الدَورُ المُتنامي لدولة الإمارات العربية المتّحدة كمركَزٍ للتكنولوجيا المالية

نَمير خان*

تَنجَذِبُ شركاتُ التكنولوجيا المالية الطَموحة بشكلٍ طبيعي نحو المَحاوِر حيث يُمكنُها الاستفادة من تأثيرات الشبكة في مجالاتٍ مثل الاستثمار والمواهب وتوليد الأفكار. نتيجةً لذلك، أصبحت مُدُنٌ مثل سان فرانسيسكو ولندن وشينزين سريعًا بُؤَرًا لتوسيع نطاق أعمال التكنولوجيا المالية حيث أصبحت أسماؤها مألوفة عالميًا.

تُعَدُّ دولة الإمارات العربية المتحدة أيضًا واحدة من مراكز التكنولوجيا المالية الرائدة على مستوى العالم، وتبذل حكومتها ومجتمع الأعمال فيها جهودًا مُتضافِرة ومُنَسَّقة لتعزيز مكانة البلاد كمركزٍ دولي للتكنولوجيا المالية الجديدة والراسخة على حدٍّ سواء.

خلال الفترة المُتَبَقّية من هذا العام وما بعده، تهدف دولة الإمارات إلى تنمية المزيد من النمو من خلالِ مَزيجٍ من فُرَصِ السوق الكبيرة والسياسات الحكومية الداعمة ونظام التكنولوجيا المالية المُتنامي.

الفُرَص التجارية

تُعَدُ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وُجهَةً جذّابة لشركات التكنولوجيا المالية نظرًا إلى حجمِ الفُرَصِ التجارية المعروضة. على عكس الأسواق الناضجة، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، فإن نسبةً كبيرة من سكان المنطقة إما يعانون من نقصٍ في التعامل مع البنوك أو لا يتعاملون مع البنوك أبدًا. داخل الشرق الأوسط وحده، يندرج 136 مليون شخص بالغ في هذه الفئات.

بالنسبة إلى شركات التكنولوجيا المالية ذات التوجّه العالمي، يُوفِّرُ هذا الأمر الوصولَ إلى الفُرَصِ التجارية المُهِمّة التي يُمكن أن تلعبَ دورًا كبيرًا في توسيع قاعدة عملائها، مع دعمِ الشمول المالي في الوقت نفسه. وينعكس هذا في نموِّ قطاعاتٍ مُعَيَّنة من التكنولوجيا المالية في جميع أنحاء المنطقة. حتى قبل أن يؤدي انتشار الوباء إلى التسارع في تبنّيها، كانت المدفوعات الرقمية في الإمارات ترتفع أصلًا بمعدّلٍ سنوي يزيد عن 9٪ بين العامين 2014 و2019، مُقارنةً بمتوسّط ​​النمو السنوي في أوروبا البالغ 4٪ إلى 5٪.

علاوةً على ذلك، يُوفِّرُ المظهر الديموغرافي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضًا فُرَصًا كبيرة. حوالي 60٪ من سكان الكويت، على سبيل المثال، هم دون سن الثلاثين، ومتوسط ​​العمر في مصر (التي يبلغ عدد سكانها 102 مليوني نسمة) هو 24 فقط. وفي الوقت نفسه، فإن الكثيرين من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتمتّعون بذكاءٍ كبير في مجال التكنولوجيا ويرغبون بالمنتجات التي تُوفّر السرعة والموثوقية والراحة.

ريادة الأعمال المدعومة من الحكومة

أطلقت حكومة الإمارات العربية المتحدة سلسلة من المبادراتِ المُصمَّمة لتعزيز ريادة الأعمال، والتي ستساعد شركات التكنولوجيا المالية على الاستفادة من الفُرَصِ في جميع أنحاء المنطقة.

على سبيل المثال، أنشأت الدولة أخيرًا مناطق اقتصادية عدة خاصة مع: قوانين مدنية وتجارية صديقة للأعمال؛ صفر ضريبة على الدخل والأرباح التجارية؛ ولا توجد قيود على الصرف الأجنبي أو إعادة رأس المال إلى الوطن. ستساعد هذه الإجراءات على جذب اللاعبين الدوليين الحاليين وبالتالي إنشاء تأثيرات شبكةٍ مُحتَملة قوية.

علاوة على ذلك، نفذت الإمارات مُخطّطات التأشيرات الذهبية، والتي تُمكّن الأجانب من العيش والعمل والدراسة في البلاد من دون الحاجة إلى راعٍ وطني، وبامتلاك 100٪ لأعمالهم في البرّ الرئيس للدولة.

الوصول إلى التمويل

كما يعلمُ أيُّ رائد أعمال، فإن التمويل هو أحد أهم مكوّنات نجاح أي مشروع. وفقًا لـ”فوربس الشرق الأوسط” (Forbes Middle East)، كان مقر 22 من أفضل 50 شركة ناشئة مُمَوَّلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العام 2021 في الإمارات العربية المتحدة. ومن بينها، كانت 13 من شركات التكنولوجيا المالية. كان العام الماضي أيضًا عامًا قياسيًا للمنطقة، حيث بلغ حجم الاستثمارات الناشئة مليار دولار، ما يشير إلى استمرارِ شَهيّة المستثمرين النهمة في قطاع التكنولوجيا.

هذا الأمر جاء نتيجة الجهود المتضافرة من جانب حكومتنا. كانت المناطق الحرّة في قلب هذا الأمر، حيث قدّمت مبادرات مُبتَكَرة من سوق أبوظبي العالمي ومركز دبي المالي الدولي مجموعة من المزايا، بما في ذلك عدم وجود ضريبة على الدخل التجاري والأرباح.

كما أعلنت حكومة دبي عن صندوق حي دبي للمستقبل بقيمة مليار درهم (270 مليون دولار) لدعم الشركات التكنولوجية الناشئة من البداية إلى النمو، والتي أطلقها الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، وزير المالية في دولة الإمارات ونائب حاكم دبي.

وبالمثل، أطلقت حكومة أبوظبي العديد من المبادرات لخلقِ بيئة أعمال مواتية للمواهب الريادية والأعمال المبتكرة، مثل “صندوق أبو ظبي كاتاليست بارتنرز” الذي تبلغ قيمته مليار دولار، وبرنامج الابتكار التابع لجهاز أبوظبي للاستثمار الذي تبلغ قيمته 545 مليون دولار والنظام البيئي التكنولوجي العالمي “Hub71”. وقد ساعد هذا الأخير الشركات الناشئة على جمع أكثر من 420 مليون دولار حتى الآن.

مع استمرار نمو الاقتصاد الرقمي لدولة الإمارات، واستمرار الابتكار على مستوى المنطقة والقوانين المواتية في جذب أفضل المواهب الناشئة، تقوم هذه الشركات بتكرار النماذج العالمية الناجحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتشكيلِ مركزٍ عالمي للابتكار في مجال التكنولوجيا المالية، ما يُفيدُ الصناعة في الوقت نفسه والمنطقة والأشخاص الذين يعيشون هنا.

هذا العام، من المتوقع أن تعرفَ دولة الإمارات العربية المتحدة عامًا مهمًّا في تبنّيها للمدفوعات الرقمية، والتي من المقرر أن تُمثّل 73٪ من حجم المعاملات بحلول العام 2023. مع وجود عدد كبير من المُنفِقين على أعتاب الانتقال إلى المدفوعات الرقمية، إلى جانب حكومة تعطي الأولوية لريادة الأعمال والوصول الحاسم إلى التمويل، فإن المنطقة تُعزّز مكانتها على المسرح العالمي كلاعبٍ رئيس في مجال التكنولوجيا المالية.

  • نمير خان هو الرئيس التنفيذي وعضو مجلس الإدارة المؤسس لجمعية التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى