الصَحافَةُ المَهجَرِيّة قبل 100 سنة: “الفُنُون” عددًا أَول (2 من 2)

الصفحة الإِنكليزية في آخر العدد

                                                                                   

هنري زغيب*

 

في الحلقة السابقة عرضتُ لظروف إِصدار العدد الأَول من “الفنون”، وما فيه من دلالات، وصفحاته الأولى الحاملة نصين من جبران والريحاني.

في هذه الحلقة أكمل في تتالي الصفحات بقيةَ ما في ذاك العدد.

الجوُّ الروسيّ وناعورة حماة

من الصفحة 18 إِلى 31: نصُّ “القصة السحرية-القسم الأَول”. تجري أَحداثُها في نيويورك بين الرسَّام الأَميركي ساندرسُون وصديقه ولْسُون. وفي نهاية النص: “ستنتهي هذه القصة في العدد التالي”. لا توقيع في أَول النص ولا في نهايته، فلا ندري إِن كان موضوعًا أَو مترجَمًا.

على الصفحات 32 إِلى 44 قصة “الماء… وأَهميتُه في الطبيعة وحياة الإِنسَان” لـمكسيم غوركي (1868-1936. اسمه الحقيقي أَليكْسي ماكسيموڤيتش بيشْلوڤ) وهو من أَبرز أَعلام الأَدب الروسي في القرن العشرين حتى أَن مدينته الأُم التي وُلِدَ فيها (نيوجْني نوڤْغُرود) سُـمِّيَت سنة 1932 “غوركي” تخليدًا أَثرَهُ وذكراه.

بين الصفحة 44 والصفحة 45 صورة ناعورة كبيرة على كامل الصفحة (بدون رقم)، تحتها عبارة “الناعورة المحمدية أَكبر ناعورة في العالم قائمة على نهر العاصي في حماة”. وفي هذا حنينٌ إِلى جارة حماة: مدينة حمص التي وُلد فيها نسيب عريضة ورفيقاه عبدالمسيح وندرة حداد، وتزوَّج عريضة من شقيقتهما نجيبة.

على الصفحات 45 إِلى 50 نص وجداني بعنوان “الحياة جميلة للناهضين من الموت” للكاتب الروسي ليونيد نيكولايـــــيڤــيــتْش أَندريــيــڤ (1871-1919) وهو روائي وكاتب مسرحي رائدُ المذهب التعبيريّ في الأَدب الروسي.

جبران في لجنة تحكيم الجائزة

ترجمةُ الشعر شعرًا

تليها على الصفحات 51 و52 و53 قصيدة “النَوم والمنيَّة” وعنوانها الجانبي “ترنيمة السرير” لتيودور سولوغاب (1863-1927، واسمُه الأَصلي فيودور كوزْميتش تيتيرنيكوڤ)، شاعر وروائي وكاتب مسرحي أَدخل إِلى الأَدب الروسي النزعة التشاؤُمية التي سادت في أُوروبا أَدَبًا وفلسفةً مع أَواخر القرن التاسع عشر. القصيدة ترجمها نسيب عريضة شِعرًا موزونًا (على بحر الرَمَل) في ست رباعيات تتغيَّر فيها القافية مع كل رباعية.

مطلع القصيدة:

قد عدا طفلي كثيرًا فتعِبْ       وكسَت رجلَيه أَثواب الغبارْ

فاغسِلِ الرِجْلين حالًا واقترِبْ  واضطجِع للنوم يا زين الصغار

وخاتمتُها:

وتهادى الطيف بالباب وحادْ   وهوى مختفيًا تحت الظلامْ

وأَنا أَشدو… وأَشدو للصغيرْ   نَـمْ بأَمنٍ وارتياحٍ وانتصارْ

بعودتي إلى مجموعة نسيب عريضة “الأَرواح الحائرة” وجدتُ القصيدة بالعنوان ذاته مسبوقًا بكلمة “الإِخوان” مع ذكْر أَنها “تعريب للشاعر الروسي”، ومع تعديل في البيت الأَخير الذي بات:

بتُّ أَشدو بحبورٍ للصغيرْ:                  ذهَبَتْ فارقُدْ بأَمْنٍ وانتصارْ               

مطلع نص تورغنيـيف “خرافة شرقية”

قصص شرقية وغربية

بعدها على الصفحات 54 إلى 57 قصة “لِماذا يُحبِبْنَه” للكاتب النمساوي پـيتر آلتنبُرغ (1859-1919) رائد الحداثة الأَدبية في بلاده. تليها على الصفحات 58 و59 و60 قصة “خُرافة شرقية” للكاتب الروسي إِيڤان تورغـنـيـيـڤ (1818-1883) تجري أَحداثها في بغداد “على عهد الوزير العظيم شمس الخلافة جعفر”. ويليها على الصفحات 61 إِلى 64 نص “دار القضاء” للكاتب الإِيرلندي أُوسكار وايلد (1854-1900) وهو نص تَخَيُّليّ كيف الله يحاسب الإِنسان على أَفعاله خلال حياته الأَرضية.

على الصفحتين 65 و66 نص “أَين أَجدُكِ أَيتها الغاوية” لـستانيسلاس بْشيبْشِڤسكي (لم أَعثُر له على نبذة في الـمَراجع لديّ). يليها على الصفحات 67 إلى 69 نص “مَن أَنْتِ” بدون توقيع، مطلعُه “أنا روح الله، أَنا ذرَّات الأَثير، أَنا ابتسامةُ الأَمواج الـمُزْبدة، أَنا حرارة الشمس”، وختامُها: “أَنا أَشرفُ عاطفةٍ تُهذِّب العذارى، أَنا مُوحيَةُ الشِعر، أَنا روحُ الله، أَنا… المحبة”. تليها على الصفحات 70 إِلى 72 مقتطفات: “أَشعار منثْورَة” من الفرنسي ڤـيكتور هوغو (1802-1885) والروسيّ قسطنطين بالْمُونْتْ (1867-1942)  والروسي ديمتري سيرغـيـيـڤيتش ميريـجْكُوڤسْكي (1865-1941).

قصيدة “أَليف” مطلعًا وخاتمةً

في الفكاهة والأَقوال المأْثورة

ثم: باب “فكاهات” (الصفحات 73 إِلى 78) وفيه لقطات طريفة من بلدان عدة. يليه على الصفحات 79 إِلى 82 مقال “وفاةُ مورغَن – تاريخُه باختصار وحقائقُ عنه”. وهو تاريخ رجل الأَعمال والمصرفي الأَميركي شهيرِ عصره جون پـييرمونت مورغَن (1837-1913)، كانت له سطوة قُصوى على الوضْع المالي في “وُول ستريت” (مركز السوقُ المالي) إِبَّان أَزهى فتراته. وكان توفّي في 30 آذار/مارس، قُبَيْل صُدُور هذا العدد الأَول من “الفُنُون”.

بعد الصفحتين 83 و84 (باب “مقتطفات”: أَقوال قصيرة مقطوفة من مصادر مختلفة) نصُّ “الفصل الأَول” من رواية “أَسرار البلاط الروسي” (على الصفحات 85 إِلى 94)، وفي ختامها: “ستأْتي البقية”… النص بدون توقيع لكننا نكتشف لاحقًا أَنه لنسيب عريضة الذي عاد بعد عشرين سنةً فأَصدره كتابًا بالعنوان ذاته على مطابع جريدة “الهُدى” (نيويورك 1933).

الرواية المتسلسلة “أَسرار البلاط الروسي”

الجائزة 15 دولارًا

تنتهي في العدد النصُوص الأَدبية فتحمل الصفحة 95 عنوان “جائزة” جاء فيها: “خمسة عشر دولارًا واشتراك سنة في هذه المجلة، يقدِّمها الخواجا مخائيل عريضة لِمن يكتب أَحسن مقالة موضوع: “أَيٌّ أَكثرُ تأْثيرًا في حياة الإِنسان: التهذيبُ المدرسي أَم تهذيب الوالدَين في البيت”. وجاء: “تُذْكَرُ المقالةُ الحائزةُ على الجائزة في عدد شهر تموز/يوليو القادم”. وجاء: “يَحْكُمُ في الموضوع خمسةٌ من الأُدباء الموجودين في نيويورك: جبران خليل جبران، وليَم كاتسفْليس، عباس أَبو شقرا، نظْمي نسيم، نسيب عريضة. ومتى أَجمعَت الأَكثرية على حُكْمٍ، يُقَرَّر. فنرجو الأُدباء في كل قطر خوضَ غمار هذا البحث، ونعِدُهم بالسعي لتقديم جائزة في كل عدد تنشيطًا للأَدب وأَهله”.

أَخيراً، على الصفحة 96 نصٌّ بعنوان “إِلى القراء” بتوقيع “إِدارة المجلة”: “في عالم الأَدب العربي فراغٌ كبيرٌ، ستسدُّ هذا المجلة قليلًا منه. ننشر فيها منتخبات الروايات والقصص والحكايات والأَساطير والأَشعار والمقالات الأَدبية والعمرانية والانتقادية والنُبَذ الحكَمية والأَخبار العلمية والفكاهات (…). وتُطبع المجلة طبْعًا نظيفًا على ورق جيِّد، وتَصدر شهريًّا بلا أَقل من مائة صفحة يتخلَّلُها صُوَر مشاهد وأَعلام ورسوم مأْخوذة عن أَشهر الرسامين، وستكون دائمًا جنَّةً تفيض فيها غدران من الآداب والتفنُّن فتستقي من مياهها النَميرة كلُّ نفْس راغبة عطشى… وسيراها قرَّاؤُها ساعيةً أَبدًا وراء إِظهار كل ما هو جميل، ووراء نشْر روح الكتابة الجديدة لتُؤَثِّر تأْثيرًا حيًّا”.

وختامُ العدد: مجمُوعة إِعلانات لِمحالّ تجارية جميعُها في نيويورك، ثم الصفحة الإِنكليزية تعريفًا بـ”الفنون”.

تلك عيّنةٌ من صحافتنا المهجرية قبل قرنٍ من اليوم، في عفويتها ولغتها وأُسلوبها ومضمونها صورةٌ واضحة للبيئة الأَدبية فترتئذٍ، هي التي نضَحَ منها تجديدٌ كان فجرًا ساطعًا أَشرق على ما كان قبله من تقليدٍ بليدٍ أَطاحه أَدبُ مهجَريِّــي نيويورك فتوزَّع على مساحة الأَدب العربي في مطلع القرن العشرين.

 

  • هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني. وهو مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر تويتر: @HenriZoghaib
  • يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى