سياسةُ التَصعِيدِ الإسرائيلية إلى أين؟

الدكتور ناصيف حتّي*

إقتِحامُ المُستَوطنين اليهود للمسجد الأقصى وكذلك المسجد الابراهيمي بحمايةِ الشرطة الإسرائيلية، واعتداءاتهم المُتَكَرِّرة على هذين المَسجدين، وتقييد الدخول الى كنيسة القيامة بالإضافة إلى تقييد احتفالات سبت النور، كلُّها أعمالٌ تَندَرِجُ في سياسةٍ إسرائيليةٍ واضحةِ المعالم والأهداف. سياسةٌ يُنفذّها اليمين المُتشَدِّد، الديني والسياسي، تقومُ على تهويد القدس وإفراغها من أهلها. ولا تكفي الإدانات وبيانات التحذير والدعوة إلى وَقفِ التصعيد وتهدئة الأمور على الأرض لوضعِ حدٍّ لهذه الأعمال. فإعطاءُ النزاعِ طابعٌ ديني كما تفعل إسرائيل، ولو تحت مُسمّياتٍ مُختلفة ولكنها تبقى مكشوفةً وواضحة، أمرٌ له تداعيات خطيرة تطال المنطقة كلّها.

الحكومة الإسرائيلية القائمة على ائتلافٍ هجين والتي تضمّ حزبًا إسلاميًّا مُعَرّضة للسقوط في أيِّ لحظة بعدما فقدت أكثرية الصوت الواحد في الكنيست عندما تركها أحد النواب، وهي بالتالي مُعَرَّضة للسقوط في ما لو فقدت نائبًا آخر. وذلك سيعني صعوبة تأليف حكومة جديدة والدخول في أزمةٍ سياسية مفتوحة بسبب طبيعة توزيع القوى في الكنيست .

ما يحصلُ حاليًّا من تصعيدٍ إسرائيلي على الأرض في القدس والأراضي الفلسطينية المُحتَلّة ليس مُفاجِئًا. وللتذكير، فقد أعلن رئيس الوزراء نفتالي بينيت عشية تشكيل الحكومة عن رسالتين واضحتين: أوّلًا، إن وجودَ حزبٍ عربي فيها لن يمنع حكومته أو يُقَيِّدها من شنِّ حربٍ في غزة او لبنان إذا استدعى الأمرُ ذلك. وثانيًا، إن الحكومة التي ستُشَكَّل لن تُجَمِّدَ الاستيطان في الضفة الغربية. والجدير بالذكر ان الحكومة الجديدة صادقت في بداية نشاطاتها على ٣١ مشروعًا استيطانيًا جديدًا. وصرح بذلك أكثر من مسؤولٍ إسرائيلي، ولم يكن هذا الموقفُ مُفاجِئًا بالطبع. وقد هدّدت “القائمة العربية المُوَحَّدة للحركة الاسلامية” المُشارِكة في الحكومة، والتي جمّدت عضويتها في الائتلاف الحكومي، بالانسحاب الكامل من الإئتلاف إذا استمرّت الحكومة في سياستها الراهنة، والذهاب إلى التفاوض مع المعارضة التي يقودها بنيامين نتنياهو. لكن ذلك لم يُغير بالطبع من سياسة الحكومة في ما يتعلق بالأهداف الاستراتيجية لهذه السياسة.

على صعيدٍ آخر أعلنت الأطراف الفلسطينية الأساسية عبر الوسطاء أنها لا تُريدُ مواجهةً في غزة أو في الضفة الغربية. وتعمل الأطراف الدولية المُنخرِطة ديبلوماسيًا في الأزمة حاليًا تحت عنوانٍ واحد وهو احتواء التصعيد و”تجميد أعمال العنف”. وتُكرّرُ  إسرائيل الإعلان عن موقفها، أو تحديدًا عن نظرتها للسلام: موقفها القائم على “الاقتصاد مُقابل السلام”. فالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال، ليس من حقه الحصول على دولة مستقلة كما هي حقوق الشعوب الرازحة تحت الاحتلال، إنّما على بعضِ “مَراهِم” المساعدات الاقتصادية. ويُطرَحُ ذلك بشكلٍ خاص بالنسبة إلى الوضع في غزة. ويندَرِجُ في إجراءاتِ بناءِ الثقة الوعد بالإفراج عن بعض المعتقلين .

وللتذكير، صرّح أكثر من وزيرٍ إسرائيلي منذ قيام الحكومة أن حلَّ الدولتين غير مطروحٍ على الطاولة الآن. وهذا تعبيرٌ ديبلوماسي للقول أن هذا الحلّ كما هو واضحٌ غير موجود على الأجندة السياسية للقوى الأساسية في إسرائيل سواء في السلطة أو في المعارضة لأسبابٍ بعضها عقائدي ومبدئي وبعضها الآخر واقعي بسبب  الطبيعة الراهنة لتوازن القوى بين طرفي النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. التوازن الذي يستندُ أيضًا إلى توازنِ القوى في الإقليم الشرق أوسطي وتراجع القضية الفلسطينية عن جدول الأولويات الإقليمية والدولية في الشرق الاوسط.

إجتماعُ اللجنة الوزارية العربية المَعنية بالتحرّك لمُواجهة السياسات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس المُحتلّة شكّلَ خطوةً ضرورية لإعادة إدراج التسوية السياسية الشاملة للقضية الفلسطينية على جدول الأولويات الإقليمية والدولية. خطوةٌ أوّلية في مسارٍ لن يكونَ إطلاقه أو النجاح به سهلًا ولكنه ضروري. مع ذلك فهو غير كافٍ إذا لم تتبعه أو تَنبثِقُ عنه مُبادَرةٌ ديبلوماسية عربية على الصعيد الدولي: الشرط الضروري لإطلاق هذا المسار، رُغمَ العوائق العديدة أمام هذا الأمر. فغيابُ أيّ أفقٍ جدّي وواقعي للتسوية الشاملة يجعل من هذا النزاع ورقة أساسية ومُؤثّرة في لعبة الصراع والتنافس في المنطقة مع ما لذلك من تداعياتٍ مُكلفة على الاستقرار في الإقليم.

  • الدكتور ناصيف يوسف حتّي هو أكاديمي، ديبلوماسي متقاعد ووزير خارجية لبنان السابق. كان سابقًا المُتَحدِّث الرسمي باسم جامعة الدول العربيةولاحقًا رئيس بعثتها في فرنسا والفاتيكان وإيطاليا، والمندوب المراقب الدائم لها لدى منظمة اليونسكو.
  • يصدر هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) توازيًا مع صدوره في صحيفة “النهار” (بيروت).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى