٍ من الدعم الدولي للمغرب. ومنذ أن قام المغرب بتطبيع علاقاته مع إسرائيل، فإن العلاقات الثنائية المزدهرة يمكن أن تُنذِرَ بتحوّلٍ في ميزان القوى الإقليمي.

يبدو أن الجزائر لم تجد سوى القليل من الملاذ لهذه التهديدات المُتَصَوَّرة. قطعت البلاد العلاقات الديبلوماسية المتوتّرة أصلًا مع المغرب في آب (أغسطس) الماضي، وقطعت الروابط التجارية القليلة المتبقية بين البلدين، من الرحلات الجوية إلى تدفقات الغاز عبر خط الأنابيب الذي يمدّ إسبانيا عبر المغرب.

ومع ذلك، ليس من الواضح ما هو الهدف النهائي للجزائر. مع إرسال الرسالة، يبقى السؤال إلى أي مدى ستستمر الجزائر في تعريضِ مصالحها للخطر في ما يرقى إلى “عقوبة بالوكالة” عن البوليساريو. لكن من غير المرجح أن تتراجع إسبانيا عن إعلانها في آذار (مارس) بشأن اقتراح المغرب للحكم الذاتي، لأن القيام بذلك سيؤدي إلى حلّ الأزمة مع الجزائر فقط لبدء أزمة جديدة مع المغرب. بدون خيارات جيدة، أوضحت الجزائر أنها لن تتردّد في التفكير في الخيارات المُتطرّفة، مما يزيد من عدم اليقين في مستقبل المنطقة.

  • إنتصار فقير هي زميلة أولى ومديرة مُؤسِّسة لبرنامج شمال إفريقيا والساحل في معهد الشرق الأوسط في واشنطن. كانت سابقًا زميلة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، حيث كانت فيها أيضًا رئيسة تحرير المجلة الإلكترونية “صدى”. يمكن متابعتها عبر تويتر على: @IntissarFakir.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى